مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قراءة في مستقبل العراق

الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ردد شعارات تمجد الشعب والأمة وتندد بالعملاء لدى إعلان رئيس المحكمة عن إدانته والحكم عليه بالإعدام شنقا يوم 5 نوفمبر 2006 Keystone

قبل ساعات قليلة من صدور الحكم بالإعدام على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في بغداد، اختتم في إسطنبول مؤتمر مستقبل العراق الذي نظمه قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة إشيك على مدى 4 أيام.

المؤتمر كان محاولة لتأمّـل الوضع العراقي بكل ما فيه من عُـنف وتعثر من جانب، وإمكانيات متصوّرة نظريا للخروج من المأزق القائم من جانب آخر، إضافة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الجوار.

“في مايو 2003 وقف الرئيس بوش فوق إحدى البوارج البحرية الأمريكية ليُـعلن نهاية الأعمال القتالية الكبرى في العراق وبداية عهد جديد”، هذه الكلمات تبدو لا معنى لها الآن، أو كأن قد مرّ عليها قرن من الزمان. ففي ضوء الفشل الذي مُـني به التورط الأمريكي في العراق، يصعُـب علينا تقبل أن العراق قد يصبح نموذجا للتغيير المنشود”

بهذه الكلمات بدأ البروفيسور أرسين كلايس أوغلو، رئيس جامعة إشيك (النور بالتركية) باسطنبول أعمال مؤتمر مستقبل العراق، الذي نظمه قسم دراسات الشرق الأوسط بالجامعة على مدى أربعة أيام مطلع نوفمبر الجاري، وشارك فيه عدد من المتابعين للشأن العراقي من أربعة بلدان عربية وهي، العراق ومصر والأردن والسعودية، وآخرون من بريطانيا وأستراليا وإيران وتركيا بالطبع.

محاولة للتأمل العميق

جوهر المؤتمر هو محاولة لتأمّـل الوضع العراقي بكل ما فيه من عُـنف وتعثر من جانب، وإمكانيات متصوّرة نظريا للخروج من المأزق من جانب آخر، وكذلك الإجابة على تساؤل يبدو بسيطا في صياغته وشكّـل محورا للحوار والمناقشات طوال جلسات المؤتمر العشرة، وهو هل يمكن لدول الجوار أن تلعب دورا في مساعدة العراق والعراقيين وما هو هذا الدور؟

ووصولا لإجابة مناسبة ومعقولة ويكون لها حظ من النجاح، كان لابد من الغوص في أبعاد الأزمة العراقية السياسية والأمنية والاستراتيجية، والغوص أيضا في الأدوار التي يقوم بها بالفعل بعض الأطراف الإقليمية، خاصة إيران وبدرجة أقل دول عربية كسوريا، وإلى أي مدى تُـمثل هذه الأدوار متغيّـرات سلبية أو إيجابية في الحالة العراقية الراهنة.

ومن هنا، غطت الأوراق كثيرا من الأبعاد والنقاط الهامّـة، كالدستور العراقي والنظام السياسي الجديد والمقاومة والإرهاب في العراق الجديد، توازن القوى، السياسي والعسكري بين الأطراف العراقية، والرؤية التركية للأزمة العراقية والدور الإيراني والمواقف العربية، لاسيما السعودية والأردنية والمصرية والكويتية، والصّـعود الشيعي العراقي وانعكاساته السياسية والدينية، والوضع الاقتصادي العراقي، وإمكانات النهوض مجددا.

الهمّ الأول.. إنهاء العنف

وقد اتّـسمت المناقشات بروح علمية عالية وبالكثير من الانفتاح المتبادل، وسعى كل طرف تقديم الشروح والتفسيرات المناسبة لمواقف بلاده، سواء في أسباب الأزمة أصلا أو في الخروج منها.

وكان واضحا، رغم اختلاف بعض المعايير والتفسيرات، أن الجميع مهموم بوضع حدّ للعنف في العراق، ومتفق على أن الدور الأمريكي يتحمّـل النسبة الأكبر في الكارثة التي يعيشها الشعب العراقي من جهة، وتتأثر بها منطقة الشرق الأوسط على نحو سلبي من جهة أخرى.

وطال الاتفاق أيضا نُـقطتين جوهريتين: أولهما، أن استقرار العراق وأمنه يكمُـن في وحدته الجغرافية وفي التوصّـل إلى صيغة للمشاركة في السلطة والثروة لكل مكوّناته الرئيسية والفرعية على السواء.

أما الثانية، فهي أن خروج العراق من مأزقه الراهن يتطلّـب جُـهدا مزدوجا يدمج بين مسارين، داخلي يقوم على مصالحة شاملة، وإقليمي يؤمّـن نوعا من التوافق الإقليمي المدعوم بتوافق دولي أو بالأحرى بقبول أمريكي كامل، حتى ولو كان قبولا ضمنيا.

العراق الموحد.. ضرورة لنفسه ولغيره

النقطتان الأخيرتان تحديدا، نالتا كثيرا من التحليل والجدل في التفاصيل. ففي الأولى، بدا توافق كامل بين كل المشاركين على أن التفكير في تقسيم العراق من قبَـل أي جهة، سيعني انتحارا سياسيا واستراتيجيا للعراق ولكل المنطقة حوله. فهو انتحار للعراق، لأن الكيانات التي ستنشأ عنه ستكون صغيرة وقابلة لكل أنواع الاختراق الخارجي، فضلا عن أنها ستكون وصفة لحرب أهلية داخلية مستمرة، ستمتَـد حتما إلى بعض دول الجوار، استنادا إلى استحالة الفصل أو منع انسياب التأثير بين العديد من مكوّنات المجتمع العراقي والامتدادات الطبيعية لهذه المكوّنات في دول الجوار المختلفة، سواء اجتماعيا أو عرقيا أو مذهبيا وطائفيا، مع الأخذ في الاعتبار، أن هناك فارقا كبيرا بين وحدة العراق الإقليمية وبين طبيعة النظام السياسي، سواء القائم على وجود حكومة مركزية قومية أو صيغة فدرالية تمنح سلطات معيّـنة للأقاليم الفرعية مع حكومة مركزية ذات صلاحيات محدّدة في الأمن والدفاع وفي الشؤون الخارجية، ولكنها تمثل العراق الموحّـد أمام العالم الخارجي.

وهكذا، اتفق المشاركون على أهمية بقاء العراق الموحّـد، أيا كانت صيغة النظام السياسي داخله، وعلى أساس أن العراقيين هم الذين لهم الحق في تأسيس النظام الذي يمنح الجميع تمثيلا مناسبا وعادلا لكل مكوّنات المجتمع، دون غلبة طرف على آخر، بدعاوى الأغلبية أو التعويض التاريخي عن ظلم سابق أو بقوة الأمر الواقع، لأن حدوث ذلك سيعني أن العراق الجديد لا يختلف في جوهره عمّـا كان موجود في النظام السابق من ناحية، وسيؤدّي إلى مزيد من التدهور من ناحية أخرى، بما في ذلك انسلاخ هذا الطرف أو هذا.

مصالحة عراقية.. شروط ومبادئ

فيما يتعلق بمسار الداخل أو المصالحة الداخلية، فقد اتفق على اعتبارها شأن عراقي ذاتي لابد أن يصل فيه العراقيون أنفسهم إلى صيغة واضحة إلى مثل هذه المصالحة، والتي يجب أن تمثل خطّـا فاصلا بين ما قبل المصالحة وما بعدها.

المصالحة هنا تتطلّـب شروطا عدّة، منها التسامح المتبادل وتطبيق التعديلات الدستورية الواردة في المادة 142 وإعادة النظر في بعض القوانين المعمول بها حاليا، مثل قانون اجتثاث البعث الذي يمثل أحد مصادر العنف، وحل كل المليشيات الحزبية وإلغاء المحاصصة الطائفية والتوقف عن العنف المتبادل من المؤسسات الحكومية ومن الجماعات والمنظمات، التي تنضوي تحت شعار رفض الاحتلال الأمريكي ونتائجه، والدخول في حوار طويل النفس يسبقه عفو عام عن الجميع، ولو على مراحل، مع الاستفادة من التجارب المماثلة كما في جنوب إفريقيا بعد سقوط النظام العنصري فيها، وفي إيرلندا وفي الجزائر، واختيار الأنسب من هذه التجارب، ليس لإعادة استنساخها كما هي، وإنما من أجل الاستفادة من أبرز ما فيها وتطويعها لمُـعطيات العراق، لاسيما خطاب سياسي جديد يتّـسم بالانفتاح المتبادل.

الداعمون للمصالحة العراقية الشاملة رأوا فيها شرطا أساسيا لعزل هؤلاء الذين يمارسون العنف والإرهاب في العراق ولا يهمهم سوى أولوياتهم التي لا علاقة لها بالوضع العراقي نفسه، وهو عزل يهدف بالأساس إلى تجميع الطاقات العراقية لتأمين الوضع الأمني وإعادة بناء المؤسسات العراقية المعنية على أسُـس وطنية جامعة، وليست مذهبية أو طائفية مدمّـرة.

أي توافق إقليمي وكيف؟

أما المسار الثاني، فهو التوافق الإقليمي، بحيث يتضمّـن عدة مبادئ وأهداف رئيسية وهى، دعم المصالحة العراقية كما يُـريدها العراقيون أنفسهم، وعدم التدخل في الشأن العراقي مستقبلا ووقف التدخّـلات الجارية بالفعل من قبل أطراف إقليمية، لاسيما إيران، وعدم استغلال الوضع العراقي الراهن في تصفية حسابات مع قوى دولية أو إقليمية أخرى وتوفير مظلّـة سياسية ومعنوية لخروج القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى من العراق، بحيث تحفظ ماء الوجه الأمريكي من ناحية، وتؤمّـن الخروج الأجنبي بكامله، إن أمكن، من الأراضي العراقية في مدى زمني محسوب ومُـناسب من ناحية أخرى.

التوافق الإقليمي على هذا النحو يُـمثل العبء الذي يجب أن يتحمّـله الإقليم في مساعدة العراق ومساعدة الذات أيضا، والأخيرة تعني تحديدا إغلاق أبواب التوترات الداخلية واللا استقرار الاجتماعي في العديد من الدول المجاورة، وهو توافق يتطلّـب حوارا صريحا وشفّـافا بين القوى الإقليمية المعنية، العربية وغير العربية.

فبدون هذه المصارحة المتبادلة، لن يكون مُـمكنا التوصل إلى التوافق المرغوب، كما أنه بدون إدراك الأطراف الإقليمية أن تدخُّـلاتها المختلفة باتت معروفة بدقة للآخرين، وأنه لا مجال للإنكار أو اعتبار هذه التدخّـلات حقا أو فرصة تاريخية لا يجب تفويتها لمزيد من النفوذ والهيمنة على حساب مصالح الآخرين المشروعة أيضا.

عقبتان جوهريتان كبيرتان

غير أن التأمل بدقة في شروط التوافُـق الإقليمي على النحو المشار إليه، كشف عن عقبتين أساسيتين: الأولى، أن التوصل إلى مثل هذا التوافق بحاجة إلى مبادرة إقليمية جادّة، وليست من قبيل المبادرات ذات الطابع الإعلامي أو الدعائي، التي قد تولّـد نتائج عكس ما هو مُـراد منها، والسؤال المطروح هنا: من يُـبادر بمثل هذه المبادرة الإقليمية، وهل ستتقبّـل الأطراف الأخرى هذه المبادرة عن طيب خاطر أم ستُـثير الغُـبار عليها لغرض إفشالها؟

العقبة الثانية، تتمثل أساسا في أن هذا الجهد لكي ينجح عليه، أن يكون له صلة ما بواشنطن، بمعنى أن تقبل أولا الولايات المتحدة أن تكون هناك مبادرة إقليمية لمساعدة العراق، وليس مجرّد توظيف أطراف للقيام بأدوار معيّـنة لخدمة الاستراتيجية الأمريكية وحسب، على أن يمتد هذا القبول المبدئي إلى نوع من التنسيق في مراحل لاحقة، حين يتم تطوير صيغة للخروج العسكري الأجنبي من العراق.

تغيير أمريكي مشكوك فيه

وجوهر العقبة المُـنتظرة هنا، تتمثل في ضرورة حدوث تغيير جوهري متبادل بين الولايات المتحدة وكل من إيران وسوريا، اللتين لا يُـمكن تصور أي حل إقليمي للعراق، دون مشاركتهما الواضحة، وليست من وراء ستار.

وتتبدى قوة هذه العقبة في ضوء المُـعطيات الجارية والمعروفة للكافة، والتي تقوم على سعي أمريكي محموم لعزل سوريا، عربيا وإقليميا، وتوجيه الاتهامات لها بأدوار تخريبية في العراق وفلسطين ولبنان، وفي الآن نفسه سعي محموم آخر لفرض عقوبات دولية قاسية على إيران واعتبارها خطرا على الأمن العالمي، لإصرارها على الاستمرار في برنامجها النووي السلمي، إذ كيف يُـعقل أن تقدّم إيران مثلا كل التعاون في الشأن العراقي خدمة لمصالح أمريكية، وهي التي تخضع لضغوط قادمة من واشنطن، والأمر نفسه ينطبق على الحالة السورية.

وبهذا المعنى، نُـدرك التأثير السلبي للترابط الحادث فعلا بين القضايا الإقليمية الساخنة الجارية، بداية من فلسطين ومرورا بلبنان والحرب على الإرهاب، وفقا للرؤية والأهداف الأمريكية ونهاية بالعراق، وهو ترابط مرشح للاستمرار مدى زمني طويل جدا، ومن ثم، فإن وجود إدارة أمريكية بملامح وإيديولوجية إدارة بوش الراهنة، يبدو كعقبة حقيقية، ليس للعراق وحسب، بل لاستقرار المنطقة كلها.

وإلى أن تتغير هذه الإدارة أو تحدث انقلابا جذريا في مفاهيمها، وهو أمر مشكوك فيه، فإن التوافق الإقليمي كمدخل جوهري، الحل للأزمة العراقية، سيبدو معلّـقا بين السماء والأرض، كما سيبدو نزيف الدم العراقي والأمريكي مستمرا إلى حين.

د. حسن أبوطالب – اسطنبول

قدرت المفوضية العليا للاجئين عدد اللاجئين بـ “أكثر من 700 ألف عراقي في الأردن وحوالي 600 ألف في سوريا وعلى الأقل مائة ألف في مصر وعشرين إلى أربعين ألفا في لبنان و54 ألفا في إيران.

وأوضحت المفوضية أن الوضع تفاقم مع “رحيل الأطباء والمدرسين وتقنيي المعلوماتية وغيرهم من الأشخاص الذين يملكون مؤهلات لابد منها لضمان استقرار البلاد ورخاء السكان.

وتابع المتحدث باسم المنظمة أن “حوالي خمسين ألف لاجئ غير عراقي، وخصوصا فلسطينيين وسوريين وإيرانيين، تشملهم صلاحيات المفوضية في العراق يواجهون وضعا يزداد صعوبة.

وحذر ريدموند “علينا مواجهة أزمة إنسانية أكبر من التي توقّـعناها في 2002/2003، ينقصنا التمويل لمواجهة العدد المتزايد للنازحين والمهجرين وازدياد العراقيين الذين يحتاجون الى المساعدة داخل بلادهم وخارجها”، وأكد أن “عددا كبيرا من العراقيين كانوا مهجرين قبل 2003، لكن عدد الذين يفرون من العراق في ارتفاع حاليا”.

وحول النازحين داخل العراق، قال ريدموند “نقدر بحوالي 425 ألفا عدد العراقيين الذين فروا من بيوتهم إلى مناطق أخرى داخل العراق خلال هذه السنة وحدها، وخصوصا بسبب العنف المذهبي الذي تصاعد بعد الاعتداء على ضريح الإمامين في سامراء في فبراير الماضي”.

وأوضح المتحدث أن “عملنا في السنوات الثلاث الأخيرة منذ سقوط النظام السابق، استند بشكل رئيسي على فكرة أن الوضع الداخلي سيستقر، وأن مئات الأشخاص الذين تم تهجيرهم يمكن أن يعودوا إلى بيوتهم”، وتابع “لكننا نلاحظ الآن حركة أكبر للسكان بسبب العنف الدائم، هذا يتطلب تقييما جديدا لعمل المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة ولأولوياتنا في المنطقة”، ووجه المتحدث باسم المفوضية نداء ملحا من أجل إعادة تقييم احتياجات الدول المانحة.

وأشار المتحدث باسم المفوضية إلى أن “الأسرة الدولية التي تقدم مليارات الدولارات لتمويل برامج لإعادة الاعمار والتنمية في العراق وبعض المشاريع، لم تنفذ أصلا بسبب الأوضاع الأمنية”، وعبر عن أسفه لأن “البرامج الإنسانية في العراق والدول المجاورة لا تلقى اهتماما”.


(المصدر: بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة بتاريخ 4 نوفمبر 2006)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية