مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“وثيقة الفضائيات العربية”.. محاولة للتكميم وخطوة للخلف!

تغطي الفضائيات اليوم أسطح بيوت الفقراء والأغنياء والطبقات المتوسطة في كافة أرجاء العالم العربي. فهل يمكن لوثيقة وزراء الإعلام العرب أن تُوقف زحف الفضائيات؟

حذر خبراء مصريون متخصصون في الإعلام والسياسة والاقتصاد والقانون وشؤون البرلمان، من "وثيقة الفضائيات" التي تمخض عنها الاجتماع الاستثنائي الأخير لمجلس وزراء الإعلام العرب، والذي عقد يوم 12 فبراير 2008 برئاسة مصر في مقر جامعة الدول العربية.

وفي تصريحات لسويس إنفو، اعتبر الخبراء أنها ذات بعد سياسي، وأنها استهدفت وضع مزيد من العراقيل في طريق الفضائيات العربية التي تزايدت بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة ومثلت خطورة وتهديدا على بقاء الأنظمة العربية المستبدة.

وفي محاولة للوقوف على حقيقة هذه الوثيقة والأسباب الكامنة وراء عقد اجتماع استثنائي للمجلس لإصدارها بهذه السرعة، واستشراف مستقبل الفضائيات العربية المستقلة، استجوبت سويس إنفو عددا من الخبراء المصريين وهم: النائب البرلماني الدكتور جمال زهران، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس والمتحدث الرسمي باسم الكتلة المستقلة في البرلمان المصري، والدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي بكلية الإعلام بجامعة القاهرة والدكتورة المستشارة نهى الزيني، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية والدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع اليساري.

التمهيد لسيناريو التوريث!

في البداية، يلفت الدكتور زهران الانتباه إلى أن مبادرة مصر للدعوة لهذه الجلسة الاستثنائية ورعاية السعودية لهذا الاجتماع وتبنيهما معا لمشروع الوثيقة، دليل واضح على أنهما مشغولتان بالسعي لتأمين الأنظمة وتقنين التوريث، وأنهما تستشعران ضرورة ضبط إيقاع الإعلام، وتأميمه، مشيرًا إلى أنهما وغيرهما من الأنظمة العربية، قد أدركوا أن الفضائيات المستقلة أصبحت تمثل خطراً وتهديدا لأنظمتهما.

ويقول زهران: “الناظر إلى الفضائيات العربية المستقلة، يجد أنها قد أصبحت أداة مهمة لتحريك الجماهير وإيقاظهم وتنويرهم وتوعيتهم وإنضاجهم، والدفع بهم إلى المشاركة الفعلية في العملية السياسية”، ويضيف: “إذن، نحن أمام وسائل فعالة لتحريك الجماهير، والحكومات العربية تستشعر جيدا أن هذا التحريك يأتي ضدهم كأنظمة مستبدة”.

وفي سياق المقارنة بين القنوات الرسمية والمستقلة، يقول زهران في تصريحات خاصة لـسويس إنفو: “دراسات وبحوث واستطلاعات رأي عديدة أجريت خلال السنوات العشر الأخيرة، كلها أكدت على نتيجة واحدة، وهي أن المواطن العربي قد انصرف عن مشاهدة القنوات الرسمية والحكومية، لأنها بمنتهى البساطة تحولت إلى مجرد نشرات تدافع عن الأنظمة، وليست منابر لحرية الرأي”.

ويدلل زهران على أهمية الفضائيات المستقلة بقوله: “أنا بصفتي أستاذ علوم سياسية، أزعم أنني ضيف شبه دائم على الفضائية المستقلة، وبعدما اكتسبت عضوية البرلمان، زادت هذه الاستضافة بشكل ملحوظ جدا، في الوقت الذي لا تجد لي أي حضور على الإعلام الرسمي، حتى في بلدي مصر، لأنني بمنتهى البساطة لست عضوا بالحزب الحاكم”!

ويضيف رئيس كتلة المستقلين في البرلمان المصري: “لا أتخيل أن أكون برلمانيا مشهورا بدون الإعلام المستقل، فجلسات البرلمان تعرض وتناقش موضوعات وقضايا مهمة، لكن الإعلام الرسمي لا يعرض هذه الجلسات، ولهذا فإن ظهوري لخمس دقائق على فضائية مستقلة يكون له أثر كبير ألمسه جيدا بين أبناء دائرتي”.

“القيود لا تصنع مجتمعا حراً”

ويوضح زهران أن الهدف من هذا الاجتماع ومن هذه الوثيقة، يتمثل في “تفتيت الرأي الآخر، فهم يريدون وأد هذا الجنين قبل أن يكبر ويصعب السيطرة عليه، ولكنني أعتقد أن عشر سنوات من عمر الإعلام الخاص والمستقل، تجعل من الصعب السيطرة عليه”، مشيرًا إلى أن “الإعلام المستقل له دور وطني وقومي، وهم يريدون إغلاقه لتحجيم هذه القنوات لأنها لا تصب في النهاية في تثبيت أركان الأنظمة”.

ويضيف في حديثه مع سويس إنفو: “طوال السنوات العشر الماضية، قامت هذه الفضائيات المستقلة بدورها كما ينبغي، فنقلت على الهواء مباشرة فعاليات هامة كثيرة، مثل المظاهرات والمسيرات والاعتصامات وعمليات التصويت في الانتخابات البرلمانية”، وهو يرى: “في تقديري أن مجلس وزراء الإعلام العرب عجل بعقد جلسة استثنائية ولم ينتظر موعد الانعقاد الدوري، لأنه يريد كسب الوقت، فالحكومات العربية تدرك جيدا أن الوقت ليس في صالحها”.

ولكن لماذا كانت مصر هي الداعية للجلسة الاستثنائية والمتبنية لفكرة الوثيقة؟ أجاب زهران :”ببساطة، لأنها تريد تمرير مشروع التوريث اليوم قبل غد، وكذا السعودية التي تدعم هذا الإطار التوريثي لتضفي على نظامها مزيدا من الشرعية، وهذا هو ما يبرر كونها وراء تمويل إنتاج مسلسل الملك فاروق، الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، وهو ما يترجم الهواجس التي كانت قائمة”.

وقال زهران: “هم يحاولون بهذه الوثيقة أن يقللوا من هذه الفضائيات المستقلة، لكنهم لن ينجحوا، لأن القيود لا تصنع مجتمعا حرا، لأن المجتمع الحر الديمقراطي يصحح من نفسه، فبريطانيا لم تتطور عبر مزيد من القيود، وإنما عبر تصحيح المسار وتعديل الأخطاء”، وأضاف “الذي ينظر في الدول الموقعة على الوثيقة، يجد أن كلا من الأردن والإمارات قد تحفظتا على بنود في الوثيقة، وأن لبنان وقطر رفضتا نهائيا التوقيع على الوثيقة، وهذه الدول التي رفضت وتحفظت، هي التي تملك غالبية القنوات الفضائية المهمة والمشهورة والمؤثرة على الساحة، أما بقية الدول التي وقعت، فهي لا تملك إعلاما فضائيا مؤثرا”.

وحول مخاوف خبراء الاقتصاد من التأثيرات السلبية للوثيقة على الاستثمار، قال زهران: “الاستثمار لا يتحرك إلا في بيئة آمنة وديمقراطية لا تخضع للرقابة الحكومية، وهذا عكس ما يتوهمه أنصار الحكومات والأنظمة العربية”، مشيرا إلى أن “رؤوس الأموال تتحرك ناحية الغرب لشعورها بالأمن والحرية، فهناك تلازم واضح بين الاستثمار والديمقراطية، فكلما كان لدينا مشروع ديمقراطي حقيقي، كلما كان الاستثمار أكثر إقبالا، وكلما كانت بلادنا العربية جاذبة للاستثمار والعكس صحيح”.

وثيقة قاصرة وناقصة!

ويتفق مع زهران في مخاوفه، د. صفوت العالم، ويضيف :”هذه الوثيقة تأخرت كثيرا، وعندما جاءت كانت غير متكاملة وغير شاملة، واقتصرت على البعد السياسي، دون غيره من الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية والدينية والاقتصادية، فهي لم تضع في اعتبارها إلا البعد السياسي الذي صدرت من أجله”، واستدرك العالم قائلا: “لا ننكر أنها إضافة حقيقية مطلوبة لضبط الممارسة الأخلاقية للإعلام العربي، لكن كان من الضروري عليها أن توازن بين الشطط والتجاهل”.

ويقول العالم في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “نحن كإعلاميين وأكاديميين نرفض انتكاسة الإعلام المستقل، فهو المنفذ الوحيد على العالم، ولكننا على يقين بأنه لم يعد هناك جدوى من الرقابة عليه”، موضحاً أن “الإعلام المستقل ساهم في تخفف الإعلام الرسمي من بعض قيوده، وأصبحت هناك قناعة لدى الأنظمة وإعلامها الرسمي بأنها ما لم تتكلم وتنشر الحقيقية، فستنشرها الفضائيات المستقلة بعد نصف ساعة من وقوعها على الأكثر”.

ويبين العالم أن مَـن قاموا بصياغة الوثيقة، لم يضعوا اللوائح التفصيلية لتنفيذها، وعليه، فإن الضوابط التي وضعتها الوثيقة هي جملة من المُطْلَقَات، والخطورة هنا – وربما كانت مقصودة – تكمن في أن هذه الضوابط ستخضع عند تنفيذها، لتفسيرات كل حكومة وكل وزير إعلام على حِـدة، فهذا وزير إعلام كان في الأصل ضابط شرطة، وهذا وزير إعلام متشدد، وهذا وزير إعلام في نظام مستبد، وهكذا…..”.

ويأخذ العالم على الوثيقة أنها “تجاهلت برامج وقنوات السحر والشعوذة، كما تجاهلت الفضائيات المتخصصة في المسابقات أو تلك التي تفسح مساحة كبيرة لبرامج المسابقات”، مؤكداً “لقد قرأت الوثيقة ولم أجد بها أي ضوابط لهذه الفضائيات أو تلك البرامج، رغم كونها أشد خطرا على المجتمع، في الوقت الذي عظمت فيه من قيم (الهلس)”، وأيضاً فإن النصوص الخاصة بالفيديو كليب “مائعة وغير واضحة”، على حد تعبيره.

برامج الهواء والتوك شو!!

ويرى العالم أن “المشكلة تكمن في أن من وضعوا نصوص الوثيقة هم رجال قانون، ليست لهم صلة بالإعلام ولا بالفضائيات”، وأشار إلى أن ما حدث يتلخص في أن “وزير الإعلام السعودي جلس مع وزير الإعلام المصري واتفقا على تعميم هذه الوثيقة، وقد كنتُ على علم بهذه الوثيقة منذ فترة”، مشيراً إلى أن “برامج الهواء والتوك شو في الإعلام المستقل أصبحت – في عُرفهم – تهدد الأنظمة العربية، وخاصة السعودي والمصري”.

وكشف العالم أن “الإعلانات في معظم الفضائيات العربية هي الأسوأ والأخطر على الإطلاق، فهي “كعكة” الاقتصاد التي تعظم قيمة الفضائيات، فالمفروض في أي دولة محترمة أن لا تقترب الإعلانات من الدواء أو الغذاء المكمل للدواء، فهذه أمور خطيرة، فكوب اللبن الذي يغذي الطفل قد يكون ضارا جدا لرجل مريض”.

وبين العالم أن “هناك صعوبات حقيقية ستواجه تطبيق هذه الوثيقة، خاصة انهم قد اتفقوا على التطبيق الفوري لها. فالوثيقة تجاهلت الأبعاد الدينية وقصرت كلمة التشويه على الرموز السياسية والدينية”، معتبرا أن “من وضعوا هذه الوثيقة، وضعوها دون تريث أو تفهم حقيقي للممارسات البديلة”.

ويقول العالم: “لم يعد هناك جدوى من الرقابة على وسائل الإعلام، وخاصة الفضائية، فحدود الدولة لم تعد قيدا أمام حرية الإعلام، وذلك في ظل التطور التكنولوجي الذي يبتكر ويتقدم ويزداد يوما بعد يوم”، مشيراً إلى أن “هذه الوثيقة لن تؤثر، بل قد يتحول السهم الذي توجهه هذه الوثيقة إلى قذيفة في وجه الحكومات العربية”.

وينتهي العالم إلى القول بأن: “الوثيقة افتقدت للشمول والتكامل والوضوح والتفاصيل الإجرائية، وهناك ثغرات كثيرة بها، وهي دليل على أن الإعلام الرسمي لم يستطع أن يواكب الإعلام المستقل، فنيا وتقنيا، ولم ينجح على مدار سنواته الطويلة في ممارسة الإعلام بطريقة صحيحة، فلجأ إلى وضع مزيد من العراقيل في وجه الإعلام الخاص والمستقل ليوقفه أو يعوقه أو يطوعه، لكن التطور التكنولوجي السريع قادر على ان يخرج لسانه للوثيقة”، حسب قوله.

خطوة للخلف وتكميم الأفواه

وتتفق الدكتورة المستشارة نهى الزيني مع الدكتور زهران والدكتور العالم فيما ذهبا إليه، وتضيف “بالطبع، فإنني أشارك الخبراء مخاوفهم، فهذه الوثيقة أحيطت بأجواء غريبة، في مقدمتها عقد جلسة استثنائية لمجلس وزراء الإعلام العرب وعدم انتظار موعد الانعقاد الدوري المقرر في شهر يونيو 2008، أي بعد 3 شهور ونصف”.

وتقول الزيني في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “اطلعت على بنود الوثيقة وشعرت أنها تضع المزيد من القيود أمام حرية الإعلام، بل إنها خطوة للخلف، وربما تكون خطوة للأمام فيما يتعلق ببعض الضوابط المرتبطة بالقيم، لكن هذا سيكون على حساب الحرية التي حصل عليها الإعلام خلال السنوات العشر الأخيرة”، معتبرة أن “القيود التي وضعتها الحكومات العربية أمام حرية الإعلام هي السبب في تدني مستوى الإعلام الرسمي، فنيا وتكنولوجيا، رغم وفرة الدعم المالي”.

وترى الزيني أن “الحكومات العربية استهدفت من وراء هذه الخطوة أن تبسط يدها على كل وسائل الإعلام المستقلة والخاصة في خطوة لتكميم الأفواه المعارضة”، متخوفة من أنها قد تجعل الساحة الفضائية “في يد دول أخرى غير عربية (مثل إيران / تركيا/ والدول الغربية الرئيسية/ وربما إسرائيل)، للسيطرة على الإعلام المستقل، وهي دول لا يعنيها كثيرا الأمن القومي العربي ولا المواطن العربي، وإنما مصالحها الشخصية”.

وحول التوقيت وتعجل إصدار الوثيقة، تعتقد الزيني أن “هذه الوثيقة تطرح الآن للتعمية على قرارات سياسية مهمة، أعتقد أنها ستصدر في القريب العاجل..”، كما ترى أن التضييق سيدفع حتما التطور التكنولوجي لفتح آفاق وطرق وآليات أخرى للبث الفضائي، سواء عبر الموبايل والأجهزة المحمولة أو عبر الإنترنت، تماما مثلما حدث مع الصحافة، فعندما فرضت الحكومات العربية مزيدا من الضغوط والقيود على حرية الصحافة المكتوبة، خرجت علينا التكنولوجيا الحديثة بالبديل، الذي هز الدنيا وغير العالم، ألا وهو الصحافة الإلكترونية، فقد زاد عدد المواقع والمدونات الإلكترونية ليصل إلى مئات الملايين.

وتختتم الزيني بالقول بأن “المواطن العربي الذي خرج من السجن وعرف ماله وما عليه، لا يمكن إرجاعه للسجن مرة أخرى، وقد كان الأولى بمجلس وزراء الإعلام العرب أن يجتمع ويتناقش ليضع وثيقة للنهوض بالإعلام الرسمي والحكومي، ليكون قادراً على منافسة الإعلام المستقل بدلا من فرض مزيد من القيود عليه”، معتبرة أن هذه الوثيقة “أكبر دليل على فشل الإعلام الرسمي في مجاراة تطور الإعلام الفضائي المستقل”.

“رأس المال جبان”

د. جودة عبد الخالق، يتفق مع كل من الزيني والعالم وظهران في مخاوفهم، ويضيف: “كان على الوزراء العرب أن يتشاوروا مع المختصين والمسؤولين عن صناعة الإعلام في العالم العربي، قبل أن يعجلوا بإصدار مثل هذه الوثيقة”، ويقول: “لأن الحكومات العربية لا تعتمد الديمقراطية الحقيقية ولا تستخدم الشفافية ولا حرية التعبير، فإنني أتوقع أن تكون النزعة وراء هذه الوثيقة هي التقييد والتكبيل للفضائيات العربية المستقلة”.

ويصل عبد الخالق إلى القول بأن “هذه الخطوة بالتأكيد ستكون لها آثار سلبية على الاستثمار؛ لأن الاستثمار يحتاج إلى بيئة مستقرة، سياسيا واجتماعيا، والاتجاه إلى تقييد حرية الإعلام يتعارض مع هذا الاتجاه”، مشيرا إلى أنه “لن يستثنى من ذلك سوى الاستثمارات الحكومية التي تضخ لإنتاج “إعلام غسيل المخ”.

ويرى عبد الخالق في تصريحات خاصة لسويس إنفو أن “الحافز للاستثمار في مجال الإعلام المستقل عموما وفي مجال الفضائيات على وجه الخصوص، سيقل بشكل ملحوظ، لأن تقييد الإعلام يقلل من فرص واحتمالات الحكم الجيد القائم على الممارسة الديمقراطية، وبالتالي، فإنه يقلل من درجة الشفافية، وهذه الأمور طاردة للاستثمار”.

ويستدرك عبد الخالق قائلاً: “للأمانة المهنية، فإنني أقول عندما يسيطر رأس المال على الإعلام تحدث مشكلة كبيرة، لكن الحل ليس في رقابة الحكومات، ولكن في رقابة المجتمع، لأن الحكومات عندما تتدخل بحجة الرقابة، ينتهي الأمر بهيمنتها على وسائل الإعلام وإخضاعها لسيطرتها، ومن ثم ينتج إعلام حكومي رسمي لا يتبنى القضايا الحقيقية ويكون كل همه بقاء الأنظمة لأطول فترة ممكنة”.

ويضرب عبد الخالق مثالاً بالإعلام المستقل والمحترم في الكثير من بلدان أوروبا، مثل هيئة الإذاعة البريطانية وهيئة الإذاعة السويسرية فيقول: “هذه هيئات إعلامية مستقلة تحصل على ميزانياتها من اعتمادات البرلمان، بعيدا عن الحكومة، ومن ثم فهي تقدم إعلاما حرا راقيا لا يخضع لضغوط الحكومات، وإنما لضوابط ومواثيق الشرف الإعلامية فقط”.

ويضيف: “أما الإعلام الرسمي العربي، فهو مملوك للدولة، ومن ثم فهو إعلام منحاز من حيث المبدأ، ولا يتحلى بالشفافية ولا الاستقلال، ومع هذا، فإنني لا أوافق على مقولة أن الاستثمار في مجال الإعلام يكون دائماً مفيداً”.

ويختتم عبد الخالق قائلاً: “نعم هناك أخطاء يقع فيها الإعلام المستقل، مثل المبالغة عند تناوله بعض القضايا ومثل إصراره على تناول السلبيات فقط وتركيزه على انتقاد دول وأنظمة دون أخرى، بحسب توجه صاحب رأس المال، وأيضا الابتعاد نهائيا عن انتقاد النظام الذي ينتمي إليه صاخب رأس المال أو الدولة التي تقع القناة على أراضيها، وغير ذلك كثير، لكن، لابد أيضا أن نعترف بأن الإعلام الخاص والمستقل قد فتح آفاقا لتثقيف الرأي العام ما كان للإعلام الرسمي أن يفعلها أبدا، وأن تقييد الإعلام لا يساهم في ضخ الاستثمارات”.

همام سرحان – القاهرة

تتضمن الوثيقة التي تحمل عنوان “المبادئ والأطر المقترحة لتنظيم البث والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني عبر الفضاء في المنطقة العربية”، مبادئ للبرامج السياسية، ومنها منع ما تسميه بالتحريض على فساد الأخلاق والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي.

كما تؤكد على ضرورة الالتزام بالموضوعية والأمانة واحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية وعدم تناول مادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح.

وتدعو الوثيقة أيضاً إلى ضرورة الامتناع عن بث كل ما يُـسيئ إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة بكل فئة.

وتحض الوثيقة على الالتزام باحترام مبدإ السيادة الوطنية لكل دولة على أرضها، بما يتيح لكل دولة الحق في فرض ما تراه من قوانين ولوائح أكثر تفصيلا، والالتزام بمبدإ ولاية دولة المنشأ من دون إخلال بحق أي شيء أو كيان في اللجوء إلى أجهزة تلقي الشكاوى وتسوية المنازعات التي تنظمها هذه الوثيقة.

ووفقا للوثيقة، فإن على هيئات البث ومقدمي خدمات البث الالتزام بتطبيق المعايير والضوابط المتعلقة بالعمل العربي، وهي احترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر في كامل أشكال ومحتويات البرامج والخدمات المعروضة.

وتؤكد على المحطات التلفزيونية بضرورة صون الهوية العربية من التأثيرات السلبية للعولمة والالتزام بالصدق والدقة فيما يبثه الإعلام من بيانات ومعلومات وأخبار، واستيفائها من مصادرها الأساسية السليمة.

وتشير الوثيقة إلى أهمية احترام ما تسميه بخصوصية الأفراد والامتناع عن انتهاكها بأي صورة، والامتناع عن بث كل أشكال التحريض على العنف والإرهاب مع التفريق بينه وبين مقاومة الاحتلال، والامتناع عن وصف الجرائم بكل أشكالها وصورها بطريقة تغري بارتكابها أو تنطوي على إضفاء البطولة على الجريمة ومرتكبيها أو تبرير دوافعها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية