مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في مصر .. “تعديلات دستورية” و “التحام بالجماهير”

كشف خُـبراء ومحلّـلون مصريون أن الهدف من التعديلات الدستورية، المُـزمع دفعها إلى مجلس الشعب في دورته الجديدة، هو منع جماعة الإخوان – المحظورة قانونياً - من الترشح في الانتخابات.

كما بدا واضحا من جلسات المؤتمر السنوي الرابع للحزب الوطني المنعقد أخيرا، أن التوجّـه الجديد هو الاهتمام بالجماهير والالتحام بها، وتقديم خدمات ملموسة للطبقات الكادحة من الشعب.

كشف خُـبراء ومحلّـلون مصريون أن الهدف من التعديلات الدستورية، المُـزمع دفعها إلى مجلس الشعب في دورته الجديدة، هو منع جماعة الإخوان – المحظورة قانونياً – من الترشح في الانتخابات، بعد حصولهم على خُـمس المقاعد (20%) في انتخابات 2005، التي أسفرت عن فوز المستقلين بـ 44%، بينما لم يحصد الحزب الحاكم سوى 32%.

فيما بدا واضحا من جلسات المؤتمر السنوي الرابع للحزب الوطني، الذي انعقد في الفترة (19 – 21) سبتمبر المنفرط، أن التوجّـه الجديد هو الاهتمام بالجماهير والالتحام بها، وتقديم خدمات ملموسة للطبقات الكادحة من الشعب.

وكانت صحيفة الأهرام (الحكومية) نقلت يوم الثلاثاء 19 سبتمبر، عن الرئيس المصري قوله: “العام المقبل (2007)، هو عام التعديلات الدستورية..”. كما صرّح جمال مبارك بذلك قائلا: “عندما نتحدث عن الإصلاحات الدستورية، فإننا نقول إنها ستكون أكبر إصلاحات دستورية تشهدها مصر منذ الثمانينات”.

وأوضح الخبراء أن الرئاسة تفرض أقصى درجات السرية، وتعتيمًا إعلاميًا مُـشدداً على هذه التعديلات، التي لم يتم إدراجها ضمن أوراق مؤتمر الحزب، ولم يطّلع على مسودّتها سوى عدد قليل من الشخصيات المقربة من الرئيس.

تعديلات دستورية محكمة

وقال مصدر بالحزب – طلب عدم ذكر اسمه – “إن القيادة السياسية تعقد اجتماعات بمقر الرئاسة مع عدد من فقهاء القانون الدستوري لمناقشة التعديلات، تمهيدا لوضعها في شكلها النهائي”، مشيراً إلى “أن الحزب والمجلس لن يلعبا أي دور في صياغة التعديلات المرتقبة، وأن الدور الأساسي سيكون للفريق القانوني المقرب من الرئيس”.

وأضاف أنه يجري استحداث “أمانة الشؤون القانونية” بالحزب الوطني، وأن الدكتور مُـفيد شهاب، أمين المهنيين بالحزب ووزير الشؤون البرلمانية والقانونية، هو أكثر الشخصيات المرشّـحة لتولّـي الأمانة، التي ستكون مهمّـتها صياغة تعديلات دستورية محكمة لا مجال للطعن فيها أمام المحكمة الدستورية العليا.

وكان مفيد شهاب قد أشار في تصريحات صحفية، قبيل انعقاد المؤتمر، إلى أن التعديلات ستشمل 9 مواد رئيسية تتعلق بالإصلاح السياسي، وتركّـز على دعم سلطة البرلمان في مراقبة الحكومة، وإقرار الموازنة العامة للدولة وتوسيع اختصاصات سلطة مجلس الوزراء والحد من سلطات رئيس الجمهورية وتطبيق نظام الانتخابات بالقائمة النسبية، بدلاً من النظام الفردي، وإلغاء منصب المدّعي العام الاشتراكي والمجلس الأعلى للهيئات القضائية، مشيراُ إلى أن تعديل المادة 76 غير مطروح للمناقشة.

المعارضة تتحرك مبكراً

وكانت الأحزاب والقوى السياسية المعارضة قد دعت في مؤتمر عقدته بنقابة الصحفيين حول الإصلاح الدستوري، إلى اليقظة لمواجهة مخطط الحزب الحاكم للانقضاض على الدستور، وتشكيل قوة جماهيرية لضمان عدم خروج التعديلات بصياغات شكلية فقط، مؤكّـدين أهمية تجميع الشارع وتحريكه وحشده في مواجهة مخطّـطات الانفراد بصياغة مستقبل البلاد.

وشكّـلت حركة “كفاية” لجنة تضم خبراء قانونيين لتقديم رؤية جديدة للدستور وطرح بعض المواد في الدستور للتعديل. كما دعا حزب “التجمع” لعقد مؤتمر موسّـع تشارك فيه الأحزاب وأساتذة الجامعات وفقهاء القانون وخبراء السياسة وممثلو القوى الوطنية، عقب عيد الفطر يستمر 3 أيام للتوصل لصيغة للوفاق الوطني حول مستقبل الحياة الحزبية، والبدء بتقديم مسودّة مشروع للمعارضة لتعديل الدستور.

كما دعا حزبا الكرامة والوسط (تحت التأسيس) لتحالف وطني لعمل جمعية تأسيسية تضم 100 فقيه دستوري وسياسي من مختلف التيارات السياسية لتقديم مشروع جديد يتمّ التوافق فيه على صيغة لحياة سياسية جديدة، تنسى فيها الأحزاب خلافتها التاريخية وتتّـفق على سُـبل تُـمكنها من جذب الجماهير إلى العمل السياسي.

وقد استطلعت سويس إنفو آراء عدد من الخبراء المصريين المهتمين بالأمر، فاعتبر الدكتور حمدي حسن، المتحدث الإعلامي باسم الكتلة البرلمانية للإخوان في تصريحات، بأن التعديلات الدستورية التي يعتزم الحزب الحاكم مناقشتها، تستهدف “تفصيل مواد تضمن للحزب الوطني الحاكم الحصول على النّـسب التي يريدها من مقاعد مجلس الشعب، بعد الهزيمة القاسية التي مُني بها في انتخابات 2005، مشيراً إلى أن “كتلة الإخوان قدّمت طلباً بتعديل 88 مادة من الدستور الحالي، غير أن البرلمان لم ينظر إليها حتى الآن..”.

“الإخوان” و”التوريث”

وأوضح الخبير القانوني الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد السابق لوزير الخارجية، أن التعديلات تستهدف تمرير سيناريو التوريث بشكل يبدو قانونيا، ولا يشوبه عوار قانوني أو دستوري، كما تستهدف تعديل النظام الانتخابي من الفردي إلى القائمة النسبية، للحيلولة دون تمكن جماعة الإخوان من خَـوض أي انتخابات تشريعية مستقبلية.

فيما أشار ضياء رشوان، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتجية بالأهرام إلى أن الحزب الحاكم لم يُـناقش التعديلات الدستورية على الملأ حتى الآن، وهناك قيادات بالحزب الوطني لم تعرف بعدُ تفاصيل هذه التعديلات التي ينفرد بها جمال مبارك وعدد قليل من رجاله المقرّبين، معتبراً أن الهدف الوحيد لهذه التعديلات هو تمهيد الطريق أمام سيناريو التوريث.

وحسب تعديل المادة 76 من الدستور في مايو 2005، فإنه يلزم لمن يرغب في ترشيح نفسه لمنصب الرئيس أن يحصل على موافقة مكتوبة من ‏250‏ عضوًا على الأقل من المنتخبين بمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، التي يُـهيمن الحزب الوطني عليها، وهو ما يعني عدم تمكّـن جماعة الإخوان من الترشح للرئاسة، وكذا جميع الأحزاب السياسية، حيث لم يُـحقق أي منها شرط الحصول على نسبة 5% من مقاعد غرفتي البرلمان.

كما يقصر الدستور طلب تعديل مواد بالدستور على رئيس الجمهورية، وثُـلث أعضاء مجلس الشعب وينُـص على ضرورة موافقة ثلثي الأعضاء عليها بعد مناقشتها، ثم تُـطرح للاستفتاء العام.

الالتحام بالجماهير

كما لوحظ أن اهتمام الدولة بالجماهير الكادحة سيكون توجّـها جديدا للحزب، حيث أكّـد الرئيس مبارك تخصيص مليار جنيه (الدولار= 5.75 جنيها) من حصيلة الخصخصة لدعم رغيف الخبز، وملياري جنيه لدعم الصرف الصحي، و5 مليارات لتطوير السّكك الحديدية، ومليار جنيه أخرى لتمويل فُـرص العمل.

ويعاني أفراد الشعب المصري من ارتفاع حادّ في أسعار السّلع والخدمات، مقابل تدنّـي الدخول والمرتّـبات، بما لا يفي بالاحتياجات الأساسية للمواطن، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت، طبقًا لإحصاءات رسمية لمركز معلومات مجلس الوزراء، 11.2%، ناهيك عن ارتفاع متوسط سن الزواج، وزيادة نسبة العنوسة، لارتفاع تكاليف الزواج وارتفاع أسعار السكن.

كما سعى جمال مبارك في كلمته التي ألقاها أمام مؤتمر الحزب، إلى التقرّب من الشعب المصري، داعيًا الحزب إلى “المكاشفة لمواجهة هموم ومشاكل المواطن المصري البسيط”. وأكد أمين عام الحزب السيد صفوت الشريف أن قيادات الحزب ستقوم في الفترة المُـقبلة بإنشاء جمعيات أهلية بالمحافظات، لخدمة وتنمية المجتمعات المحلية تحت اسم “جمعية وطني”، مشيراً إلى قيام قيادات بالحزب بإنشاء جمعيات بالفعل كسبيل للتواجد بين المواطنين وتقديم خدمات مباشرة لهم.

وعقب انتهاء المؤتمر، أذاع التليفزيون حلقة نقاشية قدمها عبد اللطيف المناوي، رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون، استضاف خلالها الدكتور أنور رسلان، المستشار القانوني للحزب، والدكتور حسام بدراوي، أمين لجنة التعليم بالحزب وعضو أمانة السياسات، والدكتور محمد عبد الإلاه، أمين العلاقات الخارجية، دارت حول توجهات الحزب في المرحلة القادمة، مؤكّـدين أن الحزب الوطني استوعب الدرس، وأن نتائج انتخابات 2005، لفَـتت انتباه الحزب إلى ضرورة النُّـزول إلى الطبقات الكادحة من الجماهير، والالتحام بها والتواجد بينها، وتقديم خدمات مباشرة لها.

القاهرة – همام سرحان

أوصى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر، في مؤتمره السنوي الرابع الذي عقد في الفترة من 19- 21 سبتمبر 2006، بأمرين، أولهما: إجراء حزمة من التعديلات الدستورية، تقول الحكومة إنها خطوة على طريق الإصلاح السياسي، فيما تراها المعارضة خطوة للتمكين للسيد جمال مبارك كرئيس “منتخب” للبلاد…

وثانيهما: ضرورة الالتحام مع الجماهير، وتقديم خدمات مباشرة، تقول الحكومة إنها توجه جديد للحزب، في ضوء غلاء المعيشة وارتفاع معدلات البطالة التي بلغت طبقًا لإحصاءات رسمية لمركز معلومات مجلس الوزراء نحو 11.2%.

يرى مراقبون ومعارضون أن هذه الخطوة ترمي للحد من شعبية جماعة الإخوان – المنافس الوحيد الفعلي للحكومة – والتي تهتم بتقديم خدماتها من خلال جمعياتها ومساجدها ونشطائها المنشرين في ربوع البلاد.

كشف تقرير كان قد قدمه مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان المصري) للرئيس مبارك عن التعديلات الدستورية التي ترغب الحكومة في إجرائها أواخر 2006 تطبيقا لـ”برنامج الإصلاح السياسي” الذي تعهد مبارك بتنفيذه خلال برنامجه الانتخابي لمنصب الرئيس نهاية عام 2005.

تقضي هذه التعديلات بتقليص الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، وتقليص سلطات رئيس الجمهورية في ولايته على مجلس الوزراء والسلطة التنفيذية، والتخلي عن الانتخاب وفق نظام الدوائر الفردية، والعودة لنظام القائمة النسبية.

تستهدف التعديلات منح المرأة نسبة – لم يحددها- في عضوية البرلمان أسوة بما نص عليه في مادته 87 على تخصيص 50% من مقاعد المجالس النيابية للعمال والفلاحين من الرجال والنساء، وإلغاء النصوص التي تربط النظام المصري بالفكر الاشتراكي.

شمل التعديل 19 مادة من الدستور هي: (المواد 12 و24 و29 و30 و33 و40 و41 و59 و73 و 74 و87 و88 و144 و145 و146 و162 و173 و179 و195)، وذلك لمنح مجلس الوزراء دورا مع رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة والإشراف على تنفيذها، ومزاولة سلطات استثنائية في حالة تعرض البلاد للخطر.

تتضمن التعديلات إلغاء أربع مواد في الدستور تتحدث عن أن “الفكر الاشتراكي هو المنبع الذي تستقي منه التشريعات”، وسيتم إعادة صياغة هذه المواد بحذفها أو تعديل صوغها على نحو يتفق مع الفكر الجديد، بهدف القضاء على بقية النظام الاشتراكي الذي عرفته مصر منذ 45 عام بعد صدور قرارات تأميم الشركات عام 1956.

كما سيتم إلغاء المادة 197 من الدستور المختصة بالمدعى العام الاشتراكي الذي يحاسب المواطنين والمسؤولين عن “الكسب غير المشروع”. وسيتم إحالة أعمال المدعي العام إلى القضاء العادي والنيابة الإدارية التي تحاسب العاملين بالحكومة.

وتتضمن تعديل المادة 40 من الدستور لإعادة النظر في مدى كفاءة العقوبات المقيدة للحرية والعقوبات المالية المقررة في جرائم النشر، وتعديل المادة 41 من الدستور لتحدد قواعد ومدة الحبس الاحتياطي في الجنايات والجرائم المدنية.

وتقتضي التعديلات المرتقبة إعادة صياغة المادة 88 من الدستور لإعادة تحديد مفهوم الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية والبلدية، بحيث يتم تقليصه، بعدما كشف “نادي القضاة” الإصلاحي عن وقوع تجاوزات لصالح مرشحي الحزب الحاكم خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في 2005.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية