مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حرية الإعلام العربي.. وهم كبير”

"الحرية كانت ولا تزال مفتاح تقدّم الإعلام".. "الحرية في الإعلام الفضائي والإلكتروني فرضتها التكنولوجيا".. "لا توجد قناة تلفزيونية مستقلّـة في الوطن العربي كله".

هكذا تكلم بصراحته “النارية” المعهودة الإعلامي المصري حمدي قنديل، “قلم الرصاص” الذي يمثل منذ فترة ظاهرة متفردة على الساحة الإعلامية العربية.

رغم أن سن السبعين في قاموس الحياة العربية يُـمثل “التقاعد” و”الاستقالة” و”العكوف” عن حركة الحياة و”الجلوس” بانتظار ملك الموت، إلا أن الإعلامي المصري اللامع حمدي قنديل، صاحب الخبرة الإعلامية التي تعدّت الأربعين عاماً، يقدّم شهادة ميلاده مع كل حلقة جديدة يقدّمها على شاشات الفضائيات العربية. فالرجل يعشق العمل الإعلامي ويهوى السياسة ويتنفس معاركها.

يقول الرجل عن نفسه: “عشت حياتي مضروبة في اثنين أو ثلاثة، مارستها طولاً وعرضاً وبكل ما فيها من أحداث ومواقف وأفكار ومآزق،… أشعر بأنني في منأى عن كابوس الزمن. فعمري مليء بالسفر والحركة والمغامرات الحياتية. فأنا لا أعيش الزمن البيولوجي العربي وحياتي ليس بها فواصل أو نقطة من أول السطر، وإنما أحيا بمقدار ما يستحق العمر من فرح ومُـتعة وعمل حتى النّـخاع والرّمق الأخير”.

ويضيف قنديل :”لم يعد لدي أحلام سوى الاستمرار في رسالتي والصّـمود في وجه التحدّيات. فلم يعد يتبقى الكثير من العمر لكي أحلم، فأنا أعيش ما أستطيع عمله، وأنا متصالح مع ذاتي تماماً وغير مبال بأي شيء”.

حياة حافلة

يتحدث قنديل عن بداياته، فيقول: “لم يكن والدي مغرقاً في التدين، بل ظل لسنوات في شبابه يعزف على العود، وكان حريصاً على أن نقرأ كل يوم صحيفة المصري وأن نستمع لبعض برامج الراديو، فلم يكن يسمح لنا أن نفوت فرصة الاستماع إلى الحديث الإذاعي للكاتب الساخر فكري أباظة”.

ويستطرد قائلا: “لقد تربيت وإخوتي الأربعة وسط عائلة تميّـزت بحسن الخلق، وكانت أمي سيدة مثلها مثل سيدات الطبقة المتوسطة، أكملت نصف تعليمها، وكانت شخصية نافذة وذات ذكاء حاد. تفرغت لإعداد بيت مريح للزوج والأولاد”.

وقد عمل قنديل في مجالات كثيرة، في مصر وسوريا، كما عمل مستشاراً إعلامياً في عدد من الدول العربية، وقام بالتدريس في عدة جامعات عربية. ففي الفترة من 1969 – 1974، عمل باتحاد إذاعات الدول العربية التابع لجامعة الدول العربية، وفي أوائل التسعينات عمل مسؤولا إعلامياً عن مهرجان القاهرة السينمائي الذي كان يترأسه الكاتب الراحل سعد الدين وهبة.

كما ذهب كمراسل حربي مع القوات المصرية إلى اليمن، ثم تبوأ منصب مدير إدارة التداول الحر للمعلومات وسياسات الاقتصاد بمنظمة اليونسكو عام 1977، ثم عمل مستشاراً إعلامياً لإحدى القنوات المغربية عام 1991، وعندما عاد إلى مصر بعد غياب طويل، مكث بها 6 سنوات في الفترة ما بين 1998 و2003، قدم خلاها برنامجه الشهير “رئيس التحرير”، الذي امتاز بالجرأة في الطرح، والتي انتقل بسببها إلى قناة دريم الفضائية، قبل أن يستقر به المقام في قناة دبي بدولة الإمارات، ليقدم بها برنامج “قلم رصاص”.

آراء نارية

وقد اشتهر قنديل بآرائه النارية، حيث كان يشكك في مدى مصداقية الأنظمة العربية، وقدرتها على تحدّي الواقع الأليم الذي وضعها فيه رؤساء حكومات الكيان الإسرائيلي المتعاقبون والسياسة الأمريكية، التي فضحت الديكتاتورية العربية أمام شعوبها بإصرارها على طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001.

ويرى قنديل أن “الحرية كانت ولا تزال مفتاح تقدّم الإعلام” وأن “الحرية الإعلامية في الوطن العربي وهْـم كبير” وأن الحرية في الإعلام الفضائي والإلكتروني فرضتها “التكنولوجيا”، ولم يصدر بها قرار سياسي أو سيادي، وحسب رأيه “لا توجد قناة تلفزيونية مستقلّـة في الوطن العربي كله”، مشيراً إلى أن لكل من القنوات الحكومية والقنوات الخاصة قيودها، بل إن “الخاصة يُـحاصرها قيدان لا قيد واحد، وهما: قيد رأس المال، وقيد الحكومات التي تُـهيمن من وراء الستار”.

عندما كان يقدم برنامج “رئيس التحرير”، ونظراً لما تميز به من جرأة غير معتادة في الإعلام المصري المملوك للدولة، اعتقد الكثيرون أن قنديل قد أبرم اتفاقاً مع الحكومة يخرج بمقتضاه شحنة الغضب الشعبي الكامن في صورة كلمات ينتقد فيها الحكومة، وليظهر النظام في صورة “الديمقراطي”، الذي يسمح بانتقاده على شاشات التلفاز الرسمي.

ويسجل شهادته عن الحرية الإعلامية في مصر فيقول: “لا أنكر أنه سمح لي بتجاوز خطوط لم يكن ممكنا تجاوزها في تلفزيون حكومي، لكن البرنامج كان يمرّ بعمليات معقّـدة حتى يصل إلى الجمهور بداية من قراءة “سكريبت” الحلقة، وحتى متابعة الشكل النهائي لإذاعتها بعد حذف بعض الأشياء أحياناً”.

250 فضائية عربية

وفي تعليقه على أداء الفضائيات العربية، يقول قنديل: قناتي “الجزيرة”، و”أبو ظبي” الفضائيتين، ظهرتا خلال حرب أفغانستان وحرب العراق لأول مرة كمصدرتين للأخبار لا كمستوردتين لها، غير أن “غزو العراق وضع مصداقية الإعلام العربي، بل والوجود العربي ذاته، في حرج بالغ”.

وفي محاضرة له بمنتدى شومان الثقافي بالأردن، تحت عنوان “إعلام في الفضاء”، قال حمدي قنديل: “إن الإعلام العربي عائما في الفضاء بعد أن غرق في الأغنيات، وأن الإعلام العربي يتحاشى الصّـدام مع أمريكا بشتى الطرق. فمن بين 250 قناة فضائية عربية، حسب معظم الإحصاءات، توجد فقط 13 قناة إخبارية، والبقية إما عامة أو ترفيهية (أغاني) في الغالب أو رياضية”؟!

ويتعجّـب قنديل كثرة قنوات الأغاني والطرب، ويقول إنها “انتشرت كالوباء”، ويسجل دهشته من حجم الصناعة التي تقف خلفها، حيث تقدم لنا كل مدة قصيرة أعداداً هائلة من المطربين، يتم احتكارهم واستنزافهم في أقصر مدة ممكنة، ثم يتم حرقهم لكي يقدّموا وجوها جديدة ونجوماً أخرى!

ويتوقع قنديل أن يتضاعف عدد القنوات الفضائية خلال السنوات العشر القادمة، خاصة مع “انتعاش اقتصاد دول البترول” و”ابتكار أجهزة إنتاج وبث واستقبال قليلة التكاليف” و”هبوط أسعار الاتصالات الفضائية” و”الاتجاه إلى إطلاق قنوات فضائية محلية تستهدف قُـطرا بعينه”، ومع “الاتجاه لمزيد من التخصص والانفتاح”.

إيجابيات الفضائيات

وعلى الرغم من قناعته بأن الإعلام الفضائي المفتوح له سلبيات كبيرة، يعتبر الإعلامي الكبير حمدي قنديل أن له الكثير من الإيجابيات التي لا تنكر.

ويذكر منها على سبيل المثال، أنه “أتاح النقل المباشر للأخبار من بلد إلى آخر في نفس وقت وقوع الحدث” و”أدخل العرب – ولأول مرة – إلى حلبة المنافسة الإعلامية، التي أدّت إلى تجويد العمل التليفزيوني والارتقاء به”.

ويضيف: “كما أنه ساعد في تحقيق نوع من التواصل بين أبناء الشعب العربي، عجزت النظم العربية عن تحقيقه على مدى 50 عاماّ، وخاطب الأقليات العربية المقيمة خارج الوطن العربي وربطها بأوطانها الأم، وأسهم في انفراج الحريات الإعلامية، فأصبح منبر الآراء المتباينة والبرلمان الحقيقي الذي تعبّـر فيه الشعوب العربية عن نفسها، والرقيب الأهم على انتخاباتها، بل وعلى حكوماتها.

“الحرية هي وطني”

ويعتبر قنديل أن “كل ما نراه من أبّـهة المدن الإعلامية والأضواء المبهرة والمباني العامرة والمعدّات الحديثة، والمليارات التي تستثمر في إنشاء القنوات، والتي تعدّت 20 مليار دولار، والحشد الإعلامي الكبير، والكمّ الرهيب من البرامج والشعارات الرنّـانة عن الريّـادة والتميز،….. كل هذا، واجهات منمقة ستظل قاصرة المضمون، ما دامت الحرية غائبة”.

وعن حبّـه لبلده مصر، يقول قنديل: “انتمائي لوطني مصر لم يتزعزع ولم يصبه العطب، فهو الذي أعطاني الكثير في الماضي، لكنني أرثى لحاله وحال الناس الذين يفتقدون للجرأة المطلوبة. فالحرية هي وطني، وأي مكان يوفر هذا الشرط وكل المعطيات الآدمية، يستحق أن يكون بين ضلوعي، أما مصر، فسوف تبقى العاطفة التي لا يستطيع أن يُـساومني عليها أحد”.

وعن دُبي، التي يعيش فيها، يقول قنديل: “بمرور الأيام، توطّـدت علاقتي بدُبي، كما أن نسيج البلد أفسَـح لي مكاناً مُـحترماً في تلافيفه، واحتَـواني في نبضاته، ويكفي أن برنامجي “قلم رصاص” في تليفزيون دُبي لا يطّـلع عليه أحد، إلا عند لحظة بثه فقط، ومن ثم، فقد قرّرت أن أقيم هنا مع زوجتي الفنانة نجلاء فتحي، على أن أزور مصر من حين لآخر. فأنا رَهن المكان الذي يقدِّر حريتي واستقلالي وكرامتي”.

ومن أشدّ اللحظات التي يندم عليها قنديل في حياته المهنية، قيامه بإجراء أحاديث مع المُـعتقلين من الإخوان المسلمين في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، فيقول عنها: “لقد كُـنت مدفوعاً برغبة السلطة في إجراء هذه الأحاديث”.

ذكرياتي مع المرأة

وعن ذكرياته مع المرأة، يقول قنديل: “كل ذكرياتي رائعة مع المرأة. فقد تزّوجت ثلاث مرات ولا أحاول تذكّـر النهايات المؤلمة في زيجاتي الأوليين لأني مازلت صديقاً لهما، ولكن في حدود أني رجل متزوج من ثالثة”.

أما عن زواجه الثالث والأخير من الفنانة الكبيرة نجلاء فتحي، فيقول إنه :”جاء في عمر النُّـضج بعيداً عن المشاعر المُـلتهبة والعواطف المتسرّعة، لكن حبّي لها محترم وهادئ وراسخ”، ويصفها بقوله: “نجلاء امرأة جميلة مستوفية تماماً لشرط الأنوثة الذي لا غنى عنه للرجل”.

وعما جذبه للزواج من الفنانة نجلاء، يقول قنديل: “ما جذبني إليها أنها جذّابة ومنطلقة وصريحة، وبها حيَـوية فائقة، ولا تعرف “الملاوعة”، إنها امرأة “دوغري”، عكس ما يتردّد عن الوسط الفني، وقد ملأت أيامي بالحيوية الفائقة وأعادت شحن بطارياتي، وتولّـت بجدارة عمليات التشحيم والتزييت في حياتي، إنها زوجة جميلة يعتمد عليها في الشدائد وحل المشاكل”.

ونختتم برأيه في ثورة الإنترنت التي أفرزت الإعلام الإلكتروني، فيقول: “الإنترنت الآن هو الوسيلة الممكنة لإقامة حوار شِـبه ديمقراطي حقيقي بين الناس، إلا أن هذا لا يظهر بقوة الآن، لأن انتشار الإنترنت على الساحة العربية ما زال محدودا، وأتوقع أن هذه الوسيلة ستكون ثورة الاتصال السادسة”.

همام سرحان – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية