مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عندما يبدأ حوار الحضارات من .. أبو ظبي!

Keystone

لم يكن يدر بخلد الرئيس الإيراني السابق سيد محمد علي خاتمي يوما أن واحدة من الإمارات العربية المتحدة السبعة، التي تتنازع مع بلاده حول ثلاث جزر في الخليج، ستتحوّل إلى نقطة انطلاق لتحقيق مشروعه في حوار الحضارات، الذي أطلقه ولم يفلح في تطبيقه أثناء فترتين رئاسيتين، أعقبتهما زيادة مفرطة في حدّة التوتر بين بلاده والغرب.

فخاتمي الذي ما يزال مُـؤمنا بنظريّـته حول إزالة بؤر التوترات وتشجيع حوار الحضارات، ها هو اليوم يشاهد إمارة أبو ظبي، وهي واحدة من سبع إمارات وحّدها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقادها نحو الحضارة والحداثة في آن، وبمزيج لا يوجد نظيره في العالم، بعد أن كانت صحراء قاحلة كأخواتها: لا ماء ولا شجر، وهي تتحوّل اليوم إلى واحة كبيرة من العطاء العمراني الشامخ، وعنصر بناء وتقدّم للحضارة الإنسانية، التي تبحث عن النماء باستمرار.

وبعد مشروع الترجمة الكبير، الذي أطلقه الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي لنقل كل حضارات العالم عبر ترجمة كتبه النفيسة إلى أبو ظبي، تنفذ الإمارة الهادئة دوما، مشروع بناء عدّة متاحف عالمية، لتضيف بها وبغيرها من المشاريع القادمة، روحا حضارية إلى العمران المُـتنامي على الحجر.

ولكي لا تكتفي بالبناء الحجري والصخري وبزيادة عدد طوابق العمارات في كل الإمارات “ولا تخسر الإمارات وتكسب فقط العمارات”، على حد قول قائد شرطة دبي ضاحي خلفان.

مشروع متاحِـف أبو ظبي العالمية سحرَ الألباب وواجه أسئلة عديدة، بعضها مشكك، خصوصا عندما يتعلّـق الأمر بما سمّـته صحف بريطانية “شراء الثقافة والحضارة”، والآخر مندهِـش، لأن هكذا مشروع يبدو غريبا في عصر تتزايد فيه الكراهية والصِّـدام بين الشعوب والحضارات، خصوصا بين الشرق والغرب، بعد غزو العراق وقبلها “غزوة نيويورك”.. وأخيرا وليس آخرا، الصراع في منطقة القوقاز.

صحيح أن الحضارة لا تُـشترى والثقافة لا تؤجّـر، غير أن هذه المنطقة، التي عانقت الإسلام منذ قرون وانفتحت على كل العوالم والحضارات، حتى قبل أن يُكتشف فيها النفط، هي جزء لا يتجزأ من حضارة قديمة أنشأها الإسلام وبقية الأديان الإلهية والحضارات السابقة.

السعديات!

لقد جاء السعد إلى دولة الإمارات من قبالة شواطئ أبو ظبي، حيث ترقد جزيرة مساحتها 27 كيلومترا مربعا، ليس لها من التاريخ إلا أن اسمها “السعديات” وبضع عشائر عريقة كانت تسكنها، فهاجر معظم أهلها إلى “الحاضرة” في أبو ظبي، إذ لم يقطعوا غير 500 مترا فقط ليعبُـروا إلى شواطئ العاصمة، تاركين جزيرتهم السّـاحرة تحتضِـن الشمس والنجوم، قبل أن يقرر المسؤولون – بعد تفكير – أن تُـصبح “السعديات” محمية طبيعية..

ومن هنا كانت البداية.. فالسعديات باتت قِـبلة القاصي والدّاني، حتى قبل أن يكتمِـل هذا المشروع الضّـخم، ليبدأ استقبال الزائرين للنسخة “الظبيانية” من متحف اللُّـوفر الفرنسي ابتداء من 2012، بحسب شركة الاستثمار والتطوير السياحي، التي تقوم بتطوير الجزيرة.

ولقد بدأت بشائر السّـعد تُـلوِّح في “السعديات” منذ عام 2004، عندما قرّرت هيئة أبو ظبي للسياحة تطوير الجزيرة، لتصبح مركزا سياحيا عالميا وقاعدة انطلاق ثقافية.

وتمّ بالفعل الاتفاق مع مؤسسة غنسلر الأمريكية وتأسيس شركة التطوير والاستثمار السياحي، لتتحمل مسؤولية إنشاء صرْح عالمي في جزيرة يُـمكنها أن تستضيف 150000 مقيما.

وقد خُطِّـط بدقّـة، لكي تضم جميع المرافق الترفيهية والسياحية، بالإضافة إلى المنشآت المدنية والثقافية التي من المقرر استكمالها في عام 2018. وسيتم تطوير ستّ مناطق فيها 29 فندقا و3 أحواض بحريّة ومركزا للثقافة والفنون ومَلعَبَيّ غولف و19 كيلومترا من الواجهة البحرية، ستتصل الجزيرة مع مدينة أبو ظبي عبر جسرين، سيوظـّف أحدهما نظام سكك حديدية خفيفة وطريق سريع طوله 10 كم مع جسر.

وبداية، تمّ التوقيع على اتفاقية مع مؤسسة غوغنهايم في يوليو 2006 واكتملت الخطّة الرئيسية في يناير 2007 وعُـرضت في معرض في فندق قصر الإمارات على كورنيش أبو ظبي من 31 يناير حتّى 30 أبريل 2007.

ومن المقرر أن تحتوي المنطقة الثقافية على خمس مؤسسات ثقافية رئيسية، من تصميم أربعة من كبار المصمِّـمين المعماريين في العالم وهي: متحف غوغينهايم من تصميم فرانك غيهري والمتحف البحري من تصميم تاداو آندو ومتحف اللُّـوفر من تصميم جين نوفيل ومركز الفنون من تصميم (العراقية) زهاء حديد، كما ستحتضن المنطقة متحفا وطنيا وعددا من الأجنحة الفردية والساحات المفتوحة.

اللُّـوفر أبو ظبي

لكن أهم ما يميِّـز هذه المؤسسات الثقافية، هو أن متحف اللُّـوفر الباريسي، وهو متحف عالمي للفن، ستنتقل نسخة منه إلى أبو ظبي، وِفق اتِّـفاق شراكة تمّ التوقيع عليه في 6 مارس 2007 بين حكومة جمهورية فرنسا وحكومة الإمارات العربية المتحدة.

وستكون الوكالة العالمية للمتاحف الفرنسية – مكوّنة من 12 مؤسسة عامة رئيسية – مسؤولة عن الإشراف على المفهوم العام ومراقبة عملية البناء وتعريف تطوير وتنفيذ السياسة العلمية للمتحف وتنظيم الاستعارات من المجموعات الفرنسية وتنسيق الأمور المتعلّـقة بنظام المتحف والبرمجة والمساعدة في التوظيف والتدريب المِـهني لموظّفي المتحف وتطوير إستراتيجية امتلاكٍ لبناء مجموعة المتحف الخاصة وغيرها.

وأول شيء عملت به الوكالة، هو أنها غطّـت الموقع بقُـبَّـة ضخمة مصنوعة من شبكة من النقوش المختلفة المتشابكة لتُـكوّن سقفا شفّافا، تسمح بمرور نور ساحر متشتّـت إلى الفراغ، كما في العمارة العربية التقليدية العظيمة.

غوغنهايم أبو ظبي

سيصبح هذا المبنى أكبر حجما من أيّ متحف آخر من متاحف غوغنهايم الموجودة في العالم. وقد تمّ في 8 يوليو 2006 – توقيع مذكّرة تفاهم بين أبو ظبي ومؤسسة غوغنهايم، ومقرّها نيويورك، لتأسيس متحف عالميّ المستوى، مخصص للفن الحديث والمعاصر، وسيدعى غوغنهايم أبو ظبي (GAD) ومن المتوقّع أن ينتهي بناء المتحف في خمس سنوات.

سيكون تركيز مجموعات ومعارض غوغنهايم أبو ظبي على الفن الحديث والمعاصر منذ الحرب العالمية الثانية. سيكوّن المتحف مجموعته الرئيسية الخاصّة من الفن المعاصر وسيعرض أعمالا رائعة من مجموعات مؤسسة غوغنهايم العالميّة.

سيضمّ المتحف صالات عرض للمجموعات الدائمة وصالات للمعارض الخاصّة وقسما للهندسة المعمارية والتصميم، ومركزا للفن والتكنولوجيا ومرافِـق تعليميّة للأطفال وأرشيف ومكتبة ومركز أبحاث ومختبرا حديثا جدا لحفظ وترميم الأعمال الفنية.

مشروع ثقافي متكامل

منتزه البينالي في أبو ظبي سيشتمل على 19 جناحا مصطفة بشكل موازِ لقناة، يصممها معماريّون مشهورون، مختلفة في الحجم وعلاقتها مع المحيط، وتوفّر بذلك برنامجا فنيا متنوّعا. كما يمكن للأجنحة أن تستضيف نطاقا واسعا من الفعاليّات، من استوديوهات للفنانين الزوّار والمعماريين، وحتى مؤتمرات ومعارض تجاريّة للفن والتصميم، بالإضافة إلى برامج بينالية متبدّلة من الفن والهندسة المعمارية.

وتشرح المهندسة المعمارية والفنانة العراقية زها حديد، المفهوم المعماري للمشروع قائلة: “المحور المركزيّ لمنطقة أبو ظبي الثقافيّة، هو ممر للمشاة، يمتدّ من متحف الشيخ زايد الوطني نحو البحر (…) ينطلق الشكل النحتيّ لدار المسارح والفنون من هذه الحركة الخطيّة، وتتطوّر تدريجيّا لتُـصبح كائنا عضويّا تنبثق عنه فروع متتالية. والمشروع يمتدّ في الموقع، يزداد تصميمه تعقيدا، ويزداد ارتفاعا وعُـمقا، ويحقق عددا من القِمم في أجسام تحتوي مساحات العروض الأدائيّة، التي تنطلق من هياكل، مثل عناقيد الفاكهة وتتّـجه نحو الغرب، نحو الماء”.

وحرصت السيدة زها حديد، وهي معمارية عراقية تقيم وتعمل في لندن، على أن يكون تصميمها واسطة العقد بين المباني الثقافية التي أبدعها عظماء المعماريين فوق جزيرة السعديات الإماراتية. وقد وقع عليها الاختيار لتصميم منصة رحبة لانطلاق أرقى فنون المسرح والموسيقى والأوبرا، هي دار المسارح والفنون بأبوظبي، وهي واحدة من الصروح الثقافية الخمسة المُـنتظر أن تُـقام على أرض جزيرة السعديات في إطار مشروع ثقافي متكامِـل يضع الإمارات على خريطة الثقافة العالمية.

من بيكاسو .. إلى القياصرة الروس

وقبل أسابيع استضاف قصر الإمارات في إمارة أبو ظبي، 186 لوحة ومخطوطة للرسام والنحات العالمي المعروف بابلو بيكاسو، وقد جيء بها من معرض أقيم في متحف الملكة صوفيا في مدريد، ومن المقرر أن يستمر المعرض إلى الرابع من سبتمبر المقبل.

ومن ضمن لوحات ومنحوتات ومخطوطات بيكاسو الـ186، كشف النقاب للمرة الأولى عن 40 مخطوطة ورسما يدويا، بعضها أظهر تأثر الفنان الإسباني بالحضارة العربية بمسقط رأسه في مالقة. وقد توزعت أعمال المعرض بين خمس قاعات، وتستكشف كل قاعة بمعروضاتها، مراحل زمنية وفنية مهمّـة في حياة بيكاسو.

كذلك استضاف قصر الإمارات في أبو ظبي معرض “ترسانة القياصرة الروس”، الذي تعرض فيه كنوز متاحف الكرملين في موسكو ويستمر حتى 18 نوفمر القادم. ويضم المعرض عدداً كبيراً من التحف الفنية البديعة وروائع المصنوعات النادرة من أسلحة وعتاد، والتي لم يسبق لمعظمها أن غادر الكرملين إلى أي مكان آخر في العالم.

نشير أخيرا الى أن معرض المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات، يفتح أبوابه للجمهور يوميا في فندق قصر الإمارات في أبوظبي،والدخول إليه مجاناً على مدى أيام الأسبوع عدا يوم الاثنين ومن الساعة 10 صباحاً إلى 10 مساءاً.

نعم ..الثقاقة تنتقل من مكان الى آخر إذا وجدت تربة صالحة ومن يغذيها بالحب واحتضان المعرفة!. أليس كذلك؟!

نجاح محمد علي – دبي

شارك 12 مكتبا معماريّا من أشهر المكاتب المعمارية في العالم من 10 دول، في مسابقة تصميم عالميّة، وأعلن عن الفائز بها في نوفمبر 2007.

سيُكرّم المتحف ذكرى حاكم أبو ظبي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، رجل لعب دورا رياديّا في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، صار يعرف في كل البلاد باسم ‘أبو الأمّة”.

على مساحة 12000 متر مربع تقريبا، سيكون هناك خمسة متاحف تعرض جوانب من تراث الإمارات العربية المتحدة وتحوّلها، بالإضافة إلى مركز تعليميّ ومسرح ومحلاّت تجارية ومقهى ومقرّ لخدمات الزوّار.

قال المهندس المعماري تاداو آندو بخصوص المفهوم المعماري لهذا المتحف: “يلقي المفهوم وحيه في تقاليد المحيط الطبيعي والمشاهد الطبيعية والبحرية في أبو ظبي. سيقود داخله، المُصمَّمُ مثل السفينة بسطوح عائمة، الزوّار عبر مساحة المعرض”.

يبدأ التصميم المعماريّ الأنيق، بمساحة متميّزة محفورة لحجم بسيط الشكل، إثر قوّة ومرونة رياح أبو ظبي. يقف الشكل المنفرد، مثل بوّابة فوق ساحة مائيّة واسعة، تحدّد فراغا للقاء بين عنصرين طبيعيين هامّين من ثقافة المدينة: الرمل والبحر، بسطحها العاكس، يختلط البحر والموقع بصريّا في الساحة المائيّة، تعزز بذلك المفهوم البحريّ للمتحف”.

يُسمَـح بموجب الاتفاقية لمتحف أبو ظبي، استعمال اسم اللُّـوفر طوال مدّة الاتفاقية، وهي 30 سنة.

ابتداءً من افتتاح المتحف، ولمدّة 10 سنوات، سيقدّم المتحف أعمالا من مجموعات فرنسية، خاصة من اللُّـوفر، ذات جودة تمكن مقارنتها بجودة ما يُعرض عادة هناك بشكل استعارات دوّارة لمدّة تتراوح من ستة شهور إلى سنتين، ابتداءً من 300 عمل، يتقلّص عدد الأعمال المُعارة إلى 250 بعد أربع سنوات، فيصبح 200 بعد سبع سنوات.

تبلغ قيمة الاتفاقية مليار يورو على مدى ثلاثين عاما، يذهب منها 450 مليون يورو إلى اللُّـوفر (150 مليون يورو مباشرة بعد توقيع الاتفاقية) و550 مليون يورو لوكالة المتاحف الفرنسية (لنقل الأعمال الفنية وللمعارض المؤقّتة).

ستُـخصص أبو ظبي ميزانية سنوية يبلغ حجمها 40 مليون يورو من أجل مواصلة تكوين مجموعتها الخاصّة. علاوة على ذلك، وافقت أبو ظبي على التبرّع للُّـوفر بمبلغ 25 مليون يورو من أجل تجديد جناح من “جناح دي فلور”، الذي سيحمل بعد ذلك اسم شخصية بارزة من الإمارات.

سيتمّ افتتاح دور العرض (الغاليريهات) في مراحل متلاحقة: 2000 متر مربّع عند افتتاح المتحف، تزداد 4000 متر مربّـع في عامه الرابع وتصل إلى 6000 متر مربع في عامه السابع.

ستترك دور العرض هذا المجال لمواجهات بين الأعمال الفنية من مختلف المراحل الزمنية والمناطق الجغرافية من أجل الحوار بين الثقافات في مجال الفن، وسيُـخصص قسم صغير للفنون المعاصرة، بغية تسليط الضوء على الاستمرارية بين الحِـقبات الزمنية وإظهار تحكم الإدراكات المعاصِـرة في فهم الأعمال الفنية الأقدم.

كما سيضمّ المتحف قاعة محاضرات (مدرّج) ومركزا تربويّا ومركز مصادر عِـلمية وأبحاث ومساحات تعليمية للكبار والأطفال، استوديوهات لحِفظ وترميم الأعمال الفنية ومقهى ومطعما.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية