مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 عندما يكتشفُ أبناء الألب ديناصورات الأطلس!

 عالم الجيولوجيا السويسري ميشيل مونبارون أمام هيكل الديناصور الذي اكتشفه في بلدة توندوت المغربية swissinfo.ch

ما بين 185 و190 مليون سنة هُو بلا شك عُمر طبقات الأرض التي عُثر فيها عن عظام وهياكل ديناصورات في بلدةٍ تقع جنوب المغرب. فريق العلماء السويسري الذي شارك في عمليات التنقيب عاد مؤخرا الى جامعة فريبورغ لتقديم حصيلة رحلته الى عالم الديناصورات.

بدأت الحكايةُ عام 1998 عندما عثر مُزارعٌ بالصُّدفة على عظم مُتحجر في مُنحدر صخري قُرب بلدة تُوندوت، الواقعة على بُعدِ ستين كيلومترا عن مدينة ورزازات في مرتفعات الأطلس المتوسط.

صدى الاكتشاف وصل بسرعة إلى العاصمة الرباط، حيث قرر فريقٌ من العلماء شد الرحال إلى البلدة للقيام بدراسة ميدانية لعلهم يكتشفون كنزَ بقايا حيوانية تعود لملايين السنين.

وفور وُصول عُلماء طبقات الأرض إلى الموقع وبدأهِم عمليات التنقيب، لم يُراودهُم الشكُّ للحظة أن المنطقة تزخرُ بهياكل عظمية لديناصورات انقرضت منذ قرون طويلة. ولِم لا، فالبلدةُ تقعُ في مُرتفعات سلسلة جبال الأطلس الغنية جدا بالحفُريات وليس غريبا أن تنضاف إلى قائمةِ طويلة ومُذهلة من مواقع مُتحجراتٍ في المغرب تحتفظ بأسرار أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة.

لكن هذه الحياة لا تخصُّ المغرب الأقصى لوحده بل هي ذاكرة كونية قد تعني الإنسانية بأسرها. ورُبما هذا من بين الأسباب التي دفعت السلطات المغربية إلى عدم الاكتفاء بالخُبراء المحليين وتوجيه الدعوة إلى خبراء دوليين مغمورين في علم الاحاثة والجيولوجيا لدراسة موقع توندوت.

ومن ثم نشأت مُعاهدةُ “Dino Atlas” في مجال البحث العلمي بين قسم الجيولوجيا الوطني المغربي ونُخبة من العلماء الأجانب من بينهم عالم الجيولوجيا السويسري ميشيل مُونبارون من جامعة فريبورغ وكريستيان ماير المُتخصص في بصمات الديناصورات ومُدير متحف التاريخ الطبيعي في بازل.

 سويسري يكتشف صنفا لم يكن معروفا!

وتولى المغرب تمويل هذه المُعاهدة التي وضعت برنامجَ بحثٍ سيتواصل لمدة لا تقلُّ عن أربع سنوات. لكن بعثة توندوت، بقيادة عالم الاحاثة الفرنسي الشهير فيليب تاكي، تلقت دعم مؤسسة “ليغابو” نصيرة العلماء في إيطاليا، بينما تكفَّلت سويسرا بنفقات العالميْن السويسرييْن أثناء مُشاركتهما في عمليات التنقيب عن عظام الديناصورات في منطقة توندوت.

ويُعد عالم الجيولوجيا السويسري ميشيل مُونبارون من بين الوجوه المعروفة في مجال الجيولوجيا في المغرب حيث شغل قبل حوالي عشرين عاما منصبا في وزارة الطاقة والمعادن المغربية وكُلف بالقيام بجرد جيولوجي لمنطقة من جبال الأطلس بهدف وضعها على خريطة. العالم السويسري كان يعلم آنذاك أن منطقة وَاومْدا غنية بالمُتحجرات لكنه لم يكن ليتوقع أنه سيعثر يوما ما على هيكل كامل لديناصور يتجاوز طوله 15 مترا. وبواسطة هذا الاكتشاف العظيم، أعطى العالم السويسري دفعة قوية لعلم الاحاثة (Paléontologie) في المغرب.

وبفضل تعاون العالمين الفرنسي فيليب تَاكي والأمريكي دال روسيل الذين شاركا في تحديد صنف هذا الديناصور، تبين أنه ليس ديناصورا “عاديا” بل فصيلة لم تكن معرُوفة لحد ساعة هذا الاكتشاف. وتم تصنيف هذا الديناصور الذي يعود إلى 165 مليون سنة تحت اسم « Atlasaurus imelakei » أي “عظائي الأطلس العملاق” عام 1999. والعظائيات مُصطلح يدل على الحيوانات الزاحفة في علم الحيوان. ويُمكن معاينة مُجسم هذا الديناصور البدائي في متحف علوم الأرض بالرباط.

 تعاون جيولوجي عريق بين سويسرا والمغرب

التعاون المغربي السويسري في مجال الجيولوجيا أو علم طبقات الأرض ليس وليد اليوم، فالجيولوجيون السويسريون عملوا باستمرار منذ مُنتصف القرن العشرين في قسم الجيولوجيا في المغرب الذي يحظى بسمعة جيدة في إفريقيا. وأنجز العُلماء السويسريون عمل استصلاح هائل للأراضي بهدف معرفة التركيبة الجيولوجية للمغرب.

ويشرح العالم السويسري ميشيل مونبارون في هذا السياق مستندا لتجربته الشخصية أن “علم وضع الخرائط الجيولوجية ليس مُخصصا للعثور على الديناصورات فحسب بل يصلح أيضا لتحديد النوعية الأرضية للمنطقة المدروسة وإمكانيات اكتشاف موارد معدنية أو طبقات باطنية محتوية على الماء أو حتى البترول. ولذا فان العمل الذي نقوم به مفيد جدا بالنسبة للشعب المغربي.”

وينقسمُ موقع تُوندوت لحد الآن إلى ثلاث مناطق تنقيب لكنه ليس مُستبعدا على الإطلاق العثور على مناطق جديدة تختزن حفريات أصناف مُختلفة من الديناصورات. وتتم عمليات البحث في المواقع الثلاثة المذكورة في هدوء وتركيز تامين وبأساليب تقليدية.

 سري للغاية!

لا شيء يدلُّ على اكتشافٍ ضخم. الباحثون يقومون بعمليات التنقيب بدقة شبيهة بالدقة التي تتطلبها العمليات الطبية الجراحية. ويحيط بهؤلاء العلماء عددٌ من العاملين الذين يقومون بحفر الأرض بواسطة مِجرفات يدوية ويتخلصُون من رُكام الحفريات بنقالة تقليدية. هكذا يصف مراسل “سويس انفو” برنار ليشُو موقع تُوندوت الذي تحيط به سرية كبيرة. المُصورون ليس مرغوبا فيهم، لا يُسمح بتاتا بأخذ صور للورش الثلاث أو لفريق الباحثين.

وتقول مديرة قسم الجيولوجيا في متحف علوم الأرض بالرباط السيدة نجاة أقصبي “لقد اكتشفنا هذا الموقع قبل ثلاثة أعوام وقمنا بتوعية السلطات المحلية بضرورة حمايته. ولمدة سنة ونصف ظل أحد المواقع الثلاثة ليلا نهارا تحت حراسة السلطات المحلية وعاملين انتدبهما المتحف.” التخوفُ بطبيعة الحال من أيادي مُتطاولة أو رُبما من زملاء لفريق البحث لا يقوون على كتمان ما يزخرُ به الموقع من كنوز جيولوجية.

ومن يستطيع السيطرة على لسانه في حال العثور على ما وصفه الفريقُ السويسري “كنز احاثي حقيقي”؟ الدليل إنجاز مراسل سويس انفو الذي رافق الفريق لسلسلة طويلة من التقارير الصوتية والمكتوبة لعل كلمات ابن جبال الألب ترسم للقارئ ملامح عالم الديناصورات في بلد جبال الأطلس!

سويس انفو- بيرنار ليشو وإصلاح بخات

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية