مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الـجـزائــر في مـفـتـرق الـطـرق”

شبان جزائريون يرفعون شعارات احتجاجية في مسيرة شهدتها مدينة تيزي وزو عاصمة منطقة القبائل يوم 9 نوفمبر 2006 Keystone

تطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل الجزائر في المرحلة القادمة وتشمل بطبيعة الحال احتمالات أداء الإقتصاد وإمكانيات تطور النظام السياسي ومستوى الإعلام وكيفية عمله وآفاق نمو المجتمع بشكل عام.

سويس إنفو أجرت حديثا مطولا مع الصحافي قيصل مطاوي، رئيس التحرير بيومية الوطن، لمراجعة الحصيلة الجزائرية لعام 2006 وإمكانات المستقبل القريب في العام المقبل.

يعتبر فيصل مطاوي، الذي يشغل منصب رئيس تحرير يومية “الوطن” بالنيابة منذ يونيو 2004، من المراقبين الجيدين لما تموج به الساحة الجزائرية من أحداث وتطورات منذ بداية التسعينات.

في الأيام الأخيرة من عام 2006، أجرى معه مراسلنا في الجزائر العاصمة حديثا شاملا حول أهم مفاصل الوضع الداخلي الجزائري وآفاقه المستقبلية.

سويس إنفو: ما الذي جعل الكثير من الجزائريين يحكمون على عام 2006 بأنه عام الركود السياسي والاقتصادي؟

فيصل مطاوي: لأنه في هذا العام، لم تظهر أية بوادر تتعلّـق بالانطلاقة الاقتصادية التي كنا ننتظرها، والجزائر لم تشهد منذ استقلالها مثل المداخيل المالية الكبيرة التي تكدّست في بنوكنا، والتي تُـقدر بمائة مليار دولار، ورغم هذه الوفرة المالية، لم تكن هناك استثمارات جدية، كما تعطّـلت عملية خصخصة القطاع العام، ورغم كثرة المشاريع، فإن نتائجها لم تظهر على أرض الواقع.

أما على المستوى السياسي، فقد تميزت الجزائر في عام 2006، ببرلمان نائم وحكومة تتغير كل ستة أشهر، وأحزاب نائمة وأخرى مهمشة، بسبب قانون الطوارئ المستمر منذ عام 92 من القرن الماضي، وبالتالي، فإن الركود الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، حقيقة واقعة.

سويس إنفو: سدّدت الجزائر حوالي تسعين بالمائة من ديونها الخارجية، هل السرعة في تسديدها إيجابية أم هي سلبية؟

فيصل مطاوي: أعتقد أنها عملية إيجابية، لأن تكديس المال في البنوك يمكن استعماله لحل مشكل عويص عانت منه الجزائر لسنوات عديدة، وهو مشكل الديون الخارجية. وتسديد ديوننا، عملية سليمة ستخفِّـف العِـبء عن الاقتصاد الوطني من جهة، ومن جهة أخرى، تمكنه من النظر إلى آفاق أخرى، حيث أن الأموال يمكن أن تُـستعمل في مشاريع أكثر أهمية بالنسبة لمجتمعنا.

سويس إنفو: لكن، هل تعتقدون أن الحكومة القادمة التي سيختارها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كفيلة بالتسيير الجيد للوفرة المالية؟

فيصل مطاوي: المشكل ليس في تغيير الحكومات، بل في النظام السياسي الجزائري، الذي يميزه غياب الشفافية، والقرار الاقتصادي كما السياسي لا تُـحترم فيه القواعد الديمقراطية، وما هي جدوى تغيير الحكومات؟

فالجزائر غيّـرت 11 حكومة منذ عام 92 بواقع حكومة كل سنة تقريبا، فكيف يُـراد لنا تطبيق سياسات ناجعة دون استقرار؟ وهل أعطي لنا يوما سبب تغيير هذه الحكومة أو تلك؟ وحتى عبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة الحالي، وصل إلى رئاسة الوزراء دون أن نعرف لماذا، ثم لماذا ذهب أحمد أويحيى حتى يأتي بلخادم؟ ولماذا يذهب بلخادم في المستقبل كي يأتي رئيس حكومة آخر؟ هذا دليل على أن الجزائر مِـيزتها أحادية في اتخاذ القرار السياسي.

سويس إنفو: وزير البيئة شريف رحماني، ينشط في كل اتجاه ونظم عشرات المؤتمرات، ما رأيكم في وضع البيئة في الجزائر؟

فيصل مطاوي: وضع البيئة في بلادنا يُـشبه في رداءته وضع الاقتصاد، بسبب نقص الثقافة الخضراء، تصوّروا أن عمليات التشجير كانت في الماضي غير البعيد تتم كل سنة، والآن أصبح اقتلاع الأشجار رياضة وطنية، ويجب أن نسجل زحف الصحراء الهائل تُـجاه شمال البلاد، والغياب التام للوضع البيئي الصحي في قُـرانا ومدننا، مما يعني أن وضع البيئة عندنا كارثي.

سويس إنفو: مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وغاب ستة أشهر، لماذا لم تتمكّـن الطبقة السياسية من سد الفراغ الذي تركه؟

فيصل مطاوي: السبب هو الغياب التام للديمقراطية، وفي المقابل، نجد دكتاتورية تكون لها واجهة فيها العصرنة والديمقراطية، هناك نظام سياسي لا تحكمه قواعد الشفافية المتعارف عليها دوليا، والرئيس بوتفليقة يمرض فتتوقّـف كل البلاد، لأن هناك شخص واحد يأخذ القرار، فماذا لو كان هناك نظام ديمقراطي متفتح تعدّدي، قراراته تُـتَّـخذ في البرلمان ومن قِـبل مجلس الشيوخ؟

سويس إنفو: قبل نهاية عام 2006 قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عن طريق قرار نشر في الجريدة الرسمية، يتعلق بالوضع الإداري لمزدوجي الجنسية في مؤسسات الدولة، ما رأيكم في هذا القرار؟

فيصل مطاوي: هذا قرار مخالف للقواعد المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان، وأعتقد أن هناك حرية في اختيار الجنسية، والسبب في قرار بوتفيلقة هو أن قانون الجنسية عندنا قديم ورديء، ومن جهة أخرى، يجب أن توضع قواعد واضحة للوصول إلى السلطة في الجزائر، حيث أننا لا نعرف كي يمكن لبعض الوزراء قضَـوا غالب حياتهم خارج الجزائر، ثم يَـأتي بهم كي يديروا شؤونها، فكيف يعرف هؤلاء مشاكل الجزائريين؟ وكيف يعرفون ما يريدون؟ لماذا هذا الاستهتار بالإطارات الجزائرية، التي تكوّنت في جامعاتنا؟ ويجب في هذه الحال، إعطاء الفرصة للإطارات الجزائرية الشابة كي لا نتحدث عن مشكل ازدواجية الجنسية.

سويس إنفو: تسرّبت في الفترة الأخيرة ملفات فساد كثيرة، بعضها لمؤيدين لبوتفليقة وبعضها الآخر لمناوئين له، هل تعتقدون أن هذه الملفات سربت بفعل فاعل أم أن القضاء الجزائري قد قام بعمله؟

فيصل مطاوي: القضاء الجزائري غير مستقل، ويسير بشكل مباشر من قبل السلطتين، الخفية والظاهرة، وينخره الفساد كما ينخر أجهزة الدولة الأخرى، ثم لماذا تغيّـر المجالس القضائية بسرعة كبيرة بين الفينة والأخرى؟

أما من سرّب الملفات، هم الناس الذين لهم القدرة للوصول إليها، وهم رجال المخابرات يا سيدي، ومن يعرفون برجال دائرة الاستعلامات والأمن، وهؤلاء لهم القدرة في الوصول إلى الملفات التي يريدون، لأنهم يراقبون البلاد مراقبة بوليسية تامة.

سويس إنفو: احتلت الجماعة السلفية صدارة الأخبار الأمنية في الجزائر، هل ستمثل برأيكم صدارة الأخبار الأمنية في عام 2007؟

فيصل مطاوي: أصبحت الجماعة السلفية للدعوة والقتال ورقة ضغط تشهر في الوجوه بين الفينة والأخرى، وتظهر بياناتها في الإنترنت بشكل غريب، فما هي هذه الجماعة؟ كم هو عدد أفرادها؟ ولماذا لم تتمكّـن المصالح الأمنية الجزائرية من الوصول إليها؟ وكيف حصلت الجماعة على الأسلحة التي تستعملها؟ ألا يشجع هذا موقف من يرى أن العنف يستعمله من يُـقرر، كي يبقي الضغط على المجتمع المتحرّك، الذي يريده أن يذهب وبصفة نهائية؟

سويس إنفو: يعني أنكم تشاطرون رأي من يرى أن النفخ في الجماعة السلفية هدفه تمرير مشاريع أمنية واقتصادية كثيرة؟

فيصل مطاوي: نعم، أنا أشاطر هذا الرأي، لأن هذه الجماعة تظهر في أوقات حرجة تتّـخذ فيها قرارات سياسية واقتصادية هامة، وهذه الجماعة تُـستعمل كي تمرّر مشاريع كثيرة لا تلقى القبول الاجتماعي.

سويس إنفو: لم يتمكّـن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والعاهل المغربي الملك محمد السادس من إيجاد حل لمعضلة الصحراء الغربية، هل تعتقدون أن تطوّرات العام الجديد كفيلة بحل هذه المعضلة؟

فيصل مطاوي: لا الرئيس الجزائري قادر ولا نظيره المغربي قادر على إيجاد حل، وأتمنى أن يُـوضع الملف بصفة نهائية بين أيدي الأمم المتحدة حتى تجد له حلا، لأن ملف الصحراء يُـستعمل داخليا لتمرير قرارات.

فالجزائر تقول، في كثير من الأحيان وبشكل مبالغ فيه، إن المغرب يهدّد الجزائر يشتري سلاحا متطوّرا، وفي المغرب يُـقال نفس الشيء، فكأن قضية الصحراء تُـستعمل للضغط على المجتمعين، الجزائري والمغربي لخنق أي مشروع ديمقراطي حقيقي.

سويس إنفو: رغم هذه السوداوية في نظرتكم لمشكلة الصحراء، هل تنتظرون تطورات إيجابية بالنسبة للعمل المغاربي المشترك؟

فيصل مطاوي: أنا لا أنتظر شيئا، لأن النظام في المغرب نظام بائد، والنظام في الجزائر قد تجاوزه الزمن، ولا ننسى النظام الدكتاتوري في تونس، وما دامت هذه الأنظمة في المنطقة، لا يمكن أن يتغيّـر أي شيء.

سويس إنفو: ما هو مستقبل الجزائر في المرحلة القادمة، هل نتّـجه نحو نظام ديمقراطي وإعلام أكثر مهنية وتحرر، أم أن الأوضاع السياسية والحريات العامة ستبقى رهينة من يشكِّـلون أصحاب القرار؟

فيصل مطاوي: هناك أصحاب قرار، وهناك ما يُـسمى بالعصب، وبالإضافة إلى العصب، هناك عصب “مافياوية” تستعمل المال لتحقيق أغراضها، والواقع، أن الجزائر في مفترق الطرق، فإما أن تُـقلِـع باقتصادها وتذهب البلاد إلى بر الأمان، وإلا سنعيش قرونا وضعنا الكارثي هذا، لأن المال كثير وهناك طاقات فكرية وشبابية يمكنها تحقيق الانطلاقة التي نرجوها.

وببساطة، هل النظام القائم في الجزائر بإمكانه أن ينفِّـذ هذه الانطلاقة؟ أم أننا سندخل في متاهات أخرى مثل: تعديل الدستور ببقاء بوتفليقة أو ذهابه وأشياء مثل هذه توقِـف عجلة سير الأمور إلى الأمام.

أجرى الحوار في الجزائر العاصمة: هيثم رباني.

أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يوم الثلاثاء 26 ديسمبر 2006 بالجزائر أن الدفاع عن المصالح الوطنية هو العامل الوحيد الذي نعتمد عليه في تحديد “خياراتنا الاستراتيجية”.

وأوضح الرئيس الجزائري في كلمة ألقاها أمام إطارات الأمة بمناسبة توقيع قانون المالية 2007، أن انفتاح السوق الوطنية “لا يعني إطلاقا أننا نبيع ما هو استراتيجي في القطاع العمومي” مؤكدا انه “ليس في نيتنا وليس لدى أي منا استعداد لبيع خيرات البلاد”.

واعتبر الرئيس بوتفليقة انه “ليس عيبا التراجع عن قرار تم اتخاذه إذا تبين فيما بعد انه لا يتوافق مع المصلحة العامة للبلاد” مذكرا بتراجعه عن قانون المحروقات الذي كان قد أصدره في وقت سابق. وبعد أن لاحظ وجود “بعض التناقضات” في الأرقام المدرجة ضمن تقارير رسمية حول نتائج الاقتصاد الوطني توجه الرئيس بوتفليقة إلى محافظ بنك الجزائر السيد محمد لكصاسي قائلا انه “إذا كانت بعض الأرقام خاطئة لا بد أن يقال ذلك علنا عبر الصحافة”. وألح رئيس الجمهورية قائلا “يجب قول الحقيقة لشعبنا”.

ولدى تطرقه إلى تبعية الاقتصاد الوطني لقطاع المحروقات أوضح رئيس الجمهورية أنه “إذا كان الدخل الفردي قد ارتفع مؤخرا فان ذلك لم يكن بسبب زيادة في الإنتاج بل في ارتفاع أسعار المحروقات” مذكرا بالوضعية الشبيهة التي عاشتها الجزائر خلال الثمانينات حيث شهدت أسعار المحروقات ارتفاعا محسوسا قبل أن تنهار كلية “مما أذاقنا الامرين – كما قال – وجعلنا نحبوا كالأطفال نحو صندوق النقد الدولي” مضيفا أن “هذه التجرية التي أذلت الشعب الجزائري لن تتكرر مرة أخرى”.

وبخصوص تسيير عائدات الموارد البترولية أكد رئيس الجمهورية بـ “إننا نسيرها وفقا للمصلحة العامة للبلاد” وان هذه الأموال “ليست ملكا لي ولا للسيد عبد العزيز بلخادم (رئيس الحكومة).

وأوضح في هذا السياق أن” العائدات البترولية قد سمحت بمواصلة عدة ورشات كانت معطلة منذ اكثر من 20 سنة منها مطار الجزائر العاصمة الجديد وسد بني هارون الذي بدأت الأشغال فيه سنة 1968″.

ومن جهة أخرى، أعرب الرئيس بوتفليقة عن ارتياحه للتخفيض الكبير للمديونية الخارجية للجزائر والتي وصلت في وقت غير بعيد إلى 33 مليار دولار مضيفا أن الجزائر قررت الدفع المسبق لديونها ولم يبق منها سوى4،7 مليار دولار منها 700 مليون دولار فقط على عاتق الدولة.

وحث رئيس الجمهورية وزارة المالية على “السهر على السير الحسن للبنوك” حيث أكد انه “من الآن فصاعدا لن يتم منح أي قرض بنكي تتجاوز قيمته 10 ملايير دينار لزبون لا يتوفر في البلاد على 10 ملايين دينار”. وأكد انه “لايمكننا أن نقرض أي كان على أساس الصداقة”.

ولدى تطرقة إلى التنمية المحلية، دعا رئيس الجمهورية إلى “القطيعة مع سياسة الجهوية” مؤكدا على ضرورة التعامل مع مختلف ولايات الوطن على قدم المساواة. وأوضح أن بعض الولايات استفادت ببرامج في غاية من الضخامة في حين أن ولايات أخرى تبقى متخلفة بدعوى أنها تفتقر إلى وسائل الإنجاز ومواد البناء مشيرا إلى أن الولاة غير القادرين على تحمل مسؤولياتهم مطالبون بالاعتراف بذلك صراحة.

وطالب الرئيس بوتفليقة أعضاء الحكومة بضرورة أخذ بعين الاعتبار عامل التوازن الجهوي في كل المشاريع الجديدة التي ينوون تسطيرها مشددا على ضرورة القضاء على المعاملات المبنية على الجهوية لأن الوضع “مجحف اجتماعيا وخطير اقتصاديا”. وأضاف انه “من غير الممكن محاربة الإرهاب وفتح جراح أخرى لا سيما وأن بعض الولايات الفقيرة ظلت منسية ولازالت كذلك. لن أقبل بذلك على الإطلاق ولابد من تصحيح هذا الوضع”.

وبعد أن ذكر بان مجهودات “جبارة” قد بذلت منذ الاستقلال لتنمية البلاد “أصاب فيها المسؤولون وأخطأوا” اعترف رئيس الدولة بان هناك أخطاء ارتكبت و”ينبغي العمل على تداركها في إطار مسار التنمية”.

(المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بتاريخ 27 ديسمبر 2006)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية