مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نفط الجنوب تحت مجهر الشمال

عمال في حقل دوبا النفطي في جنوب التشاد Keystone Archive

عادة ما يعني العثور على النفط في بلد ما نعمة كبرى ومؤشرا على مزيد من الرخاء والإزدهار إلا أن الواقع يؤكد أنه يتحول في معظم الأحيان إلى نقمة ومجلبة للحروب والنزاعات والفقر والإضرار بالبيئة.

آحتضنت برن مؤخرا مؤتمرا تدارس الدور الذي يمكن أن تلعبه بلدان مستوردة للنفط مثل سويسرا للتخفيف من هذه الآثار السلبية والمدمرة أحيانا.

خصصت منظمة السلام السويسرية (Swisspeace) مؤتمرها السنوي الذي انعقد يوم 30 أكتوبر الماضي في العاصمة الفدرالية للبحث في طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول المتقدمة المستوردة للنفط للحد من الآثار السلبية الناجمة عن امتلاك بلدان الجنوب للذهب الأسود.

وقد استدعت المنظمة (وهي عبارة عن مؤسسة أبحاث حول السلام تتخذ من برن مقرا لها) العديد من الخبراء السويسريين والدوليين للمشاركة في مؤتمرها السنوي من أجل فهم وتحليل الظواهر السلبية المرتبطة بالثروة النفطية ومحاولة ابتكار أساليب جديدة للتخفيف من ويلاتها، خصوصا وأن اهتمامها يتركز في البحث عن أسباب نشوء الحروب والنزاعات العنيفة والعثور على حلول لها.

وقد ذكّـر بول كوليار مدير مركز دراسة الإقتصاديات الإفريقية في جامعة أكسفورد البريطانية في مداخلته بأن “النفط يمثل فرصة لتحقيق نمو حقيقي والحد من الفقر، إلا أنه اقترن بالنزاعات والتدهور”، لكنه اعتبر أن مهمة المجموعة الدولية تتمثل اليوم في “المساعدة على تعزيز فوائد النفط وتقليص سلبياته المدمرة التي عاينّاها على مدى الثلاثين سنة المنصرمة” في عدد من بلدان الجنوب.

أين تذهب الأموال؟

واتضح من خلال أشغال المؤتمر وجود شبه إجماع على أن إحدى الخطوات الحيوية في هذا الإطار تتمثل في إجبار الشركات والمجموعات النفطية الدولية على الكشف عن حجم الأموال التي تدفعها إلى الحكومات من أجل تمكينها من استخراج النفط من أراضيها. ومن شأن هذا الإجراء من شأنه أن يساعد على تعزيز المحاسبة في بلدان تُحتكر فيها المداخيل النفطية من طرف النخب الحاكمة.

ويشدد كوليير – الذي ترأس مجموعة تطوير الأبحاث في البنك الدولي إلى موفى شهر أبريل 2003 – على “وجود ضرورة لأن تتصرف الشركات بشفافية” ويضيف: “في السابق، اعتادوا على عقد صفقات سرية مع رئيس البلد وهو أمر مفيد جدا للشركة وللرئيس ولكن ليس للبلد في حد ذاته”.

ولفت المسؤول السابق في البنك الدولي إلى أن مثل هذه التصرفات لا يمكن أن تصمد ليوم واحد من المساءلة في البرلمانات الغربية. كما دعا إلى ضرورة التصرف في البلدان السائرة في طريق النمو بنفس الكيفية التي يجري بها التعامل في البلدان المتقدمة مؤكدا على أن الخطوة الأولى في هذا السياق تتمثل في اعتماد الشفافية بخصوص المبالغ المدفوعة من طرف الشركات إلى النخب الحاكمة والسلطات المحلية.

ومن بين الأمثلة العملية الرامية إلى تعزيز الوسائل الكفيلة بمحاسبة الشركات الكبرى والحكومات ما ذكر خلال المؤتمر عن مشروع تشرف عليه منظمات غير حكومية بريطانية يحمل اسم “مبادرة الشفافية للصناعات الإستخراجية”. ويقول كوليير إن بإمكان المجتمع المدني في البلدان المتقدمة استعمال تلك المعلومات المتعلقة بالمداخيل للبدء في طرح الأسئلة “المزعجة” حول كيفية إنفاق المال أو سوء التصرف فيه.

المثال التشادي

ومن بين الحالات المثيرة للإهتمام التي تم التطرق لها في مؤتمر منظمة السلام السويسرية الأخير المثال التشادي. إذ يعتبر هذا البلد الواقع جنوب الصحراء الكبرى من أشد دول العالم فقرا حيث يقل الدخل السنوي الفردي فيه عن 250 دولار.

فقد تعهدت الحكومة التشادية – طبقا لاتفاق أبرمته مع البنك الدولي في عام 2000 – بممارسة قدر أكبر من الشفافية والإلتزام بالتسيير الرشيد لدى تصرفها في موارد البلاد النفطية. ويشرح غريغور بينكارت ممثل البنك الدولي في التشاد أن الشفافية تعني “تدقيقا شاملا لحسابات النفقات العمومية وعقود الشراءات ونشر نتائجها للعموم”.

ومع أن المعطيات الحالية لا تشير إلى أن التشاد سيتحول إلى عملاق نفطي في المدى المنظور، إلا أن مداخيله المرتقبة من بيع النفط التي تتراوح ما بين 100 و130 مليون يمكن أن تضاعف من الدخل الفردي لسكانه.

ويتمثل هدف البنك الدولي في المرحلة المقبلة في تقليص حجم ظاهرة الفقر من خلال ضمان إنفاق الموارد المالية الجديدة في مجالات التنمية الريفية والصحة والتعليم.

في المقابل، يرى بعض المنتقدين أن آليات المراقبة المتاحة لمتابعة سير النفقات ليست عملية. ويؤكد سموعين أدوم ممثل منظمة المساعدة السويسرية (Swissaid) غير الحكومية في التشاد أن “موقف الحكومة وتصرفها سيكون حاسما” مشيرا إلى أن “البنك الدولي ليس له الكثير من التأثير على هذا المستوى”.

من جهته يعتبر بينكارت أن الوقت لا زال مبكرا جدا، وقال في تصريحات خاصة إلى سويس إنفو: “نحن بدأنا للتو في تأسيس أنظمة العمل الجديدة. فأموال النفط لن تكون متوفرة إلا في عام 2004 وحينها سوف نرى مدى تأثير هذه الإجراءات”.

دور لسويسرا؟

على صعيد آخر، أعلنت بعض شركات النفط عن التزامها كمؤسسات باتباع سلوكيات أخلاقية صارمة وخاصة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان.

فعلى سبيل المثال تقوم شركة النفط السويدية لوندين (Lundin) بتسيير عدد من المشاريع التنموية الجماعية في السودان. وتشرح كريستين باتروخ المسؤولة في الشركة السويدية أن “تحمل المؤسسة للمسؤولية يمثل شكلا من أشكال الإستثمار المربح. فعندما يكون السكان سعداء بما نقوم به فاننا نعمل بشكل أفضل معهم وبالتالي نكسب”.

من جهة أخرى، يمكن للبلدان الصغيرة مثل سويسرا لعب دور في هذا السياق سواء كان ذلك من خلال مبادرات دبلوماسية تهدف إلى الضغط على الحكومات والشركات أو من خلال التأكد من أن الأموال المنهوبة لا يتم تبييضها في المؤسسات المالية والمصرفية السويسرية.

ويقول إيفو كوفمان المسؤول عن الإستثمارات الخارجية والشركات المتعددة الجنسيات في كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية السويسرية إن سويسرا ليست لاعبا مهما في تجارة النفط كما أنه ليس بإمكان بلد صغير مثل سويسرا أن يُحدث تغييرات في الأساليب التي يتم بها إنتاج النفط وتسويقه. لكننا – باعتبارنا نمثل مركزا ماليا – نواجه تحدي استنباط حلول عندما يتأكد أن أموالا قد تم تحويل وجهتها وتبييضها. وفي هذا المجال، من المؤكد أن سويسرا قد اتخذت خطوات ملموسة خلال السنوات القليلة الماضية”.

من جهة أخرى، دعا بعض المشاركين في المؤتمر إلى اعتماد نظام “العلامة المميزة” حتى يتسنى للمستهلكين في البلدان المستوردة للنفط اتخاذ القرار الملائم بشأن الوقود الذي يرغبون في استعماله استنادا إلى البلد الذي جاء منه.

ويذهب رودلف ريخشتاينر وهو أستاذ محاضر في سياسات البيئة بجامعة بازل وعضو في البرلمان السويسري إلى أبعد من ذلك ويقول: “في نهاية المطاف يتمثل الحل في تقليص الإعتماد على النفط وعلى مصادر الطاقة غير المتجددة”… لكن هذه مسألة أخرى!

سويس إنفو

قد يوفر النفط ثروات ضخمة للبعض لكنه يقترن في المجتمعات التي يُكتشف فيها بالبؤس والفقر في العديد من الأحيان

تعاني العديد من البلدان الغنية بالنفط من حكومات متسلطة وفاسدة ومن سياسات تنمية اقتصادية غير مستديمة بل ومن نزاعات عنيفة.

في مرات عديدة ،تزيد شركات النفط المتعددة الجنسيات وأنماط الإستهلاك في بلدان الشمال من حدة المشكل

بحث الخبراء المجتمعون في برن السبل الكفيلة بزيادة القدرة على محاسبة وضمان تمويل عائدات النفط للتنمية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية