مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التقييم جيد لكنه لا يتطابق مع الواقع

حال الأداء "التقني" الجيد للمصرف الوطني السويسري دون ظهور معدلات تضخم عالية لكنه لم يساعد على خفض معدلات البطالة والغلاء Keystone

وضع تقرير صندوق النقد الدولي، الإقتصاد السويسري في مكانة جيدة، مقارنة مع الدول الأوروبية، وذلك في إطار تقييمه السنوي لدول العالم.

إلا أن التقييم حدد بعض النقاط التي رأى بأن الكنفدرالية لم تعمل عليها بشكل كاف، مثل عدم التقدم في برامج إعادة الهيكلة، والنقص في التعامل مع ملفات التأمينات الإجتماعية.

يختبر صندوق النقد الدولي اقتصاديات دول العالم بمعايير دقيقة، فينظر فيما حققته من نجاحات ويحدد الإخفاقات، من خلال تقييم شبه سنوي، يحدد ترتيب الدول على خارطة الإقتصاد العالمي، طبقا لسرعة دورانها في فلك الليبرالية الإقتصادية.

الإيجابيات التي حققها الإقتصاد السويسري حتى العام الماضي، طبقا لتقييم صندوق النقد الدولي، تمحورت حول سياسة المصرف الوطني في التعامل مع ثروته، حيث لم يرفع نسبة الفوائد إلا بقيمة 0.5%، وهي التي رأى فيها الخبراء أنها أكثر المعدلات تناسبا مع الإقتصاد المحلي والأوضاع العالمية، وأشاد التقييم بالتأني السويسري في سياسة الفوائد التي يتبعها المصرف الوطني.

وينصح خبراء صندوق النقد الدولي المصرف الوطني السويسري بمواصلة اتباع سياسته الحاسمة بعد أن تبدأ معدلات النمو في الصعود مجددا، والتي من المتوقع أن تكون في النصف الثاني من هذا العام.

أما السياسة المالية السويسرية، فقد رأى صندوق النقد الدولي أنها تمكنت من عرقلة وقوع الكنفدرالية في مزيد من الديون الداخلية بشكل أكثر من جيد، وهو ما عزاه التقييم إلى إتباع الحكومة لبعض الخطوات الصارمة في سياسة التوفير والتقشف، بشكل وصفه بالـ”عقلاني الذي يسير في الإتجاه السليم”.

وقال بوب تارا رئيس وفد صندوق النقد الدولي في مؤتمر صحفي بالعاصمة برن صبيحة الإثنين 7 مارس الجاري، إن هذه الإجابيات هي التي ساعدت في دفع معدلات النمو الإقتصادي السويسري خلال العام الماضي، اما تعثرها في الربع الأخير من السنة، فربطه بتباطؤ الإقتصاد الدولي بصفة عامة، بسبب انخفاض معدل صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الكبرى، وارتفاع اسعار النفط.

سلبيات يجب التخلص منها

وإذا كان تقييم أداء الإقتصاد السويسري في عام 2004 قد حصل على علامة أكثر من جيدة، في مجالات السياسة المالية للدولة والتعامل مع الموارد الإقتصادية، إلا انه نوه إلى قصور في بعض القطاعات، مثل التأمينات الإجتماعية والزراعة وتحرير بعض قطاعات الخدمات.

فعلى سبيل المثال، يطالب صندوق النقد الدولي سويسرا بضرورة الإنتهاء سريعا من المناقشات والدراسات الجارية حاليا لتمويل صناديق المعاشات والتأمينات الإجتماعية، لا سيما وأن اكثر من نصف الطاقات العاملة في البلاد، ستصبح اعمارها في عام 2010 أكبر من 50 عاما، مع تراجع في معدلات المواليد، ونقص في الأيادي العاملة الشابة، وهو ما ينعكس تلقائيا على الدخل الذي تحصل عليه صناديق التأمينات الإجتماعية، الذي يتم تمويله من استقطاع نسب من الرواتب.

كما يرى التقييم ان إختلاف رؤية الكانتونات السويسرية في تحرير بعض قطاعات الخدمات، وعدم وجود معايير فدرالية موحدة لها، يعوق العمل في مجالات مثل البريد والإتصالات والطاقة، حيث يؤكد خبراء صندوق النقد الدولي أن الليبرالية في تلك المجالات ستساعد على نمو الشركات الخاصة للعمل في هذه القطاعات، وهو ما سيفتح فرص جديدة للقضاء على البطالة.

في الوقت نفسه،أشار التقييم السنوي إلى أن ربط الإيجارات بفوائد المصارف، وعدم رفع القيود على استيراد بعض المواد الغذائية هما من أحد العوامل التي تجعل الأسعار في سويسرا مرتفعة للغاية مقارنة مع بقية دول الجوار، وهو ما ينعكس بالتالي على القدرة الإستهلاكية للمواطنين.

التقييم شيء.. والواقع شيء آخر

ولم يكن من المفاجئ أن تعرب كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية seco والمصرف الوطني السويسري عن ارتياحهما لتلك النتيجة، فهما من أحرص الجهات على تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي، واتباع منهجه في رسم السياسات الإقتصادية لدول العالم.

فقد أظهر بيتر سيغنتالر مدير الإدارة المالية الفدرالية سعادته في المؤتمر الصحفي الذي تم فيه الإعلان عن نتيجة التقييم، واتفق مع ما جاء فيه من ايجابيات، دون أن يعلق على السلبيات أو نقاط الضعف، وكذلك كان موقف أولريش كوللي كبير المحللين الإقتصاديين في المصرف الوطني السويسري، الذي رحب يإقتراح صندوق النقد الدولي بضرورة استغلال حصيلة بيع فائض الذهب لدى البنك في سداد الديون الداخلية بين الكانتونات والحكومة.

الإيجابيات التي يحققها الإقتصاد السويسري معروفة، ويشهد لها الجميع في التمسك بالأسبقية في البحث العلمي والإبتكار والإدارة والخدمات، لكن المواطن العادي يعايش في حياته اليومية جملة من الآثار السلبية مثل ازدياد معدلات البطالة، وفرار نسبة لا بأس بها من الشركات للإنتاج في الخارج، وتفكير عدد آخر في السير على هذا الدرب، مع مشكلات تمويلية لا تنقطع في خزينة التأمينات الإجتماعية والمعاشات، والارتفاع المتواصل في الخدمات الأساسية كالعلاج والسكن والسلع الإستهلاكية الغذائية.

كل هذه السلبيات تجعل السويسري العادي ينظر إلى تقييم صندوق النقد الدولي بإبتسامة، يرى فيها البعض نظرة متفائلة بمستقبل أفضل، ويعتبرها آخرون رؤية ساخرة للذين يقيمون الأوضاع حسب أهوائهم أو نظرياتهم وليس طبقا لما هو عليه الحال في الواقع المعاش.

سويس انفو

حصل المصرف الوطني السويسري على تقدير خاص في تقييم صندوق النقد الدولي للإقتصاد السويسري عن عام 2004.
نصح التقييم السنوي سويسرا بإتباع سياسة سريعة وأكثر فعالية لتحرير العديد من القطاعات الخدمات مثل الطاقة والنقل والبريد، والإعتناء بمستقبل صندوق التأمينات الإجتماعية والمعاشات.
انضمت سويسرا في عام 1992 إلى صندوق النقد الدولي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية