رئيس الوزراء العراقي يعلن فوز ائتلافه بالانتخابات التشريعية
أعلن رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني مساء الأربعاء أن ائتلاف “الإعمار والتنمية” الذي يقوده تصدّر نتائج الانتخابات التشريعية، بعيد إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نتائج أولية أظهرت حصده أكبر عدد من الأصوات.
وتجمع مئات من مؤيدي السوداني في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، رافعين الأعلام العراقية ومطلقين الألعاب النارية، وفق ما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس.
وعقب إعلان النتائج الأولية، قال السوداني في خطاب بثه التلفزيون “نبارك لكم فوز ائتلافكم بالمرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب”.
وأكّد السوداني أن “منهج عمل الائتلاف سيراعي في المرحلة القادمة إرادة كل الناخبين ومصلحة كل أبناء شعبنا، من ضمنهم من اختار المقاطعة، فالعراق للجميع أولّا وأخيرا”.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، النتائج الأولية غداة إغلاق مراكز الاقتراع التي شهدت إقبالا ملحوظا بنسبة 56,11% لانتخاب برلمان مؤلف من 329 مقعدا.
وأظهرت النتائج الأولية تقدّم اللائحة التي يقودها السوداني، في حين نُشرت نتائج فرز الأصوات لكل محافظة على حدة، على أن يُعلن لاحقا توزيع المقاعد في البرلمان.
وجرت الانتخابات التشريعية السادسة منذ الغزو الأميركي الذي أطاح نظام صدام حسين في 2003، وسط استقرار نسبي يشهده العراق الغني بالموارد النفطية، بعد عقود من نزاعات قضت على بنيته التحتية وتركت فسادا مستشريا.
ونسبة المشاركة هذا العام أعلى بكثير من نسبة 41% المسجّلة في الانتخابات الأخيرة عام 2021، رغم مقاطعة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للانتخابات هذه السنة وتعبير الكثير من العراقيين عن إحباطهم من إمكانية أن تُحدث الانتخابات تغييرا حقيقيا في حياتهم في ظلّ عدم بروز أسماء جديدة متنافسة.
وفي وقت سابق الأربعاء، أكّد مصدران مقربان من لائحة السوداني أنها حصدت على الأغلب “أكبر كتلة نيابية” تقارب 50 مقعدا.
وبعد انتخاب البرلمان العراقي الجديد، تنطلق مرحلة اختيار رئيس للوزراء يشكّل الحكومة المقبلة، في بلد يشهد عادة تشرذما سياسيا وتعقيدات تُطيل التوافق على مرشّح.
ويواجه رئيس الحكومة المقبلة تحدّيات محلية عدة، في ظلّ نقص في فرص العمل وتهالك خصوصا في قطاعَي التعليم والصحة، في بلد ذي أكثر من 46 مليون نسمة.
وأمامه كذلك مهمّة الحفاظ على التوازن الدقيق في علاقة العراق مع الخصمَين إيران والولايات المتحدة، في ظلّ تغيّرات إقليمية كُبرى منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة عام 2023.
– ولاية حكومية ثانية؟ –
يُكلف رئيس الجمهورية، الذي سيسميه البرلمان، رئيسا للحكومة يكون مرشح “الكتلة النيابية الأكبر عددا” بحسب الدستور. وهو الممثل الفعلي للسلطة التنفيذية.
وفي ظلّ استحالة وجود غالبية مطلقة، يقوم أي ائتلاف قادر على التفاوض مع الحلفاء لتشكيل أكبر كتلة، بترشيح رئيس الحكومة المقبل.
ومنذ أول انتخابات متعددة شهدها البلد في 2005، يكون رئيس الجمهورية كُرديا، وهو منصب رمزيّ بدرجة كبيرة، بينما يكون رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس مجلس النواب سنيا، بناء على نظام محاصصة بين القوى السياسية النافذة.
وشهدت تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة عقب الانتخابات في السنوات الماضية الكثير من التعقيدات، واستغرق التوافق حول ذلك أشهرا عدّة.
ووصل السوداني إلى رئاسة الحكومة في 2022 بعد جمود استمرّ أكثر من عام نتيجة خلافات سياسية بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” المؤلف من أحزاب شيعية موالية لإيران. وكان للإطار التنسيقي أكبر كتلة في البرلمان المنتهية ولايته.
وصرّح سياسي بارز لفرانس برس الشهر الماضي بأن “الإطار التنسيقي” منقسم بشأن دعم السوداني لتولّي ولاية ثانية.
– توازن –
وخلال ولاية حكومة السوداني، شهدت بغداد طفرة عمرانية واسعة وبناء مجمعات سكنية حديثة، إلى جانب مشاريع كبرى في مجال الطرق.
ويقول مستشاره حسين علاوي لوكالة فرانس برس إن فوز السوداني الكبير “من شأنه أن يُظهر أن هناك طريق ثالث غير الطريق التقليدي للقوى السياسية العراقية التي قادت النظام (بعد 2003) وقوى المقاطعة، وهو طريق المشاركة في بناء الدولة وتحقيق الاستقرار”.
وينسب السوداني كذلك لحكومته الفضل في إبقاء العراق بمنأى عن الاضطرابات الاقليمية.
ففي خضم التوترات الكبرى في السنوات الماضية، حافظ العراق على استقرار نسبي، رغم أن فصائل مسلّحة موالية لطهران تبنّت إطلاق صواريخ ومسيّرات على مواقع تضم قوات أميركية في سوريا والعراق، بينما قصفت واشنطن أهدافا لهذه المجموعات في العراق.
ويتوقع أن تكون عملية اختيار رئيس الوزراء المقبل، موضع تجاذب إضافي في علاقة بغداد بكل من طهران وواشنطن.
وتمارس واشنطن ضغوطا متزايدة على الحكومة العراقية من أجل نزع سلاح الفصائل الموالية لإيران.
وتسعى إلى إضعاف نفوذ إيران من خلال الضغط على العراق لنزع سلاح الفصائل وفرض عقوبات على كيانات عراقية مرتبطة بها وكذلك تقويض قدرة إيران على التهرب من العقوبات، وهي استراتيجية يُتوقع أن تستمرّ بها واشنطن.
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، تلقّى حلفاء الجمهورية الإسلامية، مثل حركة حماس وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ضربات قاسية من إسرائيل التي شنّت كذلك حربا على إيران في حزيران/يونيو طالت خصوصا منشآت نووية وعسكرية. كما فقدت طهران حليفا رئيسيا مع سقوط حكم بشار الأسد في سوريا أواخر العام 2024.
وبعد هذه الخسائر، تسعى طهران حاليا للإبقاء على مكتسباتها في العراق الذي شكّل منفذا رئيسيا لتوسع دورها الإقليمي بعد الغزو الأميركي.
ورحّب السفير الإيراني لدى العراق محمّد كاظم آل صادق في منشور على منصة “إكس” الأربعاء بـ”الإجراء الناجح” للانتخابات البرلمانية، مؤكدا أنها “خطوة مهمة تُجسّد إرادة الشعب العراقي وسيادته الوطنية”.
ع ك-رح-كبج/ع ش