مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الرفض الفرنسي يلقي بظلاله على سويسرا

يعتقد بعض المراقبين أن الرفض الفرنسي للدستور الأوروبي قد يعزز نسبة الرافضين في سويسرا للانضمام إلى "شنغن/دبلن" Keystone

فور الإعلان عن رفض الناخبين الفرنسيين مساء الأحد الماضي للدستور الأوروبي، توالت ردود الفعل والتساؤلات في سويسرا حول التأثير المحتمل لذلك الرفض على نتائج استفتاءات 5 يونيو في الكنفدرالية.

ومن أهم هذه الاستفتاءات مقترح انضمام سويسرا إلى اتفاقية “شنغن” ومعاهدة “دبلن” الأوروبيتين.

“أُشيد بـ”لا” الفرنسية لأنها تدعم سياسة الاتفاقيات الثنائية التي اختارتها سويسرا مع أوروبا”. كان هذا رد الفعل السويسري الأكثر إثارة للجدل على نتائج الاستفتاء الفرنسي حول الدستور الأوروبي مساء الأحد الماضي. وجاء على لسان وزير المالية هانز رودولف ميرتس في تصريح نشرته صبيحة الإثنين صحيفة “بليك” السويسرية الواسعة الانتشار.

بلهجة طغت فيها الدبلوماسية على الغضب، ردت المفوضية الأوروبية على الفور على تصريحات الوزير السويسري بالقول إن هدف الدستور يتمثل في تطوير الاتحاد وتعزيز فعاليته، “وهو شيء إيجابي بالنسبة للدول غير الأعضاء في الاتحاد، خاصة سويسرا”.

أما المقربون من وزير المالية فأشاروا في توضيحات نقلتها وسائل الإعلام السويسرية يوم الثلاثاء 31 يونيو أن السيد ميرتس “لم يقصد التدخل في السياسة الداخلية الفرنسية بل أراد أن يظهر ببساطة أن تمهيل الاندماج السياسي للاتحاد الأوروبي هو في صالح منطق “العقود” الاقتصادية والأمنية المبرمة مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد، أي في صالح خيار الاتفاقيات الثنائية”.

تصريحات “في غير محلها”

لكن “اتحاد النقابات السويسرية” كان له رأي آخر إذ وصف تصريحات وزير المالية بـ”غير اللائقة” وحتى “الحقيرة”. وأعرب الاتحاد عن اعتقاده أنه “ليس من رفاعة الذوق” التفكير بأن أي تعثر على مستوى اندماج أفضل للاتحاد الأوروبي سيكون في صالح سويسرا.

من جانبها، وصفت “الحركة الأوروبية السويسرية الجديدة” رفض الفرنسيين للدستور الجديد بأمر “مؤسف”، معربة في المقابل عن اعتقادها أنه لا يجب المبالغة في رد الفعل وعن استيائها من تصريحات وزير المالية السويسري.

تلك التصريحات لم ترق أيضا لوزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي التي حرصت في مقابلة مع قناة “SF-DRS” السويسرية الناطقة بالألمانية مساء الإثنين على الابتعاد عن موقف زميلها ميرتس. وأعربت الوزيرة عن اعتقادها أنه لا يجب على أي عضو في الحكومة أن يعبر عن سروره لنتائج تصويت معارض لتوجهات حكومة أجنبية.

فرصة لمعارضي شنغن في سويسرا

وقد ترافق الجدل الذي أثارته تصريحات الوزير ميرتس مع جملة من التساؤلات حول مدى تأثير رفض الناخبين الفرنسيين للدستور الأوروبي على موقف الناخبين السويسريين من الانضمام إلى اتفاقية “شنغن” ومعاهدة “دبلن” الأوروبيتين المطروحتين ضمن الاستفتاءات الشعبية التي ستشهدها الكنفدرالية يوم الأحد 5 يونيو القادم. (جدير بالذكر هنا أن الوزير ميرتس من مؤيدي انضمام سويسرا إلى شنغن ودبلن، لكنه يعارض أي خطوات هادفة إلى الالتحاق بالاتحاد الأوروبي).

وزير الاقتصاد السويسري جوزيف دايس يدعم وجهة النظر القائلة إن الرفض الفرنسي ليس له أي تأثير ممكن على تصويت السويسريين على “شنغن/دبلن”، إذ يشدد على أن الاستفتاء الفرنسي لن يكون له أي انعكاس على الاتفاقيات الثنائية المبرمة بعدُ بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، والتي ستظل سارية المفعول في فرنسا وباقي دول الاتحاد. ويُذكر السيد دايس في هذا السياق بمزايا سياسة الاتفاقيات الثنائية، موضحا أن العلاقات في هذا المجال قوية بين برن وبروكسل.

في المقابل، تدرك السلطات الفدرالية أن معسكر المعارضين لـ”شنغن/دبلن” في سويسرا لن يدخروا أي جهد “للاستفادة” من الرفض الفرنسي للدستور الأوروبي بهدف التأثير على نسبة الناخبين السويسريين الذين لم يستقروا بعد على رأي بخصوص “شنغن/دبلن”.

ويعتقد الخبير في الشؤون السياسية كلود لونشون ومدير معهد GFS لسبر الآراء في برن أن معارضي شنغن سيستغلون أجواء الريبة الناجمة عن الرفض الفرنسي للدستور الأوروبي لتعزيز صفوفهم.

“حملة تضليل”

توقعات الخبير لونشون صائبة بالفعل إذ سارع حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد -الذي عارض دائما الاندماج الأوروبي ويحارب بشراسة فكرة انضمام الكنفدرالية إلى الاتحاد الأوروبي- بالإعراب عن اعتقاده أن الاتحاد “بدأ في انحطاطه”.

وصرح المتحدث باسم الحزب رومان ياغي “لا شك أن المواطنين السويسريين سيتساءلون الآن إن كان يجب بالفعل الارتباط بأوروبا من هذا النوع”. ويرى السيد ياغي أن “لا” الفرنسية “يجب أن تفتح عيون السويسريين”.

أما الحزب الراديكالي (وسط اليمين)، فقد انتقد بشدة محاولات معارضي شنغن الاستفادة من نتيجة الاستفتاء الفرنسي لـ”للإبقاء على جو من القلق ومواصلة حملة تتميز أكثر فأكثر بطابع التضليل”. في المقابل، أعرب الراديكاليون عن قناعتهم بأن المواطنين لن ينخدعوا بمحاولة إثارة الارتباك التي يقوم بها معسكر الرافضين لـشنغن.

وفي صفوف الحزب الديمقراطي المسيحي، أعربت رئيسته دوريس لوتارد عن اعتقادها أن “لا الفرنسية توسع آفاق سويسرا ومسار الاتفاقيات الثنائية”، مضيفة في المقابل أن حركية الاندماج (الأوروبي) تلقت بالفعل ضربة فرملت انطلاقتها.

أما الأوساط الاقتصادية، فأعربت عن اعتقادها أن الرفض الفرنسي “لن يكون له تأثير” على العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي وعلى الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الجانبين. غير أن ممثل رابطة الشركات السويسرية “economiesuisse” في بروكسل فلوران رودوي، أشار إلى أن “ليس في صالح سويسرا” رؤية شريك بأهمية الاتحاد الأوروبي يفقد قوته.

هل تصح مقارنة الاستفتاءين؟

من ناحيته، ذكر المتحدث باسم الحزب الاشتراكي جون فيليب جانري أن عددا من المواطنين السويسريين أدلوا بعد بأصواتهم عبر المراسلة، وذلك قبل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء الفرنسي. وهو ما يبعث الأمل في صفوف المؤيدين لشنغن الذين تراجعت نسبتهم حسب آخر سبر للآراء، إذ تقلصت من 62% في أواخر أبريل الماضي إلى 55% في نهاية مايو الجاري.

كما نوه السيد جانري إلى أن الاستفتاء الفرنسي حول الدستور الأوروبي والاستفتاء السويسري حول الانضمام إلى شنغن ودبلن حدثان لا يصح مقارنتهما، مذكرا أن النظام السياسي السويسري يختلف تماما عن نظيره الفرنسي. وأوضح السيد جانري في هذا السياق أن السويسريين -الذين يتمتعون بالديمقراطية المباشرة- يتجهون بانتظام إلى صناديق الاقتراع لتقرير مصير مجمل القضايا الخاصة بالمجتمع السويسري سواء تعلق الأمر بالشؤون الداخلية أو علاقات البلاد بالعالم الخارجي. وهو ما يمنح الناخبين إمكانية متابعة خطوات السياسيين باستمرار و”تصحيح” أو “فرملة” التوجهات التي تتعارض مع طموحاتهم وقناعاتهم.

أما بالنسبة للفرنسيين، فيـُذكر السيد جانري أنهم ينظرون للاستفتاء (الذي يعد حدثا استثنائيا في فرنسا بما أن البرلمان هو الذي يحسم عادة معظم الملفات الوطنية) كتصويت لإعطاء أو سحب الثقة. وأضاف بهذا الصدد أن الفرنسيين لم يصوتوا على الدستور الأوروبي فحسب، بل على السياسة العامة للرئيس الفرنسي ورئيس وزراءه.

ويشاطر هذا التفسير روني شفوك الخبير السويسري في القضايا الأوروبية الذي قال في لقاء مع سويس انفو:

“بصراحة، لا أرى تشابهات كثيرة (بين الاستفتاء الفرنسي والاستفتاء السويسري)، إن الاختلافات كبيرة جدا. في الحالة السويسرية، يتعلق الأمر بشراكة بسيطة بين دولة تتمتع بالسيادة وسياسة أو اثنين للاتحاد الأوروبي، شنغن ودبلن. والأمر يتعلق هنا باتفاق صُممَ على مقاس سويسرا: فهي تلتحق بشنغن (في حال موافقة الناخبين) لكنها لا ترفع مراقبتها على الحدود. أما فيما يخص فرنسا، فالهدف أكثر طموحا، والتصويت الفرنسي ليس له تأثير فقط على فرنسا بل على مجموع الاتحاد الأوروبي. أما السويسريون، فلن يوقفوا العمل باتفاقية شنغن إذا صوتوا ضدها”.

سويس انفو مع الوكالات

رفض الناخبون الفرنسيون الدستور الأوروبي يوم الأحد الماضي بنسبة 54,87%.
سيصوت الناخبون الهولنديون على الدستور يوم الأربعاء 1 يونيو 2005، وتقول آخر استطلاعات الرأي أن الأغلبية ستصوت بـ”لا”.
يصوت السويسريون يوم 5 يونيو على مقترح الانضمام إلى اتفاقية “شنغن” ومعاهدة “دبلن” مع الاتحاد الأوروبي.
آخر سبر للآراء أوضح أن نسبة المؤيدين قد تصل إلى 55% والرافضين إلى 35%، أما الذين لم يستقروا بعد على رأي فتقدر نسبتهم بـ10%.

يعد الانضمام إلى شنغن/دبلن جزء من الاتفاقيات الثنائية الثانية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي. تنص “شنغن” على التعاون في مجالات العدل والشرطة. أما “دبلن” فتنص على التعاون في مجال اللجوء، وتحديدا للحيلولة دون تقديم طالبي اللجوء الذي رفضت طلباتهم في بلد من البلدان الموقعة لطلب جديد في دولة أخرى (من الدول الموقعة)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية