مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 هدف أمريكي في المرمى الأوروبي!

جزيرة ليلى بعد إخلائها من القوات الإسبانية ورفع الحصار عنها swissinfo.ch

أبعدت تطورات قضية جزيرة ليلى أوروبا مسافة إضافية عن الساحة الدولية، وأضافت للولايات المتحدة مكانا جديدا في الدبلوماسية المتوسطية والعالمية.

كان تسرع رئاسة الاتحاد الأوروبي في إصدار بيان تأييد للموقف الإسباني، كافيا ليكون الاتحاد طرفا غير مؤهل ليلعب دور الوسيط بين المغرب وإسبانيا ويفسح المجال واسعا أمام الدبلوماسية الأمريكية لتفض نزاعا كاد يتحول إلى مواجهة مسلحة تشعل النار في مضيق جبل طارق.

فالدبلوماسية الأمريكية “الحازمة” أجبرت الحكومة الإسبانية على سحب قواتها من جزيرة ليلى بعد احتلال دام أربعة أيام قبل أية محادثات بين مدريد والرباط. كما أجبرت المغرب أيضا على القبول بأن الجزيرة ارض خلاء ومحل نزاع والالتزام بعدم إعادة قواته أو رفع علمه في الجزيرة التي لا تبعد سوى مائة وخمسين مترا عن يابسته.

لم تكن وساطة واشنطن، بمكانتها الدولية، إكراها لمدريد أو الرباط، بل اختيارا. فردود الفعل على نشر المغرب لقواته في الجزيرة أو احتلال القوات الإسبانية لها، وضع كل الذين يمكن أن يكونوا فاعلين في تسوية أزمة الجزيرة أو تقريب وجهات نظر المتنازعين أمام مأزق مليئ بالتناقضات. وكان الاتحاد الأوربي الخاسر الأساسي، لانه اظهر “عدم مسؤولية” تجاه السلام العالمي والإقليمي بتبني رئاسته الدنمركية لغة الحرب ضد المغرب وعدم حكمته وقدرته على أن يكون مرجعية مقبولة من طرفي النزاع لتسوية أزمتهما.

“تفاهمات” باول

تسرُّع الرئاسة الدنمركية في بيانها، الذي عبر عن رؤيتها للعالم الإسلامي والعربي، خلق أزمة داخل الاتحاد الأوروبي، فالفرنسيون لم يخفوا احتجاجهم لصدور البيان دون التشاور معهم، وتشددوا فيما بعد وحالوا دون إصدار بيان جديد وتغيير الموقف الأوروبي من اعتبار جزيرة ليلى أرضا إسبانية وجزءا من الفضاء الأوروبي وهو ما لم تقله مدريد، إلى اعتبار الجزيرة قضية ثنائية تهم الرباط ومدريد وأن الاتحاد ليس طرفا فيها.

الموقف الفرنسي حال دون أن تكون باريس وسيطا. فمدريد المنزعجة دائما من النفوذ الفرنسي في الرباط وتعتبره العامل الأساسي في توتر العلاقات المغربية الإسبانية، رأت في موقف باريس تحدِّيا لها نتج عنه حرمانها من دعم أوروبي أوسع كانت بأمس الحاجة إليه بعد احتلالها للجزيرة في 17 من يوليو.

ولم تطلب واشنطن أن تكون وسيطا، بل لجأ اليها طرفا النزاع. في البداية، لم تبد ادارة بوش حماسا واكتفت بتحرك سفيرتها في الرباط مارغريت تاتوايلر التي لا تحظى بمكانة كبيرة وتأثير فاعل في الإدارة الأمريكية. فواشنطن تدرك جيدا أن الرباط ومدريد تعرفان حجم دور السفيرة المحدود في صنع القرار الامريكي. وهو ما تأكد، ان اعتُـمدت رواية وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى للأحداث، في إرسال مدريد قواتها للجزيرة، بعد أن أبلغته تاتوايلر بقبول مدريد لاتفاق يخفف من حدة الأزمة ويضعها في إطار الحل التفاوضي.

كولن باول شخصيا قاد يومي الجمعة والسبت الدبلوماسية الأمريكية لتسوية أزمة جزيرة ليلى أو وضعها على سكة التسوية، وأجرى اكثر من عشر مكالمات هاتفية ثلاث منها مع العاهل المغربي الملك محمد السادس أوصلت الطرفين إلى اتفاق أو إلى ما يمكن تسميته بـ”تفاهمات” باول.

مساواة وندية؟؟

لتنفيذ هذه التفاهمات، وطبقا لما ورد فيها، انسحب الجنود الاسبان مساء السبت من جزيرة ليلى كما انسحبت القطع البحرية الإسبانية من محيطها ومن المياه الإقليمية المغربية. وصباح الاثنين وصلت وزيرة الخارجية الإسبانية انا بلاسيو إلى الرباط وأجرت محادثات مع نظيرها المغربي محمد بن عيسى لم تسفر عن تقدم، لكنها أكدت أن العلاقات الإسبانية المغربية قبل العشرين من يوليو ليست هي نفسها بعده.

فالمغرب الذي اعتبر نفسه منتصرا بعد أن نجح في فرض الانسحاب على إسبانيا قبل انطلاق المفاوضات، تعامل مع انا بلاسيو، في يوم عيد ميلادها بكل جفاء، حيث لم يتحول نظيرها المغربي محمد بن عيسى ولا مساعده الطيب الفاسي الفهري، لاستقبالها في المطار او حتى على باب وزارة الخارجية، كما يقتضي البروتوكول.

وبذلك أراد صانعو القرار المغربي أن يؤكدوا لمدريد أن أي تعامل بينهما يجب ان يكون على قدم المساواة والندية، وأن “روح المورو” التحقيرية الاسبانية تجاه المغاربة يجب ان تزول.

لم يكن “الاستقواء” السياسي المغربي نابعا فقط من كون العالم استجاب للضغط على إسبانيا لتحقيق الانسحاب من الجزيرة قبل المفاوضات. فالرباط تريد أن تلعب إلى الأقصى ورقة الإحراج والسخرية التي وضعت مدريد نفسها فيها حين جيّشت الجيوش والاساطيل ضد ستة جنود مغاربة كانوا في جزيرة لا تقول انها تقع تحت سيادتها، بل أيضا وأساسا لان الانفعال ورد الفعل الإسباني غير الطبيعي في معالجة قضية ليلى فتح الباب على مصراعيه بوجه طرح كل ملفات أزمة العلاقات الاسبانية المغربية، بدءا بالموقف الإسباني من قضية الصحراء الغربية والصيد البحري والهجرة السرية والتهريب وصولا إلى قضية سبتة ومليلية اللتين تحتلهما اسبانيا منذ خمسة قرون وترفض التفاوض بشأنهما.

مزيد من الوساطات..

منذ ستة اشهر والرباط لا تلح على تسوية كل هذه الملفات (باستثناء ملف سبتة ومليلية)، لكنها تطالب بفتحها والحوار الجدي حولها ومدريد تتمنَّع وتتجاهل. وقد فتحت جزيرة ليلى كل الملفات، وأجبرت مدريد على طرحها حتى ولو رفضت التفاوض حولها.

في البيان الصحفي الذي نشر بعد لقاء بن عيسى- بلاسيو، وُُضعت جزيرة ليلى في إطار الملفات العالقة وتأكد أن تصفية الأجواء بين الرباط ومدريد لازالت بحاجة للمزيد من الوقت والجهد والتفهم وربما الوساطات.

واذا كان الطرفان قد اتفقا على عودة جزيرة ليلى إلى ما كانت عليه قبل الحادي عشر من يوليو، فإنهما أيضا أبقيا الملفات على ما كانت عليه بانتظار شهر سبتمبر، موعد لقائهما القادم.

كما تضمن البيان تأكيدا للدور الأمريكي في تسوية هذه الملفات، مما قد يعني استبعادا للاتحاد الأوروبي الذي يتعين عليه خلال الأيام القادمة محاولة إصلاح تسرع رئاسته وتعويض ما خسره من احترام لدى دول الجنوب والتعاطي مع قضايا هذه الدول بمسؤولية اكبر حتى يصنع لنفسه مكانة افضل على الساحة الاقليمية والدولية، يقول أنصار فكرة الكيان الأوروبي ان الاتحاد جدير بها.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية