مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شذى الشرق في قلب جبال الألب (1 من 2)

swissinfo.ch

لا يمكن لزوار منطقة جبال الألب جنوبي كانتون برن أن يتوقعوا وجود هذا الكم الهائل من الكتب والمخطوطات حول الشرق في هذا المكان الذي لا تجد فيه إلا كل ما هو سويسري وجبلي يحيط بك من كل جانب، إلا أنه على ارتفاع ألف متر تقبع "مكتبة ودار نشر الشرق".

فعلى امتداد ثلاثة طوابق في البيت الأنيق تسافر في رحلة عبر التاريخ، تنسى فيها تماما أنك في سويسرا، وتنقلك رائحة الكتب إلى الأندلس وما كتبه الإسبان عن الحضارة الاسلامية أو دراسات قديمة حول الفقه الإسلامي وأصوله، ثم تتحول إلى المغرب وما دونته أقلام طلبة العلم في القرون الماضية ومنها إلى بقية بلدان شمال إفريقيا وما كتبه الرحالة الغربيون أو رسمته ريشة عشاق الفنون مرورا بصقلية ومالطة، ثم شبه الجزيرة العربية وأدق الخرائط حول المنطقة، وبلاد الشام والعراق، ثم تركيا ونهاية بوسط آسيا وجنوبها.

خمسة عشر ألف كتاب ومخطوطة تضمها المكتبة، مزيج من كتب الأدب والفقه والفن والمذكرات والقواميس والمعاجم والخرائط والصور الفوتوغرافية، أقدمها يعود إلى القرن السادس عشر والكثير منها نادر الوجود لم تتبقى منه سوى نسخ معدودة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، كأول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية والتي يتعود إلى عام 1623 اجتهد فيها “شفايغر سالمون”، أو أقدم ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية والتي تعود إلى عام 1548، أو أول تدوين للأسلحة في العراق في القرن الثامن عشر.

انفردت “سويس أنفو” بمعرفة قصة “مارك إدوارد إيناي” صاحب هذه المكتبة الفريدة مع الشرق، حيث بدأت في الخميسنات أثناء دراسته لتاريخ الفن في باريس، والتقائه مع بعض الدارسين العرب هناك من تونس والمغرب، ومن خلالهم تعرف على الفن الشرقي، ثم استكمل دراسته بعلوم المصريات ودعمها بدورة حول السجاد الإيراني.

في حياته العملية التي دارت كلها حول الفن الشرقي، إحتك كثيرا بالسجاد الإيراني وأصبح من العارفين بخباياه وأسراره، فكان من الطبيعي أن ينتقل إلى ايران لفترات طويلة ومنها إلى بعض دول وسط آسيا، فيتزايٍد بالتالي احتكاكه مع الشرق و سحره.

البداية كانت في ايران

النقلة الكبيرة في حياة “مارك إيناي” كانت بعد قيام الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه، حيث كلفه مسؤول بارز في حكومة الشاه بتجهيز مكتبة في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية لتضم أمهات الكتب المهتمة بالشرق، حيث خشي عليها هذا المسؤول الإيراني من الضياع أو الاندثار.

ويبدوا أن هذه الفرصة وما صحبها من إمكانيات متاحة كانت بابا واسعا للسيد إناي للغوص في بحر الكتب، فبدأ بشكل شخصي البحث عن القرآن الكريم والترجمات المختلفة لمعانيه وخاصة التاريخية والنادرة منه، وحالفه الحظ في العثور على ما هو قيم وثمين باللاتينية والفرنسية والإنكليزية والهولندية، و انتهى المطاف بهذه التشكيلة التاريخية النفيسة في المملكة العربية السعودية، ثم أتبعها بمجموعة نادرة من الكتب والمخطوطات حول الحروب الصليبية، استقرت بعد ذلك في بيروت.

وفي رحلة البحث التي طاف فيها الكثير والعديد من البلاد صادفت عيناه الكثير من الكتب، التي تتحدث عن الشرق من جميع الجوانب، فجمع ورتب وصنف كل ما عثر عليه بشكل يسهل عليه العثور على ما يريد في اقصر وقت ممكن، كما تشكلت لديه قاعدة بيانات واسعة.

ويؤكد بأن ما أراد أن يعثر عليه لم يجده في الشرق وإنما في أوروبا، ويبرر ذلك بعوامل مختلفة مثل الطقس الذي يجعل الحفاظ على الكتب والمخطوطات أمرا صعبا وخاصة في غيبة الإمكانيات التي تساعد على حفظ تلك الكتب القيمة عدا بالطبع المتاحف أو دار الكتب، أو التهريب الذي ساعد على اختفاء العديد من المخطوطات والكتب النادرة من بلادها لتجد لها مأوى في الغرب .

الكتب التي يعثر عليها السيد إناي لا تترك على حالتها، فهي تنظف وترمم للحفاظ عليها في شكل جيد قدر المستطاع، ولديه ورشة يقوم فيها مع زوجته بفحص الكتب الأثرية وتقديم الإسعافات الأولية لها، أما الحالات المستعصية فيفضل أن يقوم بترميمها ورعايتها المتخصصون، الذين تتوافر لديهم المزيد من الإمكانيات والوقت، ويضطر إلى الاستعانة بخبراء ترميم الكتب في كل من ألمانيا وفرنسا نظرا لارتفاع التكاليف في سويسرا.

مارك ايناي لا يجد صعوبة في معرفة أهمية الكتاب أو المخطوطة تاريخيا، فالأسماء الأوروبية التي عالجت موضوع الشرق والإسلام معروفة تماما، وأسماء مؤلفاتهم أيضا مدونة، ويبقى فقط العثور على هذا الكتاب أو تلك المخطوطة، وهو فن آخر نتعرف عليه في الجزء الثاني

تامر أبوالعينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية