مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

القطاع العام السويسري يُظهر فسادًا وهشاشة تجاه مجموعات الضغط

رجل يُمسك بساتر من القماش على رصيف تقف فوقه سيارة سوداء
على مدى مدى السنوات السبع المااضية، تراجع ترتيب سويسرا في مؤشر مدركات الفساد الذي تنجزه سنويا منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية. (في الصورة: عملية القبض على مسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في زيورخ في عام 2015). Pascal Mora/Keystone

للعام الثاني على التوالي، احتلت سويسرا المرتبة السابعة عالميا في مؤشر مُدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، لكن مجموع النقاط التي تحصلت عليها هذه المرة يُعتبر أدنى مستوى تاريخي للبلاد. في الأثناء، تبرز المحسوبية والضغط السياسي الغامض كبؤر توتر في القطاع العام، وفقًا للفرع السويسري لهذه المنظمة غير الحكومية الدولية.

في تصريحات لـ SWI swissinfo.ch، قال مارتن هيلتي، مدير الفرع السويسري لمنظمة الشفافية الدولية: “بالمقارنة مع بلدان أخرى، فإن أداء سويسرا جيّد”، وأضاف “إنها مصنفة ضمن الدول العشر الأولى. هذا خبر سار. لكن من المهم جدًا وضع هذه النتيجة في سياقها. فلدينا مشاكل فساد خاصة بنا في سويسرا”.

يقيس مؤشر مُدركات الفساد رابط خارجيالمستويات المُتصوّرة لفساد القطاع العام حول العالم. وفي هذا الصدد، أشارت المنظمة غير الحكومية الدولية إلى أن سويسرا من بين الدول الأوروبية التي سجلت درجات منخفضة تاريخيا على مقياس يتراوح بين صفر (شديد الفساد) و100 (خال من الفساد). ففي نسخة 2022، سجلت سويسرا 82 نقطة مقابل 84 نقطة العام الماضي في منحى يتسم بانخفاض تدريجي للغاية. وللتذكير سبق لسويسرا أن سجلت 86 نقطة في عام 2016.

تصدرت الدنمارك الترتيب فيما تعادلت فنلندا ونيوزيلندا في المركز الثاني. أما دول جنوب السودان وسوريا والصومال المنكوبة بالصراعات فقد كانت الأسوأ حالًا، حيث حصلت مرة أخرى على المركز الأول. وبشكل عام، لم تتمكن ثلثا الدول والمناطق التي شملها الاستطلاع (وعددها 180) من الوصول حتى إلى علامة 50 نقطة من الحد الأقصى 100. وكلما ارتفعت الدرجة المُتحصّل عليها – التي تستند إلى تقييم الخبراء ورجال الأعمال – كلما كانت الدولة أقل عُرضة لخطر الفساد.

في بيانها الصحفي الخاص بأوروبا، قالت منظمة الشفافية الدولية محذرة: “حتى الدول التي تحتل المراكز الأولى في مؤشر مُدركات الفساد أصيبت بالركود، لأنها فشلت في مُعالجة أوجه القصور في أطر النزاهة السياسية”. أما سويسرا، فهي “تُظهر بوادر تراجع وسط مخاوف بخصوص ضعف النزاهة ولوائح (تنظيم عمل) مجموعات الضغط”.

“محسوبية على نطاق واسع”

يرى هيلتي عدة أسباب وراء تأخر سويسرا في مكافحة الفساد في القطاع العام. ومن أجل عكس هذا الاتجاه، فإنه من الضروري أن تضع الدولة حداً لممارسة المحسوبية “الواسعة الانتشار”، وتحسين طريقة التعامل مع مسألة تضارب المصالح، وتنظيم عمل مجموعات الضغط بشكل أفضل، كما يقول.

وقال لـ SWI swissinfo.ch: “نحن نفتقر إلى الشفافية التي تتيح لعامة الناس معرفة أيّ جماعة ضغط تمارس الضغط من أجل أيّ مصالح ومتى تقوم بذلك ومع من”، وأضاف: “نحن نفتقر إلى اللوائح التي تضمن أن مصالح محددة لديها وصول متساوٍ إلى حد ما إلى (أصحاب القرار) السياسي”.

وكانت صورة سويسرا النظيفة قد تلطخت بسبب فضائح الفساد التي تصدرت عناوين الصحف واستأثرت باهتمام المحاكم. وتشمل هذه المعارك القانونية لبيير موديه، الوزير السابق في حكومة جنيف بشأن قبوله لامتيازات مالية غير مبررة على ارتباط برحلة قام بها إلى أبو ظبي في عام 2015، وفضيحة عقود تكنولوجيا المعلومات في أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية. كما أثارت تفويضات الضغط المُربحة للوزير المنتخب حديثًا ألبرت روشتي الدهشة والتساؤلات.

من جهة أخرى، دعا هيتلي إلى مزيد من الشفافية في تمويل الحياة السياسية على مستوى الكانتونات والبلديات، مشيرًا إلى أن معظم الكانتونات والبلديات تفتقر حتى الآن إلى تشريع في هذا المجال. ونظرًا لأن سويسرا بلد صغير الحجم، تُخفق المجتمعات المتماسكة وذات العلاقات الوثيقة أحيانًا في التعرّف على وجود تضارب في المصالح، وهو ما يحدث مثلا عندما يحصل سياسيون محليون على تذاكر تزلج بسعر تفضيلي.

ولا يتردد هيتلي في إلقاء اللوم على أنشطة مثيرة للجدل يقوم بها مُحامون – مثل إنشاء شركات وهمية وتأسيس شركات غير مقيمة – ويرى أنها أسهمت في فشل سويسرا في سدّ عدد من الثغرات وحالت دون إجراء مراجعة أكثر صرامة لقوانين مكافحة غسيل الأموال. ذلك أن مهنة المحاماة ممثلة تمثيلا جيّدا في صفوف البرلمانيين السويسريين.

ويشدد قائلا: “لدينا عمل شاق يجب علينا القيام به في سويسرا.. لا يُمكننا الاستلقاء والقول: حسنًا، كل شيء على ما يُرام”.

محتويات خارجية

المصارف السويسرية محل تساؤل

في مداخلة لها خلال ندوة حول الفساد عُقدت في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في شهر يناير الماضي، رسمت وزيرة الدولة السويسرية للخارجية ليفيا لو صورة مختلفة. لقد كانت فخورة بترتيب سويسرا المطرد ضمن العشرة الأوائل وسلطت الضوء على الجهود الدولية المبذولة من طرف الكنفدرالية لمكافحة الفساد محليًا وعالميًا، بما في ذلك تنفيذ العقوبات المفروضة على روسيا، مشيرة إلى أن المصارف السويسرية “تُبالغ” في هذا المجال.

وقالت ليفيا لو: “لم يعد لدى أشرار جيمس بوند حسابات مصرفية في سويسرا لأننا قمنا على مدى العقود الماضية ببناء نظام قوي من أجل مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”، وأضافت: “إننا نعتقد أن وجود مركز مالي سليم مهم للاقتصاد السويسري والأمر سيان بالنسبة للنزاهة المالية. فالقطاع المالي يمثل حوالي 10% من إجمالي الناتج المحلي لدينا”.

في الأثناء، أشارت منظمة الشفافية الدولية إلى أنه بالرغم من أن المصارف أضحت “أفضل تنظيماً بشكل عام”، إلا أنها تسجل حضورها بشكل بارز في كل كشف عن عملية ضخمة لغسيل الأموال. ولفتت إلى ممارسات مشكوك فيها في مصرف كريدي سويس المتهم في التحقيق المعروف بـوسم #أسرار_سويسرية بتحويل أموال عامة من فنزويلا وباحتفاظه بعملاء مشكوك فيهم لديه على غرار أحد رجال الأعمال الذي دعم تمردا مسلحا على السلطات الليبية في عام 2021.

وقالت المنظمة: “إن السلطات السويسرية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتحديد ومعاقبة الإخفاقات في القطاع المصرفي على وجه السرعة”. علاوة على ذلك، لا زالت قوانين السرية المصرفية تحول دون قيام الصحفيين السويسريين بالتحقيق والإبلاغ عن قضايا الفساد وغسيل الأموال التي قد تكون تورطت فيها مصارف سويسرية”.

ترجمة: كمال الضيف 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية