مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مواجهة المعلومات المضلّلة في النيجر باتت تحديًا كبيرًا منذ الانقلاب

protesters in Niger after the military coup
محتجون في النيجر بعد الانقلاب. AFP

كانت مديرة مؤسسة "إيروندال" السويسرية غير الحكومية في النيجر أثناء حدوث الانقلاب الأخير. وتحدثت إلى SWI swissinfo حول عملية إجلائها معبّرةَ عن مخاوفها بشأن مستقبل حرية الصحافة في هذا البلد الأفريقي الذي يشهد حالة من عدم الإستقرار.

وجدت كارولين فويمان مديرة مؤسسة إيروندال، التي تعمل على تعزيز دور وسائل الإعلام العمومية في مناطق النزاعات، نفسَها موضع تغطية إخبارية خلال رحلة قامت بها مؤخرا إلى النيجر. حيث تولّى الجيش يوم 26 يوليو، أيّامًا على وصول فويمان للبلاد، زمامَ الأمور إثر قيامه بانقلاب مفاجئ واتخاذه قرار بغلق الحدود، ممّا اضطرّ مديرة المؤسسة السويسرية إلى الاستعانة بالجيش الفرنسي للقيام بإجلائها.

وينتاب كارولين فويمان قلقٌ شديدٌ على سلامة موظّفي “أستوديو كالانغو” ( Studio Kalangou)، الذي تديره مؤسسة إيروندال التي يوجد مقرّها في لوزان السويسرية، حيث يوظّف المكتب الإخباري 100 صحفي محلّي يقومون بعملهم بخمس لغات مختلفة انطلاقًا من النيجر.

SWI swissinfo.ch: كنتِ في نيامي عندما وقع الانقلاب في النيجر . هل حصلت على أي إشارات من طاقمكِ حول ما كان على وشك الحدوث؟

لم نر أي علامات أو إشارات في هذا الاتجاه على الإطلاق. سافرت إلى النيجر مع زملائي من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو. واخترنا النيجر لأننا كنا نظن أنها الأكثر أمانًا من جملة هذه البلدان. وصلنا إلى هناك يوم 24 يوليو، وقد تلقيت الإحاطة الأمنية الأخيرة مع زملائي من الصحفيين المحليين في اليوم السابق. كان كل شيء يسير كالمعتاد في تلك المرحلة.

ما هو المزاج السائد حاليا بين صفوف موظفيكم المحليين في ميامي والنيجر بشكل عام؟ 

السكّان قلقون بشأن الوضع. وتخامر أذهانَهم عواملُ كثيرة: يشعر الناس أن هذا التغيير المفاجئ يضيف مشكلة جديدة إلى مشاكل النيجر الكثيرة أصلاً. ما وجدته مثيرا للاهتمام أثناء التحدّث إلى الناس في نيامي، وكذلك خارج العاصمة هو أن همّهم الرئيسي ليس الانقلاب العسكري. ما يثير قلقهم في المقام الأوّل هو معدلات الأمطار، التي تنزل في العادة في شهري يوليو وأغسطس، ولم تكن هذا العام بالقدر الكافي. لذلك هم قلقون بشأن الأمن الغذائي في البلاد في الأشهر المقبلة: لن تنمو الزراعة الغذائية بشكل جيد لندرة الأمطار. وكما تعلمين، توجد في النيجر ظاهرة الرعاة الرحل الذين ينتقلون من مكان إلى آخر برفقة جمالهم وأغنامهم بحثا عن المراعي الخصبة. الآن لا يمكنهم العثور على أماكن يتوفّر فيها الماء والعشب لماشيتهم.

علاوة على ذلك، هم يعلمون أن تغييرات كبيرة في الأفق: فقد تم تعليق المساعدات الدولية المباشرة، وقد يتدخّل تجمّع سياسي في غرب أفريقيا (إيكواس) عسكريا لإعادة الرئيس المنقلب عليه إلى السلطة. لذلك الناس قلقون. ويهتم صحفيونا بهذه القضايا، وهم على دراية بالحقائق الميدانية. وما أشرتُ إليه هو صدى التعليقات التي تصلهم من عموم السكان.

هل الصحفيون المحليون قادرون على القيام بعملهم كما كان الوضع من قبل؟

حاليا، لا يواجه صحفيونا المحليون أي تهديدات. وهم قادرون على السفر عبر ربوع البلاد. وينتج أستوديو كالانغو نشرية إخبارية وبرنامجًا حواريًّا يوميًّا. وفي الآونة الأخيرة، أصبح من الصعب الحصول على وجهات نظر متعارضة خاصة فيما يتعلّق بالموقف من الإنقلاب العسكري. نلاحظ الكثير من الرقابة الذاتية.

هل أنتِ قلقةٌ بشأن مستقبل عملكم في النيجر؟

بالطبع. ما يشغلنا في المقام الأوّل هو سلامة وأمن الفريق العامل. حتى اليوم لم يصدر أي شيء عن السّلطة الجديدة من شأنه تقييد حرية التعبير، لكننا نعرف كيف تطوّر الوضع في مالي وبوركينا فاسو (بعد حصول انقلابيْن مماثلين).

هل سيتمكّن الصحفيون من الاستمرار في انتاج نشرة الاخبار اليومية وفي إذاعة البرنامج الحواري اليومي. نحن لسنا واثقين من ذلك.

من دواعي القلق لدينا أيضا هو أن المشروع الذي ننفّذه مموّلٌ من المجتمع الدولي. إذا قام الاتحاد الأوروبي وسويسرا بعزلِ النيجر، فلن نتمكّن حينها من تمويل أستديو كالانغو.

أصبحت النيجر رابعَ دولة في غرب أفريقيا منذ عام 2020 تشهد انقلابا عسكريا بعد بوركينا فاسو ومالي وغينيا  (لحقت بها مؤخرا الغابون). هل مازلتم قادرين على العمل في هذه المنطقة؟

مازلنا نعمل كالمعتاد في مالي وبوركينا فاسو. وفريقنا هناك محليٌّ بالكامل. إنّهم صحفيون محليّون، يعملون بلغاتهم المحلية، ويغطون القضايا التي تشغل السكان المحليين. هذا عنصر إيجابي، لأن وسائل الإعلام المحلية ليست عرضة للتضييق مثل وسائل الإعلام الدولية. ومع ذلك من الصّعب إنتاج تغطية إعلامية متوازنة، لأن هناك وجهات نظر لم يعد الوضع يسمح ببثها بعد الآن. لأنك ستعرّض الأفراد للخطر، وستقدّم للحكومات على عين المكان مبررات لإيقاف العمل الذي تقوم به.

هل يمكن أن تعدّدي لنا بعض التحديات التي تواجهها وسائل الإعلام في النيجر؟

هناك قدر هائل من المعلومات المضللة التي يتم تداولها، ويعتمد الكثير من الأشخاص على هذه المعلومات التي يحصلون عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك واتساب، وفيسبوك، وتيك توك. ثم إن التربية على وسائل الإعلام ووسائل الإعلام الرقمية ماتزال ضعيفة جدا في النيجر . ويقوم أستوديو كالانغو بدور فعّال في كشف الأخبار المضلِّلة. وقد شاهدنا صورًا ومقاطع فيديو، على سبيل المثال، تم تصويرها في مالي أو في بوركينا فاسو، ويَدّعِي المروّجون لها أنّها صُوّرت في النيجر. أصبح توفيرُ معلومات موثوقة اليوم أكثرَ أهمية من أي وقت مضى. وسنحتاج إلى ضِعْفِ عدد الصحفيين الذين يعملون معنا للتعامل مع المعلومات المضلّلة المتفشّية على منصات التواصل الاجتماعي. لقد فوجئت بهذا الأمر كثيرا، لأنني لم أكن أتوقّع ذلك. وأسوءُ تلك المنصّات هو واتساب. حيث أُضيف اسمي لبعض المجموعات المحلية، وما وقفت عليه بنفسي يُعدّ كارثيا. يُستخدم هذا التطبيق على نطاق واسع، حيث لا يتعيّن على المستخدمين أن يكونوا قادرين على القراءة، إذ بإمكانهم الاكتفاء بسماع الرسائل الصوتية. لقد رأينا هذا خلال جائحة كوفيد-19 ولكنّه اليوم أكثر انتشارًا.

كيف تمكنتِ من مغادرة النيجر؟

كان من المفترض أن أعود إلى لوزان يوم 29 يوليو، لكن الحدود كانت مغلقة، ولم نتمكّن من حجز تذاكر العودة. وفي الأوّل من شهر أغسطس، تلقيت مكالمة من مكتب التعاون الإنمائي السويسري مفادُها أن الجيش الفرنسي كان بصدد تنظيم رحلة جوية لإجلاء مواطني الاتحاد الأوروبي وسويسرا على أساس طوعي. كان عليّ أن أكون في المطار الساعة الثانية بعد الظهر. وتكفّل الجيش الفرنسي بكل الاجراءات التي تتطلبها العملية في المطار. حيث أقلعت الطائرة العسكرية المزدحمة بالرّكاب على الساعة الثامنة مساءً. وصلنا إلى باريس في منتصف الليْل وعدت إلى لوزان في اليوم الموالي.

هي منظمة سويسرية غير حكومية خاصة بالإعلاميين وبالعاملين في مجال العمل الإنساني. ومنذ 1995، تقوم المؤسسة على إنشاء وسائل إعلام أو تقدم الدعم والعون لمؤسسات موجودة في الأصل، وتحرص على أن تكون هيئات إعلامية مستقلة في خدمة جميع الفئات بدون استثناء، خاصة في المناطق التي تشهد حروبًا، أو في المناطق الخارجة لتوّها من أوضاع عدم الإستقرار.

تقوم مؤسسة إيروندال على تطوير وسائل إعلام شعبية، وتحرص على أن تنال هذه الأخيرة ثقة المواطنين في البلدان التي تنشط فيها. كما أنها تُولي عناية كبيرة لعامليْ المصداقية والثقة عبر خلق صحافة تتميّز بالحرفية والدقة.

يشرف على المؤسسات الإعلامية التي تنشئُها إيروندال أشخاص محليّون، وتكون كل البرامج ما أمكن باللغة الوطنية لذلك البلد.

وتحرص المؤسسة على ضرورة أن تتميّز الهيئات الإعلامية التي تستفيد من دعمها بالإستدامة، وأن تعمل على أداء دورها الإعلامي والاجتماعي على أكمل وجه. 

(المصدر: الموقع الإلكتروني لمؤسسة إيرونديلرابط خارجي)

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية