مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“خـانـقـيـن”.. أزمة حكومة وأزمة وطـن!

أفراد من ميليشيات أمنية يستطلعون آثار هجوم انتحاري شن بسيارة على مقر القوات الأمنية الكردية في خانقين (140 كلم شمال بغداد) يوم 10 أغسطس 2008 Keystone

بعد كركوك التي تحولت بسبب تراكمات عدة حصلت في الأنظمة السابقة إلى أزمة وطن في العراق الجديد، هاهي خانقين تبرز الى الواجهة لتذكّر العراقيين مرة أخرى بما ارتكبه الساسة الجدد والاحتلال، من جريمة كبيرة حين قسموا العراق إلى "محاصصات" و"توافقات" وإلى "وطن يُباع ويُشترى" وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.

فخانقين وهي من توابع محافظة ديالى الواقعة شمال شرق بغداد،أعتبرت البوصلة الأساسية – بعد كركوك – التي تحدد اتجاه القوى السياسية العاملة في الساحة العراقية، نحو العراق الواحد أو صوب التقسيم الذي لم يبرح ينسج خياله وينشر ظله على الكثير من المدن العراقية خصوصا في الوسط والجنوب، في المناطق المجاورة لايران كما هو الحال مع خانقين التي لايخفي البعض من سكانها الأكراد الحديث عن حلم الدولة اللورستانية للأكراد الفيلية ويشكلون معظم سكان القضاء المكون من أكثر من 200 ألف نسمة.

وخانقين .. بلدة جميلة بأشجارها وبساتينها، ومقاهيها وفنادقها وخاناتها التجارية منذ كانت ملتقى زوار العتبات المقدسة ما بين العراق وايران. وهي جميلة أيضا بأهلها الطيبين المنفتحين على العالم منذ قرون بأدباء ومثقفين تنحني لهم قامات الثقافة في عالم يضج بأشباه الرجال ممن كان الى الأمس القريب يصفق لرئيس النظام السابق ويكتب فيه شعرا ونثرا، وينسج له روايات عن مجد زائف، وهو اليوم يغني للعراق الجديد بلغة المحاصصة والمقاسمة والعصبيات، ويسعى الى تقسيم العراق..

خانقين الغنية بحقولها النفطية في جاسرخ وبيكه وبانه بوره والنفطخانه، فيها مصفى الوند ومستودع (k.o.d) لنقل النفط الخام عبر سكك حديد خانقين – جلولاء- بغداد، مايجعلها في الأهمية تشبه مدينة كركوك النفطية المتنازع عليها والتي قد تفجر صراعا في الوطن الواحد لن تندمل جروحه الى قرون قادمة.

ومن هنا فان الأزمة واحدة في عراق كان واحدا قبل مجيء البعثيين الى الحكم في العام 1968 ، فهم الذين خلقوا أزمة خانقين، وزرعوا مبررات اندلاعها، كما فعلوا في كركوك ومدن عراقية أخرى في قائمة أزمات العراق الطويلة.

ومن لا يعترف بأن سكان خانقين هم خليط من الكرد (الفيلية الشيعة) والتركمان والعرب وبعض العوائل المسيحية، وجميعهم يتقن اللغة الكردية، ومعظمهم مندمج أيضا مع الثقافات العربية والتركمانية والفارسية دون أن يضيع هوية المدينة الكردية الممزوجة في بعض الأماكن بنكهة تركمانية قديمة، ربما لايدري أن الفتنة كانت نائمة، قبل أن يُوقظها البعض.

هكذا هو التأريخ ، يقرأه من زار خانقين قبل أن يبدأ نظام صدام محاولة تعريبها أو تغيير ديموغرافيتها عبر ترحيل العديد من سكانها الأكراد الى البصرة والناصرية والعمارة والسماوة، وأيضا الى الرمادي.

نظام صدام مارس التعريب في خانقين، وكان يجري تنقلات – بدت وكأنها إدارية اعتيادية – بين الموظفين وينقلهم مثلا من مصفى الوند الى شركة نفط الجنوب،أو في وظائف لاتمت الى وظائفهم التي كانوا عليها في خانقين بأي صلة.

“لعنة” إيران . وأزمة دولة!

لم يكن موقع خانقين الجغرافي ووقوعها على طريق الحرير (المسمى بالكردية “رى ئه وريشم” وبالفارسية “جاده ى ابريشم”) والذي كان يمر من وسطها وعبر جسرها جالبا للحظ لها، فقد عانت البلدة الغنية بكل شيء من الاهمال في كل الحقب السابقة، وكان مقررا لها أن تصبح محافظة(لواء) منذ عام 1923 الا أن ذلك لم يحصل لأن معظم سكانها من الكرد، ولأنها تجاور ايران فحلت عليها لعنة المدن العراقية الأخرى المجاورة لايران (!)، وبقيت قضاء مهملا تابعا الى محافظة ديالى. كما عانت في عهد صدام أكثر مما عانته شقيقاتها المدن العراقية الأخرى لأنها ببساطة كردية وشيعية. وقد سعى نظام صدام بشتى السبل الى تحجيمها وتصغيرها أنتقاماً من أهلها الذين وقفوا ضد سياساته العنصرية.

على أي حال فقد انفجرت أزمة خانقين وكأنها تُخبر الأهالي أن قدرهم في العيش المشترك في “مكان الحزن” (هكذا يترجم اسمها سكانها التركمان)، يكاد ينكسر على أبواب نظام المحاصصة ومن يتمسك به، ذلك أن أزمة خانقين بدأت ذيولها مباشرة بعد سقوط النظام السابق، عندما سارعت الأحزاب الكردية إلى ارسال قوات البشمركة التابعة لها الى خانقين، ونجحت في السيطرة عليها على الرغم من أن خانقين لا تشكل جزءا من إقليم كردستان ولا ترتبط به بأي شكل من الأشكال وليس من المفترض أن تتواجد فيها قوات البشمركة.

ومع الاعلان عن “بشائر الخير” أواخر تموز يوليو بمشاركة نحو ثلاثين ألفا من القوات العراقية والأمريكية لتعقب عناصر تنظيم القاعدة وقادة مليشيات شيعية مختبئين في أطراف ديالى – كما تقول الرواية الرسمية المدعومة أمريكيا، بدأ التحالف الحاكم المكون من الائتلاف العراقي الموحد “الشيعي” والتحالف الكردستاني يشهد تصدعا برز في الخلاف الشديد حول دور القوات الحكومية في التدخل في خانقين من دون بقية مدن وقصبات ديالى.

ويستند الأكراد الى حجة بدت غير مشروعة وهم يقولون إنهم لم يناقشوا مسألة خانقين أصلا مع النظام السابق المفاوضات التي جرت عام 1991، وعُـدت بذلك جزءا من إقليم كردستان، وان قوة البيشمركة التي ذهبت الى جلولاء – في العمليات الأخيرة- كانت بطلب من بغداد، وتمكنت من تطهير المنطقة من الارهابيين مشيرين الى أن صدام كان قبل بضم سنجار وخانقين الى الاقليم.

هذه الحجة لم تقنع الائتلاف حين قرر رئيس الوزراء نوري المالكي إرسال الجيش إلى خانقين، لتتوتر العلاقة بين الائتلاف والتحالف، وانعكس ذلك على العلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، خصوصا بعد قرار مثير اتخذه المالكي بابعاد الأعضاء الأكراد من وفد التفاوض مع الولايات المتحدة حول الاتفاقية الأمنية طويلة الأمد.

ولم يمنع اعلان المالكي أن من حق الجيش دخول أي محافظة أو اقليم من دون استثناء، من أن يصعّد الأكراد من خطابهم مهددين بالانسحاب من الحكومة، وحتى من العملية السياسية.

دور أمريكي!

وأمام هذا التوتر الخطير الذي يهدد بانفراط العملية السياسية وكل جهود واشنطن قبيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، فان الولايات المتحدة التي ترعى العملية السياسية وهي المشجعة لنظام المحاصصة، وهي لاتريد للاكراد أن يشعروا أنهم لم يحصلوا على ماوعدتهم به من تعزيز نفوذ اقليم كردستان، ولكنها في نفس الوقت لاترغب أن تفرط كثيرا بتأييد الشيعة والعرب السنة لها خصوصا بعد نجاح الكثير من مفاصل المصالحة الوطنية لصالح انضمام العرب السنة الى العملية السياسية بشروطهم. ولهذا أوفدت الى اقليم كردستان وفدا رفيع المستوى من السفارة الأمريكية في العراق، التقى رئيس الاقليم مسعود بارزاني في صلاح الدين وبحث معه تنفيذ المادة 140 من الدستور حول كركوك ومشكلة خانقين.

الأكراد يتذرعون بأن منطقة خانقين آمنة بصورة عامة مشككين في نية المالكي ومن يسانده من قادة الجيش ومعظمهم من الجيش السابق الذي لايحمل ودا للأكراد، وقد بدا ذلك واضحا في الشعارات التي أطلقها الجيش حين قدم الى خانقين بحجة القضاء على الإرهاب (!).

وقد أيد الوفد الأمريكي وجهة نظر بارزاني برفض أن يكون هناك أي انتشار عسكري أحادي الجانب من دون أن يتم التنسيق مع الجانب الآخر أي الأكراد!..

وما يثير الدهشة ومخاوف من أن يكون الدور الأمريكي لايصب في النهاية في صالح عراق موحد، هو صدور بيان كردي نقل أن الوفد الأمريكي الذي رأسه السفير توماس كريجيسكي المسؤول عن تنفيذ المادة 140، أعرب عن “دعم الولايات المتحدة لتنفيذ هذه المادة من الدستور”، مشيراً الى أن “كردستان قوية في اطار العراق وستقوي العراق ولن تضعفه”.

طبعا هذه التصريح ينقله الأكراد فيما لاتخفي أوساط شيعية قلقها من أن واشنطن قد تكون تعد لانقلاب عسكري يطيح بالمالكي بعد الكشف عن أنها كانت تتنصت على مكالماته، وبسبب وجود “نوع من العسكرة في العراق، خاصة في ظل محاربته للإرهاب والمليشيات التي غلب فيها الجانب العسكري والاستخباراتي”.

تحالف هش!

لكن هل يؤثر التوتر الأخير على جوهر التحالف بين الائتلاف الشيعي (تملك كتلة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية بعد انسحاب حزب الفضيلة والتيار الصدري منها 83 مقعدا من مقاعد البرلمان المكون من 275 مقعدا) والتحالف الكردي، (الذي تحالف مع الائتلاف في تشكيل حكومة المالكي، ويتوفر على 53 مقعدا)؟

بعض المراقبين يرى أن هذا التحالف “تفكك” قبل هذا الوقت، في قضية كركوك، فيما يعتقد آخرون أن لعبة المصالح ستعيد الأمور الى نصابها بين الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني،من منطلق أن نظام المحاصصة لايترك مكانا لتحالفات استراتيجية مادام معظم الفرقاء غير مهتم – إن لم يكن يعمل لذلك – بنتائج مثل أزمة خانقين على تقسيم العراق…

نجاح محمد علي – دبي

بغداد (رويترز) – قال مسؤول عراقي كبير ان الحكومة المركزية واقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي شكلا لجنة تهدف لنزع فتيل التوتر المتزايد بخصوص النفط والخلافات الاقليمية.

وقال برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي إن مجموعة العمل بدأت تعقد اجتماعات قبل عدة اسابيع بهدف تخفيف التوتر بخصوص مدينة كركوك المتنازع عليها وقانون النفط الذي تأخر صدوره ودور قوات البشمرجة الكردية وقضايا أخرى محل خلاف.

وقال صالح لرويترز “نحن نعرف ما هي المشاكل. مجموعة كاملة من القضايا التي تسبب التوتر في الوقت الحالي”. وأضاف صالح وهو كردي قائلا: “لا أحد ينكر وجود مشاكل وتوتر واختلافات في المواقف. السؤال هو.. كيف نواجه تلك المشاكل”. وأعربت الحكومة المحلية في كركوك عن الاحباط في الشهور الاخيرة من تزايد ما ترى أنها قرارات تتخذها حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي في بغداد من جانب واحد.

وللاكراد الذين يمثلون أقل من خمس سكان العراق الذين يغلب عليهم العرب تاريخ معقد ودام في أحيان كثيرة مع بغداد. وبعد أن قتل منهم الالاف في عهد الرئيس السابق صدام حسين تمتعوا يحكم ذاتي فعلي في شمال العراق منذ حرب الخليج الاولى عام 1991. وبعد الاطاحة بصدام عام 2003 أصبحوا شركاء في حكومة بغداد التي تساندها الولايات المتحدة.

وتوترت علاقاتهم بالحكومة المركزية في بغداد بصفة خاصة بخصوص كركوك المدينة الغنية بالنفط الواقعة خارج اقليم كردستان لكن الاكراد يعتبروها موطن أسلافهم. وتسبب الصراع من اجل السيطرة على كركوك حيث يعيش أيضا سكان عرب وتركمان في تأجيل موعد الانتخابات المحلية لان أعضاء البرلمان في بغداد فشلوا في الاتفاق على تحديد وضع المدينة في قانون جديد لازم لاجراء الانتخابات.

وأثار الخلاف مخاوف من احتمال اندلاع أعمال العنف مرة أخرى في العراق بعد أن تراجعت اراقة الدماء الى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات. وقال صالح “هذا الربط بين الانتخابات وكركوك كان مؤسفا”. وزادت حدة التوتر بخصوص خانقين التي يسكنها خليط عرقي في محافظة ديالى والتي كانت تتمركز فيها قوات البشمرجة.

واعترض مسؤولون أكراد عندما أمرت بغداد قواتها بأن تحل محل البشمرجة في اطار حملة لاعادة السلام الى المحافظة المضطربة. وقال صالح ان الخلاف انتهى الى حد بعيد بعد أن أعطيت الشرطة المسؤولية الاولى عن الامن في البلدة.

وشكا رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني في مقابلة أجرتها معه في الآونة الاخيرة صحيفة الشرق الاوسط التي تصدر في لندن من أن بغداد همشت دور الاكراد في قضايا أمنية واقتصادية وعسكرية رئيسية وأكد حقوق الاكراد في المناطق المتنازع عليها.

وقال البرزاني في المقابلة ان الاكراد يرفضون معاملتهم كعراقيين من الدرجة الثانية وانهم كانوا موجودين على أرض العراق قبل الذين يزعمون الان أنهم عراقيون أكثر من الاكراد. وأضاف أن الاكراد يرفضون مثل تلك المزايدات.

وقال صالح ان مجموعة العمل الجديدة التي تعقد اجتماعات مع المالكي بصفة منتظمة ستسعى ايضا لانهاء الخلاف بخصوص القانون الوطني للنفط الذي أقرت الحكومة العراقية مسودة له في مطلع عام 2007. وتعطل اقرار القانون لاسباب منها ما اذا كانت كردستان ستكون لها سلطة توقيع عقود نفطية بمفردها ومن ستكون له السيطرة على الاحتياطيات هناك.

ويدور خلاف أيضا بخصوص وضع عقود النفط التي وقعتها حكومة كردستان بالفعل والتي تعتبرها بغداد غير قانونية. ويريد العراق الذي يملك ثالث أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط الاستفادة من حقوله النفطية ويعتزم توقيع مجموعة من العقود المربحة العام المقبل مع شركات نفط أجنبية. وقال صالح “هذا الغموض القانوني يضرنا جميعا.. العراق كله وليس مجرد ( حكومة اقليم كردستان)”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 سبتمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية