مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سابينو كاسينو… كيف يريد ناشط مدني أنغولي إسماعَ صوتِه في جنيف؟

سابينو كاسينو أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف
يرغب سابينو كاسينو في إخطار الجهات الفاعلة في جنيف الدولية بمشروع قانون صادق البرلمان الأنغولي عليه مؤخرا، والّذي يهدّد استقلالية المنظمات غير الحكومية في البلاد. Helen James / SWI swissinfo.ch

يناضل سابينو كاسينو منذ خمسة عشر عامًا من أجل حماية المجتمعات المحلية الريفية في أنغولا من المستثمرين الأجانب ذوي النفوذ. وهو يناشد الأمم المتحدة اليوم إنقاذَ المجتمع المدني في بلده.  بورتريه.

“لقد عشتُ الظّلم عدّة مرّات وفي شتّى أشكاله”. يقول سابينو كاسينو (Sabino Caseno) المدافع عن حقوق الإنسان، القادم من أنغولا، والّذي التقيته خلال زيارته إلى جنيف. كان عمره ثماني سنوات فقط عندما اضطر إلى الفرار من بلده، الذي كانت تعصف به حرب أهلية آنذاك، لكي يلجأ مع أسرته إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.

خلال تلك الفترة، رأى سابينو بأمّ عينيه “كيف يتعرّض الأشخاص الضعفاء للاعتداءات”. سوء المعاملة، وسرقة الحصص الغذائية، والتلاعب بالمنح الدراسية. يشرح بالقول: “عانيت هذا الشعور بالعجز عندما كنت طفلا”. من هناك تولّدت لديه الرغبة في مساعدة الأشخاص في “حالات الضعف”، كما يوضّح الناشط الذي لا تخفي لهجتُه الهادئة قوةَ تصميمه.

بعد بلوغه الثامنة والأربعين، أصبح سابينو كاسينو الآن مسؤولاً عن برامج الدفاع في مكتب لواندا التابع للاتحاد اللوثري العالمي (FLM). ويركز عملُه على حماية حقوق ملكية المجتمعات الزراعية المحلية الأنغولية للأراضي.، لأن أراضي البلاد الغنية بالمواد الخام الثمينة تثير اهتمام المستثمرين الأجانب الراغبين في استغلال هذه الموارد. ويوضح أنهم في كثير من الأحيان يستولون، في تحدّ للقانون، على الأراضي التي يملكها الناس الذين يسكنونها ويزرعونها.

وإذا كان سابينو كاسينو موجودا في جنيف، فذلك لأنه تم اختياره من بين مئات المرشحين للمشاركة في برنامج الدفاع عن حقوق الإنسان (HRDAP). إنّه تدريب تقدمه منظمة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان (SIDH) وهي منظمة غير حكومية مقرها جنيف. ويتم تدريب كاسينو وخمسة عشر ناشطا آخر من جميع أنحاء العالم، لمدة أسبوعين، على مختلف آليات الأمم المتحدة التي يمكن أن تساعدهم في نضالاتهم.

يقول: “يشكّل هذا التدريب فرصة مهمة بالنسبة لي”. ويتمثّل هدفه في إقامة اتصالات جديدة يمكن أن تساعده في المستقبل، ولمَ لا، زيادة الوعي في أوساط الجهات الفاعلة في جنيف الدولية بالإشكاليات التي تهمه. مع أولوية واحدة بالنسبة له: هي إشكالية الاستيلاء على الأراضي الزراعية في بلده.

الاستيلاء على الأراضي

“الأرض، بالنسبة للقرويين، هي الحياة. وعندما تأخذها منهم، فإنك تقتلهم أحياء»، يقول سابينو كاسينو. وقد نشأ هو نفسه في قرية ريفية صغيرة. وبالنسبة لهؤلاء الناس، الأرض ليست فقط للاستغلال. بل هي أيضا مكان للحياة، ويتمتّع بالقداسة. حيث يشرح قائلاً: “على الأرض، نفعل كلّ شيء”. وتجد المجتمعات المحلية الزراعية المتضررة من الاستيلاء على الأراضي والمجبرة على الانتقال، نفسَها غالبَا في حالة من عدم الاستقرار، وبدون مدارس أو مستشفيات.

ومن الناحية النظرية، فإن حقوق هؤلاء السكان في امتلاك الأراضي مكفولة في أنغولا. لكن عمليّا، الوضع مختلف. حيث يقوّض ارتفاع معدّلات الأميّة في المناطق الريفية قدرتَهم على الدفاع عن أنفسهم. ويعاني الموظفون المدنيون من نفس الوضع، حيث إنهم لا يعرفون، وفقا لسابينو كاسينو، كيفية تفسير القانون.

ويتأسف قائلا: “لقد تدخلت في سبع دوائر في مقاطعة موكسيكو (شرق البلاد) وفي اثنتين في مقاطعة لوندا الجنوبية (شمال شرق البلاد). وأدركت أن غالبية أعضاء الإدارات المحلية لم يكونوا على دراية بقانون الأراضي، ولم يكن لديهم حتى نسخة من القانون».

ينشط الاتحاد اللوثري العالمي (FLM) في أنغولا على عدة مستويات. فعلى المستوى المحلي، تساعد المنظمةُ الإنسانية غير الحكومية المجتمعات الزراعية المحلية على حماية أنفسها بشكل أفضل من المستثمرين. ودعت على الصعيد الوطني إلى مراجعة القانون ذي الصلة. وكما يقول سابينو كاسينو “إذا لم ينجح كل هذا، فإننا سنستخدم الآليات الدولية”. ومن بينها: الاستعراض الدوري الشامل، الذي يتم من خلاله استعراض سجل حقوق الإنسان لكل دولة عضو في الأمم المتحدة كل أربع سنوات. ومن ثم تتاح للمنظمات غير الحكومية الفرصة للتعبير عن شواغلها، والدعوة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة.

جنيف، عاصمة حقوق الإنسان

من المقرّر أن يلتقي سابينو كاسينو في زيارته الخاطفة إلى جنيف بـ”فولكر تورك”، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فضلاً عن دبلوماسيين وخبراء وخبيرات في مجال حقوق الإنسان.

وكان تلقّى قبل ساعات قليلة من لقائنا، اتصالاً من كليمان نياليتسوسي فول (Clément Nyaletsossi Voule)، المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات. يقول سابينو مبتسمًا: “هذا ما كنت أبحث عنه، وهذا ما حصلت عليه على طبق من ذهب. هل تتخيلين ذلك؟”. ذلك أنّ الخبير المستقلّ في الأمم المتحدة يتناول موضوعَا آخر يقلق الناشط اليوم: وهو التدخل المتزايد من جانب الحكومة الأنغولية في شؤون المجتمع المدني في البلاد.

ووفقا لكاسينو، يمكن أن يؤدي مشروع قانون بشأن وضع المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، حظي بموافقة البرلمان الأنغولي مؤخرا، إلى وضعها فعليا تحت سيطرة الدولة. ويحذّر الناشط من أنه إذا جرت المصادقة على القانون فسيكون ذلك بمثابة “موت للمجتمع المدني”.

ويعتزم الآن، بالنيابة عن ائتلاف من المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان، استجوابَ المقرّر الخاصّ، لكي يقوم بتحليل نصّ القانون، ويعلن عن رأيه ويطلع الحكومة الأنغولية عليه. ومن شأن وثيقة من هذا القبيل أن تعطي وزنًا للنضال الذي يخوضه المجتمع المدني في البلاد.

مخاطر وإغراءات

لا يروق التزامُ سابينو كاسينو بالدفاع عن حقوق الإنسان دائمًا للشركات والسياسيين والسياسيات. وكان على النّاشط ،على مرّ السنين، مقاومةُ العروض المغرية ومحاولات التخويف لدفعه للتخلّي عن نضاله. وقد كان محلّ شك أحيانًا بأنه في خدمة المعارضة السياسة. هل فكّر يومًا في وضع حدّ لالتزامه المدني؟ يجيب سابينو كاسينو بأن: “لا، لأنه إذا لم أقم أنا بهذا العمل، فمن سيقوم به؟”

ويشرح بأنه في مواجهة الانتقادات، فإن أفضل أسلحته هي “الوقائع” و”الحقيقة”.. أداة دفاعية أخرى هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (DUDH) الذي أصدرته الأمم المتحدة، والذي مرّ على اعتماده 75 عامًا. لأنه، حتى لو ظل تقيّدُ المجتمع الدولي بأسره به أمرا طوباويَّا، إلا أنه يبقى بالنسبة لسابينو كاسينو ذا أهمية حاسمة. “دون الإعلان العالمي، لن يكون لدينا وجود، نحن المدافعون عن حقوق الانسان. إنه يشكّل أداة دفاع”.

تدقيق: فيرجيني مانجان

ترجمة: مصطفى قنفودي

المزيد
صورة موثقة للاعلان العالمي لحقوق الانسان

المزيد

كيف سعى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتغيير العالم

تم نشر هذا المحتوى على بمناسبة حلول الذكرى الخامسة والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يشرح هذا التقرير مركزيته كأساس للكثير من المواثيق والمعاهدات الدولية اللاحقة عنه، ويتساءل عن حاجة هذا النص المرجعي إلى إعادة نظر.

طالع المزيدكيف سعى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتغيير العالم


متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية