مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل ينجح بوتفليقة في كسب الرهان ؟

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يلقي أول خطاب له في مفتتح الرئاسية الثانية يوم19 أبريل 2004 Keystone

أفادت معلومات سُـربـت بعناية إلى وسائل إعلام دولية وجزائرية عن تحركات ميدانية ومفاوضات سرية بين السلطات والمسلحين في الجبال.

وتتزامن التوقعات بقرب إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن عفو شامل يمهد لإنجاز المصالحة الوطنية التي وعد بها في حملته الإنتخابية مع محاولات رأب الصدع داخل حزب جبهة التحرير الوطني.

اتفق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء أحمد أويحي على بقاء الحكومة بنفس التشكيلة التي كانت عليها قبل انتخابات الرئاسة التي نُظمت يوم 9 أبريل الماضي. والهدف، هو إتمام بعض التحركات السياسية الهامة تجاه الإسلاميين المسلحين، وإنهاء الخلاف داخل حزب جبهة التحرير الوطني.

مثلت هذه السياسة وجها من طبيعة الرئيس الجزائري، الذي لا زال يُـولي الملف الأمني اهتماما خاصا على اعتبار أنه يريد وفي أسرع وقت ممكن إنزال كل المسلحين من الجبال كي يُعلن نهاية الأزمة الجزائرية التي تعيش عامها الثاني عشر.

ونـُفذت هذه الاستراتيجية عبر الإحتفاظ بالشكل السابق للحكومة، مع إحداث تغييرات بسيطة، الهدف منها إرضاء بعض من ساندوا بوتفليقة خلال الحملة الانتخابية، مثل عبد المالك سلال، مدير الحملة الانتخابية الذي عُيّـن وزيرا للموارد المائية، كما عين محمد الصغير قارة وزيرا للسياحة بعد جهوده الكبيرة لإقناع المنتمين لجبهة التحرير الوطني بالتصويت لبوتفليقة.

أما الشطر الثاني من استراتيجية بوتفليقة، فيتمثل في اتصال مصالح الإعلام في الدولة الجزائرية بمؤسسات إعلامية دولية ووطنية بعينها، حظيت بالتفضيل في نقل التفاصيل المجهولة للتفاوض الجاري مع الجماعات المسلحة، ويُـقصد بها الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي يتزعمها حسن حطاب، والجماعة الإسلامية المسلحة ذات التوجهات القريبة من التيار المعروف باسم “التكفير والهجرة”.

أولى المؤسسات الإعلامية، هي وكالة الأنباء الدولية “رويترز”، التي نقل مراسلوها في الجزائر تفاصيل لم يطّـلع عليها غيرهم، في حين سًُمح لقناة الجزيرة ببَـث آخر أخبار “التفاوض”، كما سُـمح لجريدة “لانوفال ريبوبليك” الوطنية بالتعامل مع الخبر أيضا.

إعلان مرتقب عن “العفو الشامل”

ما رشح لحد الآن قليل جدا، غير أن تأكيدات كثيرة تُـوضح أن عائلات المسلحين تُـريد العودة إلى بيوت ذويها، وأن الجيش سخّـر وسائل نقل متعددة لتنفيذ طلبات العائلات التي لم يعرف أي واحدة منها ولم يُـسمح بتصوير عمليات النقل الجماعية.

كما قيل في الوسائل الإعلامية، التي سُمح لها بنقل الخبر، عن مصادر مؤكدة بأن تُـعلن أن الإسلاميين وضعوا أسلحتهم في عشر ولايات وهم الآن متجمعون في مراكز تقع على سفوح الجبال، وعلى اتصال مع الجيش الجزائري، الذي يتحاور معهم ويُنفذ مطالبهم.

وفي نفس الوقت، لم تكن هناك الشجاعة الكافية لتأكيد أهم خبر أمني ينتظره الجزائريون، وهو نزول حسن حطاب من الجبال وإعلانه إيقاف القتال، وهو أمير أشهر جماعة مسلحة جزائرية حاليا، أي الجماعة السلفية للدعوة والقتال ذات العلاقة المحتملة بتنظيم القاعدة.

الواضح، أن بوتفليقة يريد حدوث أمر كهذا في أسرع وقت ممكن، وقد علمت “سويس إنفو” بأن الرئيس الجزائري سيُـعلن العفو الشامل يوم 5 يوليو المقبل، وهو تاريخ استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962.

ويعني هذا أن المفاوضات لا زالت جارية، وأن بعض الإسلاميين المسلحين يُـريد في إطار قانون الوئام المدني الحصول على عفو تام من الضروري أن يُـتبع بالعفو الشامل كي يتأكّـدوا من سلامتهم من المتابعات في المستقبل بما أن بعضهم ارتكب جرائم ضد الإنسانية.

الأكثر دهـاء؟

ويشمل هذا الاتهام مجموعة من المسلحين الذين ينتمون إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال ذات التوجهات السلفية، وهم في واقع الحال ينحدرون من الجماعة الإسلامية المسلحة التي تفنّـنت في قتل المدنيين وتدمير القرى المعزولة والآمنة، حيث أن هذه الجماعة تُكفّـر الشعب الجزائري أصلا ولا تعتقد أنه مسلم.

مثل هذه العناصر تريد أن يشملها عفو بوتفليقة، وهو يريد أن يعفو عنها بطبيعة الحال، لأن النصر التام على جميع المسلحين لن يتأتّـى بالضغط الأمني فقط، فقد تحولول الآن إلى مجموعات صغيرة مُـنتشرة في بعض ولايات الوسط والشرق. وقد يستمر هذا الحال على ما هو عليه لأربع أو خمس سنوات أخرى، وهو ما لا يتحمّـله الوضع الاجتماعي والاقتصادي للجزائريين الذين صوتوا لصالح بوتفليقة كي يُخلّـصهم من هذا الكابوس.

ورغم كل هذه الأخبار والأنباء، ليس من المؤكّـد نزول حسن حطاب وجزء من مؤيديه من جبال منطقة القبائل، لأنهم يُـقاتلون الحكومة عن قناعة تُشبه قناعة تنظيم القاعدة في قتال الولايات المتحدة.

وإذا ما وُفّـق الرئيس الجزائري في تحقيق هذه النتيجة (أي وضع سلاح جماعة جندت جيوش مجموعة من الدول الإفريقية والأوربية، بالإضافة إلى الجيش الأمريكي لمحاربتها من أقصى الشمال الإفريقي إلى غاية المنطقة الوسطى لدولة تشاد، وسط القارة السمراء) فقد يُعلن بوتفليقة، الرئيس الأكثر دهاء مع بداية القرن الحالي.

من ناحية أخرى، ولكن في نفس سياق خطط بوتفليقة في دعم الاستقرار والأمن، حسب تصوراته الخاصة، يحاول الجميع رأب الصدع الذي ضرب جبهة التحرير الوطني، أكبر أحزاب البرلمان، بعد انقسامها خلال الانتخابات الرئاسية الماضية بين مؤيد لعبد العزيز بوتفليقة وعلي بن فليس، الأمين العام المستقيل من قيادة الجبهة.

رأب الصدع

من جهة أخرى، يحاول الرئيس الجزائري رصّ صفوف الحزب كي يضمن التصويت على برامجه الاقتصادية والاجتماعية داخل البرلمان، وحتى لا يُضطر إلى اتخاذ قرار بحله قبل موعد إجراء الألعاب العربية التي ستحتضنها الجزائر نهاية الصيف المقبل.

غير أن وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم، وهو أحد مهندسي الحملة الانتخابية لصالح بوتفليقة، وأحد الذين واجهوا علي بن فليس داخل جبهة التحرير الوطني، يرى أن أنصار بن فليس داخل الجبهة ليسوا كلهم أهلا للانضمام إلى المصالحة التي ينشدها بوتفليقة داخل جبهة التحرير الوطني.

فالذين شتموا بوتفليقة وشنوا ضده حملة شرسة لا تستند على أخلاقيات السياسة، لا يمكن ضمهم إلى خطة رأب الصدع – حسب رأي بلخادم – مهما كانت الأحوال، ويبدو أن وجهة النظر هذه في طريقها إلى التحقق نظرا لأن الذين شتموا بوتفليقة من أنصار علي بن فليس وداخل جبهة التحرير، مجموعة قليلة نسبيا ويمكن عزلهم بطريقة أو بأخرى دون حدوث مشاكل كبيرة.

هيثم رباني – الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية