الحكومة اليمنية ماضية في دمج التعليم

قد يبدو الحديث عن توحيد التعليم في بلد عربي حصل على استقلاله منذ عشرات السنين أمرا مثيرا للإستغراب..لكن تمسك الحكومة اليمنية الجديدة بتحويل مئات المعاهد العلمية الخاضعة لإشراف التجمع الوطني للإصلاح، وإصدراها لقرار يقضي بدمجها ضمن إطار وزارة التربية والتعليم إبتداءا من شهر يونيو حزيران القادم، قد يؤدي إلى احتكاك سياسي بين الحزب الحاكم وأهم أحزاب المعارضة في البلاد.
حيازة الثقة التي منحها المجلس النيابي اليمني لحكومةعبد القادر باجمال دون إدخال أي تعديلات تذكر على البند الخاص بتوحيد التعليم الوارد في البرنامج الحكومي، وفي ظل غياب رئيس المجلس الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس التجمع اليمني للإصلاح الذي أنسحب من رئاسة جلسات المجلس التشريعي احتجاجا على إصرار الحكومة على توحيد التعليم.. كلها مؤشرات أكدت بجلاء واضح أن الحكومة الجديدة برئاسة باجمال عازمة على المضي في حسم هذه المسألة التي ظلت تراوح مكانها منذ عام اثنين وتسعين عندما صدر قانون توحيد التعليم.
مبررات الحكومة واعتراضات الإصلاح
ووفقا للمبررات التي تسوقها السلطات اليمنية فإن الهدف
من إدماج المعاهد العلمية بوزارة التربية والتعليم
يرمي إلى إلغاء الازدواجية في التعليم والحفاظ على
الهوية اليمنية.
وإذا كانت هذه هي مبررات السلطات اليمنية للمضي في
توحيد التعليم، فإن رؤية حزب الإصلاح تقف على النقيض من ذلك إذ ترى أن هذا التوجه من شأنه أن يشكل مساسا بثوابت الأمة وأن توقيته جاء على خلفية التوترات التي نشبت بين حزبي المؤتمر والإصلاح خلال الانتخابات الأخيرة التي جرت في العشرين من فبراير الماضي و يندرج في سياق المماحكات السياسية بين حزبهم وما يسموه بلوبي الفتنة داخل المؤتمر الشعبي العام .
وطبقا للإجراءات الحكومية المزمع اتخاذها في هذا الشأن
ستشرع وزارة التربية والتعليم في إدماج المعاهد
العلمية بالتعليم الأساسي وإلحاق ميزانيتها البالغة سبعة
مليارات ريال يمني بالوزارة، وهي الميزانية التي يشك
في أنها كانت تصب في صالح تزايد نفوذ حزب الإصلاح كما ذهبت إلى ذلك صحافة المؤتمر الشعبي العام التي اتهمت الإصلاح باستغلال المعاهد العلمية لنشر توجهاته الأيدلوجية وسط طلاب هذه المعاهد التي تسيرها وتد يرها عناصر تنتمي
للتجمع اليمن للإصلاح.
تجفيف المنابع
هذه القرارات تعني عمليا وضع حد لتجربة المعاهد العلمية التي انطلقت منذ ثلاثين عاما حتى وصل عددها حاليا إلى حوالي أربع مائة معهد وبلغ عدد الدارسين فيها ما يربو على نصف مليون طالب وطالبة يتلقون تكوينا مكثفا في مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية إلى جانب التكوين في المواد الأخرى المقررة في المدارس الحكومية .
ويرى المراقبون أن الدافع الأساسي للسلطات اليمنية من وراء توحيد التعليم في الظرفية الحالية يعزى إلى توافر جملة من الشروط الذاتية والموضوعية أهمها:
أولا: انتفاء حاجة المؤتمر الشعبي العام لمساندة حزب الإصلاح بعد تضاؤل دور خصمه الحزب الاشتراكي اليمني في الحياة السياسية وتمتعه بالأغلبية المريحة داخل المؤسسات التشريعية والدستورية
ثانيا: ظهور حزب الإصلاح بمظهر الحزب القوي والمنافس
للمؤتمر الشعبي العام ما استوجب ضرورة تحجيمه عبر تجفيف المنابع التي يستمد منها قوته وشعبيته والتي تشكل
المعاهد العلمية إحدى مصادرها هذه القوة والنفوذ.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن هذه التحولات التي طرأت
على موقف السلطات اليمنية من قضية توحيد التعليم
السياسي تكشف بوضوح أن الهاجس السياسي يبقى هو الدافع
الأساسي لحسم هذه القضية في الوقت الحالي بعد أن ظلت محط شد وجذب منذ صدور قانون توحيد التعليم عام اثنين وتسعين الذي لم يدخل حيز التنفيذ لاعتباره في حينه مشروعا للحزب الاشتراكي الذي كان متحمسا له آنذاك لكنه يلتزم الصمت حاليا إزاءه.
وخلاصة القول أنه إذا كان هناك من قضية اكتنفتها
الملابسات والحسابات السياسية فهي قضية توحيد التعليم في
اليمن التي يصدق عليها إلى حد بعيد القول أن ليس في
السياسة صداقة دائمة ولا عداوة دائمة وإنما هناك مصالح
متبادلة ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول تطورات الموقف بين الإصلاح والسلطات اليمنية مستقبلا .
عبد الكريم سلام – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.