مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المُصابات بسرطان الثدي في كينيا.. خوف ووصم ونبذ

لوسيا سيوكو
لوسيا مصابة بسرطان خبيث يُسمّى سرطان الثدي الإيجابي HER2. وتكافح لتحصل على تراستوزوماب؛ علاج تبيعه روش باسم هيرسيبتين ظلَّ على مدى سنوات متاحاً في البلدان الغنية. Trent Kamau

كانت لوسيا سيوكاو مولي في السابعة والعشرين من عمرها عندما اكتشفت أنها مُصابة بسرطان الثدي، لكنَّ لا أحد من قريتها علَّق على صدره شريطاً وردياً تعاطفاً معها. ففي مسقط رأسها في جنوب شرق كينيا، لا تهرع أيادي الخير والمساعدة إلى المُصابين بالسرطان، بل يطاردهم الخوف والوجس وتتربّص بهم عيون الرفض.

أمام الباب الأرجواني لعيادة أمراض السرطان في مقاطعة ماكويني، وعلى بُعد حوالي ثلاث ساعات بالسيارة من نيروبي، تحدّثت SWI swissinfo.ch مع لوسيا، الأم العزباء لطفلة عمرها خمس سنوات، فقالت: “يظنُّ الناس أنه حتّى لو قدّموا لك العلاج، فإنك على أيِّ حال لن تعيش طويلاً، لذا يُديرون لك ظهورهم ويتجاهلونك ويوكلوك إلى نفسك… شعرت أنني كنت أسير وحيدة في هذه الرحلة”.

هذه مقالة من سلسلة مقالات تُغطِّي ما يُواجه الحكومات والمستشفيات والمرضى من معضلات تتعلَّق بالقدرة على تحمل تكاليف العلاجات الجديدة لأمراض السرطان والأمراض الوراثية الأخرى المهددة للحياة. 

بدت لوسيا أنيقة وواثقة، كانت ترتدي سُترة بيضاء ناصعة وتضع على عينيها نظارات شمسية شفافة وملونة. ولم يكشف مظهرها الخارجي الهادئ عن صراع عاشته، ولا تزال، منذ أن شكَّ الأطباء في كتلة في ثديها الأيمن أثناء فحص السرطان. وتأكَّد بعد اختبارات لاحقة أنها مُصابة بسرطان الثدي، ولكنَّ هذه لم تكن الصدمة الكبرى، فالسرطان الذي أصابها خبيث وعدوانيٌّ، ويُعرَف بسرطان الثدي الإيجابي HER2.

“تدمّرتُ، حتى أنني وددت لو أصفع الطبيب. لم أقدر على تصديق الخبر”.  هذه كلمات لوسيا التي لم تلتقٍ أبداً شخصاً مصاباً بالسرطان، وتحمَّلت على مدى العامين الماضيين الإجهاد البدني والعاطفي الذي تُسبِّبه دورات العلاج الكيميائي، وشهر من العلاج الإشعاعي، والاستئصال المؤلم للثدي.

وبحجم الصدمة كان الضغط المالي الذي لا يزال يُلقي عليها بثِقله كصخرة جاثمة على صدرها. لقد تكفَّل الصندوق الوطني للتأمين الصحي، الذي اشتركت به لقاء مساهمة شهرية قدرها 500 شيلينغ (4.50 دولار)، بتسديد القسم الأكبر من تكاليف العلاج. ومع ذلك، اضطرت إلى بيع أريكتها العزيزة على قلبها ذات المقاعد الثلاثة وأشياء أخرى كانت تقتنيها، كي تدفع تكاليف الاختبارات التشخيصية التي لا يتكفّل بها التأمين، وأجرة السكن الجديد في العاصمة نيروبي التي أقامت فيها شهراً، أي المدة التي استغرقها العلاج.

ليس هذا أسوأ ما مرَّت به لوسيا، فالأصعب من ذلك بدأ عندما وصف لها جافين أورانجي، الصيدلي المتخصّص في علم الأورام ومدير العيادة، عقاراً يستهدف الخلايا السرطانية يسمى “تراستوزوماب”، وهو جسم مضاد وحيد النسيلة أطلقته شركة روش السويسرية في عام 1998 باسم “هيرسيبتين”، وحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في العام نفسه. فالأجسام المضادة في هذا العقار تُهاجم البروتين مستقبل عامل نمو البشرة (HER2) الذي يرسل إشارات تحثُّ الخلايا السرطانية على النمو والتكاثر.

إلّا أن التأمين لا يغطّي من تكاليف الحقن الوريدية الشهرية سوى أربعة من أصل 18 حقنة يوصي بها الأطباء، وتكلِّف الواحدة منها حوالي 70000  إلى 120000شيلينغ (600 إلى 1100 دولار)، أي ما يقرب ثلاثة أضعاف ما تجنيه لوسيا في الشهر من بيع الملابس المستعملة، هذا إذا كان شهراً موفقا. ومع أن دخلها أعلى من متوسط الدخل في بلدة ماكويني، حيث يعيش 30% من الناس تحت خط الفقر الوطنيرابط خارجي الذي يبلغ  حوالي 50 فرنك سويسري في الشهر، إلا أن تكاليف العلاج تتجاوز دخلها بكثير. لذلك، انْبرَت في القيام بمحاولات يائسة للبحث عن طرق لدفع تكاليف 14 حقنة لا يتكفَّل بها التأمين الصحي.

حالة لوسيا ليست نادرة في كينيا، بل شائعة جداً. فكينيا تعاني من ارتفاع سريع في حالات سرطان الثدي لأسبابٍ منها الوراثيةرابط خارجي، ومنها ما يرتبط بالتغيُّر في نمط الحياة، وبعضها يُعزى إلى تطوِّر إمكانيات تشخيص أمراض السرطان، بعد أن ظلَّ التركيز لسنوات مُنصبَّاً على فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض المُعدية الأخرى. واليوم، وبعد خمسة وعشرين عاماً ظلَّت فيها عقاقير مثل تراستوزوماب تُطيل أعمار المصابات بسرطان الثدي في البلدان الغنية، تبقى المصابات بالسرطان في كينيا يُكابدن للحصول عليها.

محتويات خارجية

ووفقاً للأطباء، فإن سرطان الثدي هو الآن السرطان الأكثر شيوعاً في كينيا، حيث تُشخَّص حوالي 7000 حالة جديدة سنوياً، وقد يكون هناك المزيد، فالنساء لا يُجرين فحص سرطان الثدي إلا نادرا، ولا يوجد سوى عدد قليل من السجلات التي تُحصي حالات الاصابة بالسرطان بدِّقة. وفي الوقت الذي زادت فيه فرص المصابات بسرطان الثدي في البلدان الغنية في العيش لمدَّة أطول، لا يزال يُنظر إلى سرطان الثدي في كينيا على أنه حكم بالإعدام.

بصيص الأمل الأخير

في صباح كل خميس، تُحشر حوالي 100 مريضة على مقاعد خشبية، قبل أن تفتح أبوابَها عيادةُ سرطان الثدي في مركز شانداريا للسرطان في مدينة إلدوريه، الواقعة على بُعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب نيروبي. حيث تصطَّف النساء في طوابير لساعات، وأحياناً يبتن الليلة، لزيارة فريق من الاستشاريين المتخصصين في أمراض السرطان في المركز التابع لمستشفى موي للتعليم والإحالة، وهو واحد من أكبر المستشفيات في البلاد. وصُممت العيادة، التي أُنشئت في سبتمبر 2021 بدعم من مبادرة أمباث (Ampath)، رابط خارجيوهي شراكة مع عدد من الجامعات الأمريكية، لاستيعاب 40 مريضة، لكنها تعجّ بالمريضات اللائي أعياهن الوجع.

وغالبية النساء اللائي يراجعن المركز لأول مرّة، استفحل في أجسادهن السرطان لدرجة أن الورم قد اخترق الجلد وخرج منه جرحاً واضحاً. وفي كثير من الحالات، تغلغل المرض في العظام أو الرئتين أو العمود الفقري، وجعل من المشي مشقَّة.

لما اخترنا تغطية هذا الموضوع؟

شهد العلم ابتكارات استثنائية في علاج السرطان والأمراض الوراثية الأخرى التي تعزز فرص البقاء على قيد الحياة وكذلك جودة الحياة لكثير من الناس. ومع ذلك، فإن هذه الأدوية ليست مُتاحة بنفس القدر في معظم أنحاء العالم. من خلال هذه التغطية، أردنا أن نفهم لماذا تُسجّل هذه الندرة في بلدان دون غيرها، وما هي التدابير المتخذة لضمان حصول كل شخص على علاج من المحتمل جدا أن يكون سببا في إنقاذ حياته.

البحث عن المصادر الموثوقة

في جميع تقاريرنا، نحن حريصون على التزام التوازن والموضوعية. وهذا يعني أنه يتم النظر في جميع الحقائق والمواقف ذات الصلة عند اختيار المصادر لتحليل موضوع ما. في هذه الحالة، تواصلنا مع المنظمات الصحية العالمية التي لديها مشاريع في كينيا من أجل الوصول إلى الخبراء الذين تحدثنا إليهم، كما تواصلنا مع أكبر شركات الأدوية في بازل وكينيا، وعملنا مع صحفي محلي لتحديد المسؤولين الحكوميين والمستشفيات ومنظمات المرضى المؤثرة في النقاش، وأفسحنا المجال للمرضى لمشاركة تجاربهم. وسافرنا إلى كينيا للحصول على روايات مباشرة عن الموضوع، ولإبداء ملاحظاتنا الخاصة حول القضايا المطروحة.

إذا كنت ترغب في معرف المزيد حول طرق عملنا، يمكنك النقر على هذا الرابط.

ابق على تواصل

إذا كان لديك أي سؤال بخصوص هذا الموضوع ترغب في الحصول على إجابة له، أو بدء مناقشة معنا ومع القراء الآخرين، يمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني التالي: arabic@swissinfo.ch

وأخبرتنا لوسي نجالا وابيندي، التي تدرس الماجستير في الصحة العالمية وتُنسّق عمل العيادة، إنه “نادراً ما يُراجعنا مريض بورم صغير”، وقالت إنَّ أحد الأسباب هو أن “الكثير من الناس لا يعرفون الأعراض فيتجاهلون المرض، أو تدفعهم معتقداتهم الدينية أو الاجتماعية إلى اللجوء إلى مداوٍ بالأعشاب”. والوضع أسوأ بكثير لغالبية النساء، لأنهن يتَّكِلن على أزواجهن في المال أو حتَّى في الذهاب إلى المستشفى. وكلُّ هذه أسباب تؤخّر في معرفة التشخيص الصحيح.

والأشدُّ وطأة هو أن العديد من المريضات مصاباتٍ بنوع عدوانيٍّ من سرطان الثدي. وتُقدِّر وابيندي أن نحو 30% من المريضات اللائي يراجعن العيادة مصابات بسرطان الثدي HER2 – أي أنَّ لديهم مستويات تفوق المستوى الطبيعي من بروتين HER2 – مقارنة بحوالي 20% من إجمالي حالات سرطان الثدي في العالم. وأنَّ 95% من المصابات بسرطان الثدي HER2 اللائي يُراجعن العيادة وصل السرطان في أجسادهن مرحلته الرابعة الأخيرة، أي أنَّ المرض انتشر في أجزاء أخرى من الجسم.

محتويات خارجية

وعندما يبلغ سرطان الثدي HER2 مرحلته الرابعة، فلا يبقى أمام المصابات سوى منافذ أمل محدودة، وتراستوزوماب هو واحد منها. إذ كشفت دراسات مُتفرقةرابط خارجي أن تراستوزوماب، إذا ترافق مع العلاج الكيميائي، يُساعد على إطالة العمر خمس سنوات أو أكثر في العديد من حالات سرطان الثدي مستعصية العلاج.

ويقول بنيامين أندرسون، الجرَّاح المُتخصص في جراحات سرطان الثدي والقائم بأعمال المبادرة العالمية لخفض وفيات سرطان الثدي لدى منظمة الصحة العالمية، إنه “قبل اكتشاف تراستوزوماب، كان السرطان الإيجابي HER2 نذير سوء محض، لقد بدَّل تراستوزوماب الحال تماماً، ومكَّن من الحصول على نتائج كان يُعتقد في الماضي أنها من المستحيلات”.

وكان تراستوزوماب واحداً من أوائل علاجات السرطان الموجَّهة للعامل المُحفِّز لنمو الورم التي تُدرج على قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية في عام 2015، ما يشير إلى أنه عقار ضروري لتلبية الاحتياجات الأساسية في أي منظومة للرعاية الصحية. ومع أن العقد الماضي شهِد إطلاق أدوية أحدث، ظلًّ تراستوزوماب العلاج الأساسي لمعظم حالات سرطان الثدي الإيجابي HER2 في جميع أرجاء العالم.

الانتظار الطويل

وتحدّثنا إلى نيكولا أبينيا، وهو طبيب أورام في مستشفى نيروبي عالج مرضى السرطان لأكثر من ثلاثين عاماً، فأخبرنا أن الدواء عندما طُرح في الأسواق للمرَّة الأولى “لم يكُن في متناول أحد” بسبب ارتفاع سعره. واليوم، وبعد مضي بضع سنوات على انتهاء صلاحية براءة اختراع هيرسيبتين، طُرح في السوق عدد قليل من الأدوية البديلة بتركيبة حيوية مشابهة مُعتمدة من إدارة الغذاء والدواء، لكنّ أسعارها ظلّت مرتفعة. ففي موي الواقعة غرب كينيا، تبلغ تكلفة تراستوزومابرابط خارجي تسعة أضعاف متوسط دخل الأسرة.

ووفقاً لماكس كلاين، الذي يعمل في بوكو فارما كامبين (BUKO Pharma-Kampagne) وهي منظمة ألمانية غير حكومية تعمل من أجل تيسير فرص الحصول على أدوية السرطان، فإن غياب المنافسة هو أحد أسباب استمرار ارتفاع أسعار الأدوية البديلة ذات التركيبة الحيوية المشابهة، فمصنِّعو هذه الأدوية يسعون أيضاً إلى تحقيق أرباح طائلة ويستهدفون المرضى من الطبقتين العليا والناشئة في بلدان مثل كينيا.

ويرى بعض الأطباء الذين قابلتهم SWI swissinfo.ch أنَّ الأدوية البديلة، التي يأتي معطمها من الهند، ليست بجودة الدواء الأصلي كما أن إمداداتها ليست منتظمة. وقالت الطبيبة إيرين ويرو، التي ترأس قسم المنتجات الصيدلانية في مستشفى كينيا الوطني، إن المستشفيات لم تشتر أدوية تراستوزوماب ذات التركيبة الحيوية المشابهة للدواء الأصلي بسبب مخاوف تتعلق بالجودة.

يُضاف إلى ذلك أن حوالي 70٪ من الكينيين غير مشمولين بأيّ تأمين. لذلك، فإن مجرَّد بدء العلاج هو أمر لم تسع إليه العديد من المصابات بسرطان الثدي لعجزهن عن تحمُّل تكاليفه. وهناك نساء مثل لوسيا، يُكملن فقط الدورات العلاجية التي يغطيها التأمين، بحسب اشتراك كل واحدة منهن. وفي دراسةرابط خارجي إحصائية أجرتها وابيندي، بالتعاون مع زميلات وزملاء لها في العيادة، تبيَّن أن 33٪ فقط من المصابات بسرطان الثدي الإيجابي HER2 أكملن جميع دورات العلاج بتراستوزوماب الثمانية عشر في عام 2020. وأن نصفهنّ فقط التزمن بالجدول الزمني الموصى به لأخذ الجرعات.

وفي حديث أجرته SWI swissinfo.ch مع نافتالي بوساكالا، الطبيب الذي قاد جهود إنشاء مركز السرطان في موي قبل عقد من الزمن، قال: “إن المرضى ينقطعون عن مراجعتنا بمجرد استنفاد الدورات العلاجية التي يُغطيها التأمين. وتُظهر نتائج دراسات نمذجة تطوّر المرض، أن غالبية هؤلاء المرضى لا يعيشون طويلاً”. وأضاف أن الكثيرين يلجؤون إلى جمع التبرعات، أو يسألون المال من الأصدقاء والعائلة، في محاولات لا تضمن تأمين تكاليف العلاج على نحو مُستدام.

ويرى الأطباء أن تكاليف العلاج الباهظة جعلت الناس في كينيا ينظرون إلى السرطان باعتباره أسرع طريقة للفقر، وهي السبب وراء ما يواجه المرضى من وصم ورفض من أفراد مجتمعاتهم.

المزيد
الدواء
طفل جالس ينظر إلى طبيب يقوم بفحصه

المزيد

علاجات باهظة التكلفة لأمراض السرطان لكنها غير مُتاحة للجميع

تم نشر هذا المحتوى على تقترب شركات صنع الأدوية من ابتكار علاج ناجع للسرطان، لكن الأسعار المرتفعة جدا قد تجعله بعيدا عن متناول الأغلبية الساحقة من المُصابين في العالم.

طالع المزيدعلاجات باهظة التكلفة لأمراض السرطان لكنها غير مُتاحة للجميع

وصادف في شهر يونيو 2022، أي حينما كان فريق SWI swissinfo.ch متواجدا في كينيا، أن وقَّعت روش اتفاقاً مدته خمس سنوات مع وزارة الصحة الكينية تضمن بموجبه تأمين عقار هيرسيبتين (تراستوزوماب) بسعرٍ يجعل الصندوق الوطني للتأمين الصحي قادراً على تغطية تكاليف جميع دورات العلاج الثمانية عشر، بحسب إفادة الصندوق. ولم تكشف روش ولا وزارة الصحة عن هذا السعر، لكنَّ الأطباء أشاروا إلى أنه أقل من 60 ألف شيلينغ كيني (500 فرنك سويسري)، أي أقل قليلاً من سعر السوق.

لوسيا
فقدت لوسيا كل شعرها بعد العلاج الكيميائي. Lucia Muli

وأوضح الأطباء أن الاتفاق يتعلق بتركيبة تُحقن تحت الجلد في خمس دقائق بدلاً من الحقن الوريدي البطيء على مدى أربع إلى خمس ساعات، ما يوفِّر الوقت والمال. ومرّة أخرى، تغيب المنافسة، فما من شركات أخرى تُصنِّع تركبية مماثلة حيوياً بسعر مُنافس. ومع هذا وبعد مرور أربعة أشهر على إعلان الاتفاق، لا تزال المحادثات حول كيفية تنفيذه جارية.

قرارات مصيرية

يقول أندرسون من منظمة الصحة العالمية إن كينيا ليس البلد الوحيد الذي يُعاني من هذا الوضع، وأن “العجز عن إكمال العلاج بسبب التكلفة هو أكثر المشاكل شيوعاً في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وأولئك الذين يبدأون العلاج ولا يكملونه عادةً ما يذوقون الأمرَّيْن: فهم يُعانون من الآثار الجانبية ولا يحصلون على الفائدة السريرية”.

ولذلك، يرزح الأطباء تحت عبء مؤلم لاتخاذ قرارات تكون نتيجتها الحياة أو الموت: فهم يعرفون أن هناك علاجاً يمثل طوق النجاة، ولكنهم يدركون أيضاً أن دفع تكاليفه سيترك المريض غارقاً في الفقر.

وعن هذا تقول جاكلين ماجوما ماكوكا، اختصاصية الأورام في مستشفى في غرب كينيا: “عندما يدفع التأمين أربع دوراتٍ علاجية فقط، ماذا يُفترض أن تفعل؟ إنها معضلة أخلاقية، وتتفطر قلوبنا كأطباء”.

ومع أن بعض العيادات، مثل عيادة ماكويني، استفادت من خصم على سعر هيرسيبتين الأصلي بعد التفاوض مع روش والمعهد الدولي للسرطان، وهي منظمة كينية غير ربحية لأبحاث السرطان، إلّا أن المشكلة لا تزال قائمة، فبعد استنفاد حدِّ المنفعة الأقصى من التغطية التأمينية، يبقى المرضى أنفسهم المسؤولين عن دفع ثمن الدواء.

وبحثاً عن مخرج، يجوب جافين أورانجي، الطبيب المُعالِج للوسيا، البلاد في سعيه لإبرام صفقات خاصة مع شركات الأدوية التي تقدم أنواعاً أرخص من الأدوية، ويقول: “إنها وظيفتي، من صلاحيِّاتي أن أضمن توفير هذا الدواء للمرضى الذين أعودهم”. ويضيف أورانجي أن السعر المرتفع يخلق مشاكل في توفّر الدواء، لأن العيادات الصغيرة، مثل تلك الموجودة في ماكويني، ميزانياتها محدودة وتشتري عقاقير تكفي فقط لبضع دوراتٍ علاجية في الطلب الواحد، إلى أن يعوِّضها التأمين أو المرضى.

ماكيوني
افتتح مستشفى مقاطعة ماكوينى عيادة للسرطان بدعم من شركة روش قبل عامين. عالج الدكتور جافين أورانجي، الذي يدير العيادة، أكثر من 300 مريض ومريضة في العامين الماضيين. Trent Kamau

وفي محاولة مُستمية، تمكَّنت لوسيا من إقناع صديق لها بالتظاهر بأنها زوجته لتأمين أربع دورات علاجية أخرى من هيرسيبتين (تراستوزوماب). وظلَّت بعدها تنتظر لأشهر موعد الدورة التأمينية التالية، التي بدأت في أغسطس. وبعد دورتين من العلاج، قيل لها إن الدواء نفذ من عيادة ماكويني وأن عليها تأجيل موعد الحقنة الوريدية القادمة. ومع أن لوسيا تبدو على ما يرام، إلا أنها لا تعرف ما هو تأثير فترات انقطاع العلاج على النتائج النهائية.

ومع أن لوسيا ليست متيَّقنة من نتائج علاجها، إلا إنها تُثابر لتغيير الاعتقاد الشائع بأن السرطان هو حكم بالإعدام. وهي واحدة من مؤسسي ومؤسسات مجموعة للدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص الذين تصفهم بأنهم “محاربو السرطان” في مجتمعها. وقالت مُتفائلةً لفريق SWI swissinfo.ch: “في البداية، كان السرطان داءً لا دواء له. واليوم، يُمكننا القول أن هناك أدوية، وبأن الناس يعالجون وينعمون بصحة جيدة. إنها  حقيقة، والسرطان قابل للشفاء”.

منذ أن طرحت شركة روش لصناعة الأدوية عقار هيربسيتين في عام 1988، وجدل واسع يدور حول سعره. فقد احتكرت الشركة السويسرية تركيبته وفرضت سعرها لسنوات، وأصبح هيربيستين (تراستوزوماب) واحدا من بين ثلاثة أدوية تدرُّ أكبر الإيرادات في روش، إذ حقق إيرادات سنوية قاربت 6 مليارات من الفرنكات لعدة سنوات متتالية.

وشنَّت جنوب أفريقيا والهند معركة طويلة على روش على أمل أن تُخفِّض السعر وتسمح للمنافسين بدخول السوق. ومع أن روش طرحت أشكالاً دوائية أقلَّ سعراً في تلك البلدان، إلا أن تكلفتها لا تزال تتجاوز القدرة المالية لعامة السكان.

في فبراير 2022، أوصت لجنة المنافسةرابط خارجي في جنوب أفريقيا بمقاضاة الشركة “لمزاعم المغالاة في السعر”، بحجة أن السعر الذي فرضته روش كان “انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية” لأنها حرمت النساء المُصابات بسرطانرابط خارجي الثدي من الحصول على أدوية منقذة للحياة. أمّا روش، فقد صرّحت لوسائل إعلام مختلفة إنها تحاول أن تضمن إتاحة أدويتها على أوسع نطاق ممكن.

ومنذ انتهاء صلاحية براءة اختراع الدواء في أوروبا في عام 2014 وفي الولايات المتحدة في عام 2019، ظهرت في السوق عقاقير ذات تركيبة حيوية مشابهة لهيربسيتين، لكن المشاكل لا تزال قائمة. فعلى عكس الأدوية الجنيسة، فإن المتشابهات الحيوية هي نسخ من الأدوية الحيوية تنطوي على عمليات إنتاجية أكثر تعقيداً، ويجب أن تخضع لاختبارات جودة صارمة قبل أن تعتمدها الهيئات الرقابية الأمريكية والأوروبية. ومن المشاكل الأخرى، مشكلة توفُّر أجهزة فحص وتشخيص سرطان الثدي الإيجابي HER2 وتكلفتها.

وعندما حدَّثت منظمة الصحة العالمية قائمة الأدوية الأساسية في العام الماضيرابط خارجي، ارتأت عدم إدراج الأدوية الجديدة التي تستهدف البروتين مستقبل عامل نمو البشرة (HER2) لأن “الحصول على تراستوزوماب [الأجسام المضادة وحيدة النسيلة] والقدرة على تحمل تكاليفه، تبقى (حتّى تاريخه) محدودة للغاية في المجتمعات محدودة الموارد”.

شاركت في التغطية: ميرسي موروغي، وهي منتجة أفلام من كينيا. معالجة الصور: هيلين جيمس

تحرير: نيريس أفيري

ترجمة: ريم حسونة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية