مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب عازم على فرض خطته لحل النزاع في الصحراء الغربية

رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش (يمين) ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اجتماع في الرباط في 29 آذار/مارس 2022 afp_tickers

يبدي المغرب عزما قويا على إنهاء النزاع طويل الأمد حول الصحراء الغربية لصالحه، بعدما تقوى موقفه بدعم الولايات المتحدة، فضلا عن ألمانيا وإسبانيا مؤخرا، ولو اقتضى منه ذلك الدخول في أزمات مع حلفائه، بحسب محللين.

يوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط تاج الدين الحسيني أن “قضية الصحراء تحظى بالإجماع لدى كافة مكونات المجتمع المغربي، وهي الأولوية المطلقة لكل مغربي”.

يعتبر المغرب المستعمرة الاسبانية السابقة جزءا لا يتجزأ تاريخيا من أرضه، وهي “حقيقة ثابتة لا نقاش فيها (…) لم تكن يوما، ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات”، كما أكد الملك محمد السادس في خطاب 6 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي يوافق ذكرى “استرجاع” المنطقة المتنازع عليها من إسبانيا.

لكن جبهة بوليساريو تطالب منذ ذلك التاريخ باستقلال الإقليم الصحراوي الشاسع، الذي تعتبره الأمم المتحدة “غير متمتع باستقلال ذاتي”، بدعم من الجارة الجزائر. وخاضت حربا مع المغرب حتى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في 1991، قبل أن تقرر إنهاء العمل به منذ أواخر العام 2020.

من جهته كثف المغرب في السنوات الأخيرة مساعيه لكسب التأييد لمقترحه بحل النزاع، من خلال منح الإقليم حكما ذاتيا تحت سيادته. وتظل هذه القضية “المبتدأ والمنتهى للدبلوماسية المغربية”، كما يؤكد المؤرخ الفرنسي المتخصص في الشؤون المغاربية بيار فيرموران.

أثمرت هذه المساعي مؤخرا إعلان كل من ألمانيا وإسبانيا تأييد المقترح المغربي العائد للعام 2007، وتعتبره الرباط الحل الوحيد لهذا “الخلاف”. وهما الإعلانان اللذان أنهيا أزمتين دبلوماسيتين بين الرباط وهذين البلدين.

بعدما ظلت على الحياد لعقود، باتت إسبانيا تعتبر الخطة المغربية، “بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”.

ودافع رئيس حكومتها بيدرو سانشيز عن هذا المنعطف في سياسة بلاده إزاء النزاع، باعتباره ضروريا من أجل علاقة “أكثر صلابة” مع المغرب، الذي يعد شريكا تجاريا رئيسيا للجارة الإيبيرية، وحليفا “استراتيجيا” في مكافحة الهجرة غير النظامية.

وسيقوم سانشيز بزيارة رسمية للمغرب “في موعد وشيك جدا” بدعوة من الملك محمد السادس، وفق ما أعلن بيان للديوان الملكي الخميس. وذلك بعدما ألغيت الزيارة التي كان مرتقبا أن يجريها وزير خارجيته خوسيه مانويل ألباريس الجمعة إلى الرباط.

جاء الموقف الاسباني الجديد من ملف الصحراء الغربية بعد أزمة دبلوماسية حادة، بسبب استضافة اسبانيا زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي للعلاج قبل نحو عام.

واعتبر المغرب تغير الموقف الإسباني “إنجازا دبلوماسيا”.

يرى أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة المستقلة لمدريد بيرنابي لوبيز “من دون شك أن هذا انتصار للمغرب على المدى القصير”، مستدركا “لكن من الصعب معرفة ما إذا كان تغير الموقف الاسباني سيكون له أثر ملموس”.

ويضيف “يجب أن ننتظر لنرى هل سيكون هناك توافق جيد في المستقبل بين الرباط ومدريد، وهل سيساعد ذلك بلدانا أخرى على تبني” نفس الموقف.

-“ميزان قوى”-

منذ اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية أواخر 2020 مقابل استئناف الرباط علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل، بدأت المملكة تضغط على المجتمع الدولي لحمله على أن يحذو حذو واشنطن.

جدد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عقب استقبال نظيره الأميركي أنتوتي بلينكن الثلاثاء بالرباط، دعوة أوروبا إلى الانتقال من مجرد “دعم مسلسل” سياسي لحل النزاع إلى تأييد مخطط الحكم الذاتي، الذي تعتبره الرباط الحل الوحيد، ضاربا المثل بإسبانيا.

كما سبق للملك محمد السادس أن نبه “أصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة”، بأن المغرب “لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية لا تشمل الصحراء المغربية”.

وتعتبر المحللة السياسية خديجة محسن فنان أن هذا “الاندفاع المغربي يتم في وقت تتركز فيه أنظار العالم حول أوكرانيا”.

وترى أنه يأتي أيضا “نتيجة لمسلسل طويل سعى فيه المغرب إلى أن يصبح عنصرا ضروريا بالنسبة للغرب، في قضايا مثل الهجرة والأمن ومكافحة الإسلاموية” المتطرفة.

بموازاة ذلك تبدو الجزائر، الحليف الرئيسي لجبهة البوليساريو، معزولة بحسب خبراء. بينما تبذل الأمم المتحدة مساعي صعبة لإحياء المفاوضات بين أطراف النزاع، المتوقفة منذ 2019، من أجل التوصل إلى “حل سياسي”.

من جهته يرى فيرمران أن “المغاربة استخلصوا جيدا دروس الوضع الجيوسياسي الحالي، فموازين القوة باتت هي المعيار على حساب القانون الدولي”.

ويبدو موقف المغرب إزاء الأزمة الأوكرانية مؤشرا واضحا على عزمه التخلص من أية وصاية للدفاع عن مصالحه، حيث لم يشارك في التصويت على قرارين للأمم المتحدة يدينان الغزو الروسي لأوكرانيا، متجنبا بذلك الانحياز لأي من طرفي الأزمة.

بينما أشادت تعليقات صحف مغربية بهذا الحياد “الحكيم”، رأى محللون أنه يدل على رغبة الرباط عدم استعداء روسيا العضو دائم العضوية في مجلس الأمن، الذي يتولى النظر في نزاع الصحراء الغربية.

لكن موقف الرباط أثار “إحباطا شديدا” لدى شركائها الغربيين، وفق مصدر دبلوماسي غربي “بالنظر إلى خطورة الاعتداء الروسي، وكذا التحالفات التقليدية مع البلدان الغربية، التي فضل المغرب بدلها التقارب مع روسيا”.

في رد فعل الخميس أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استدعاء سفيرة بلاده في المغرب أوكسانا فاسييفا، معتبرا أنها “لم تكن فعالة” بما يكفي بل “كانت تضيع وقتها” في الرباط.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية