مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

القرن الإفريـقى بين المـُصالحة والغـليان

اتهم رئيس جيبوتي يوم السبت 14 يونيو 2008 إريتريا ببدء الاشتباكات بين الدولتين في أول تعليق علني له على القتال الذي نشب الأسبوع الماضي على حدودهما المشتركة بالقرب من الممرات الملاحية في البحر الأحمر (تاريخ الصورة 5 مارس 2007) Keystone

لم تمر أيام على فرحة جيبوتي بنجاح مهمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على أراضيها في التوصل إلى اتفاق بخصوص المصالحة الصومالية وإذا بأخبار قتال حدودي بين قوات جيبوتي ونظيرتها الإريترية تشد الانظار.

أخبار تجذب الاهتمام من إمكانات تحول بلد منكوب إلى بداية سلام، إلى انخراط بلدين لا توجد ادعاءات حدود بينهما وكل منهما ينكر وجودها أصلا، في حرب هما في غنى عنها بكل تأكيد.

وما بين بداية هدنة ومصالحة هنا وبداية قتال هناك، تثبت منظمة حقوقية دولية أن القوات الإثيوبية قامت بتدمير عدة قرى عن بكرة أبيها في إقليم الاوجادين التابع للصومال قبل أن تحتله إثيوبيا منذ عام 1978، وهو ما يعضد الاتهامات السابقة التي لم يكن هناك ما يثبتها يقينا، بأن القوات الإثيوبية تقوم بجرائم حرب في الاوجادين الذي تطالب منظمة من أهله بتحريره أو على الاقل أن يحكم ذاتيا، وهو ما ترفضه الحكومة الاثيوبية. ويزداد رفضا بعد اليقين من أن أراضي الاقليم غنية بالنفط الذي جذب بدوره استثمارات صينية تعمل في صمت.

التوتر الكامن وأحكام السياسة

المشاهد الثلاثة تعبر عن حجم التوتر الكامن وبعمق في منطقة القرن الإفريقى بدولها الصغيرة والفقيرة والتي يفترض أن تكون التنمية وتحسين معيشة شعوبها هي العنوان الوحيد على قمة سلم أولوياتها.

لكن السياسة لها أحكامها الغالبة، لاسيما وإن كانت سياسة مخلوطة بصراعات قوى كبرى أو لم تتحرر بعد من أسر التاريخ البعيد، أو كان من يدير تلك السياسة قادة لا يهتمون إلا بأنفسهم وسلطاتهم ولا يعنيهم شيئا من أمر شعوبهم.

المؤكد هنا أن القرن الافريقي بموقعه الفريد، المتحكم في ممرات بحرية تهم العالم كله عبر باب المندب، لا يمكنه أن يذهب بعيدا عن استراتيجيات القوى الكبرى، في صراعها أو في تقاربها. لكن المفارقة أن هذه الاستراتيجيات، وبكل ما لديها من قدرات وإمكانيات هائلة، لا يمكنها أحيانا أن تتحكم فى العوامل المحلية التي تشكل صراعات أو تنافسات القوى الرئيسة في الاقليم، بل في بعض الاحيان تكون هذه لاستراتيجيات مجرد رد فعل على ظواهر تتشكل ذاتيا في الاقليم، وتحديدا حين تتحول هذه الظاهرة المحلية إلى مصدر تهديد للمصالح الدولية.

قرصنة صومالية وتحرك أممى

ويكفي هنا أن نعلم أن الصومال الذي تمتد سواحله إلى 1800 كم تطل على ممرات مائية حيوية تربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، ورغم ما شهدته هذه السواحل من ارتفاع عمليات القرصنة ضد السفن التجارية على مدى عقد ونصف، فإن الأمم المتحدة لم تتحرك إلا بعد أن تحولت هذه الظاهرة إلى حالة مقلقة وتهدد الملاحة الدولية في العمق، إذ تم الاستيلاء في الأشهر القليلة الماضية على 26 سفينة.

وجاء تحرك الامم المتحدة في صورة قرار أممي يتيح للدول التي لديها سفن حربية فى المنطقة أن تواجه عمليات القرصنة بما في ذلك دخول المياه الإقليمية للصومال، الذي يعيش بلا حكومة ويقع تحت سيطرة القوات الاثيوبية التي فشلت فى أن توفر الحد الأدنى من الأمن، وهو حجة احتلالها للأراضى الصومالية منذ ديسمبر 2006 وإلى الآن.

وحين صدر القرار ضد القرصنة فى الثانى من يوليو الجارى، كان هناك وفد أممي يمثل الدول الأعضاء في مجلس الامن متوجها إلى جيبوتى ـ وبعدها السودان والكونغو ـ لدفع مباحثات بين الحكومة الصومالية الانتقالية ووفد يمثل تحالف المعارضة الصومالية، وهو ما انتهى إلى اتفاق أقرب إلى هدنة أولية لمدة قد تمتد في أحسن الأحوال إلى أربعة أشهر، وبعدها قد يكون هناك حل لانسحاب القوات الاثيوبية، إذا أمكن تأمين قوات أممية وإفريقية لتحل محل القوات الاثيوبية وتبسط الأمن في الصومال.

مصالحة أم هدنة

اهتمام الأمم المتحدة بالمصالحة الصومالية ليس جديدا فى حد ذاته، ولكنه أبدا لم يكن فاعلا في السابق، ويبدو أيضا أن الاهتمام بمواجهة القرصنة التي بات يبرع فيها الخارجون على القانون من الصوماليين، والمستفيدين من غياب حكومة مركزية قوية في بلدهم، يبدو لمن يكون مؤثرا في الايام المقبلة.

فالاتفاق، أو بالأحرى الهدنة التى أعلنت فى السادس من يونيو، لم تشمل اثيوبيا ولم تحدد جدولا لانسحاب قواتها. أما باقى عناصر المصالحة بين الحكومة المؤقتة وتحالف المعارضة من إعادة تشكيل السلطة وكيفية بناء مؤسسات مركزية جديدة وفاعلة فيبدو غائبا وغامضا، وهو أمر يتيح التنصل من الهدنة، لاسيما وأنه لا أحد محدد يمكنه مراعاتها.

كما لا توجد تعهدات دولية واضحة بتأمين القوات الافريقية المناسبة فى المدى الزمني المنظور. ناهيك عن أن فصائل في تحالف المعارضة ليست راضية عن صيغة الاتفاق، لأنه حسب ظنهم يوقف الجهاد ولا يحقق تقدما في طرد القوات الاثيوبية.

المصالحة الصومالية بهذا المعنى ما زالت مهددة، فأسسها هشة والمعارضون لها بقيادة طاهر عويس، أحد أبرز مؤسسى حركة المحاكم الإسلامية التى أطاحت بها اثيوبيا قبل عام ونصف، يمتكلون الكثير من الدوافع لاعتبارها مجرد حبر على ورق غير ملزم لهم.

لا يقين فى عموم الاقليم

هذا اللا يقين الذى يحيط بمصالحة الصوماليين، هو جزء من حالة لا يقين عامة تسيطر على القرن الافريقي، وهي حالة تسمح بأن تندلع نزاعات وحروب دون ان تقنع احدا بأن لها أسبابا منطقية ومعقولة تستدعى التضحية بالبشر والموارد معا. فهل يمكن أن يكون تلة من الرمال الجرداء لا قيمة استراتيجية لها سببا فى اندلاع حرب بين بلدين كلاهما أفقر من الآخر. فالحرب التى بدأت أولى خطواتها بين جيبوتى وإريتريا حول تلة رأس دوميرة شمال شرق جيبوتى، يبدو أن أسبابها الحقيقية أبعد من مجرد السيطرة على تلة من الرمال.

هنا تبرز ثلاث ملاحظات: الأولى أن إريتريا خاضت فى غضون 13 عاما الماضية حربين حدوديتين، الأولى كانت حول جزر حنيش اليمنية نهاية 1995، والثانية مع جارتها أو بالاحرى منافستها إثيوبيا حول منطقة بادمى في 1997. وبينما انهت محكمة العدل الدولية النزاع الاول لصالح اليمن، فما زال الموقف الحدودى رغم تدخل الامم المتحدة والاتحاد الإفريقي مع اثيوبيا غامضا، وهناك قوات للمراقبة الدولية طلبت أخيرا اريتريا خروجها من البلاد، بعد أن ضيقت عليها تحركاتها ومنعت عنها الوقود والغذاء.

الثانية أن جيبوتى، بحكم كونها المنفذ البحري الوحيد لاثيوبيا منذ الحرب الأخيرة مع إريتريا، فقد نشأت علاقة مصالح كبرى بين البلدين، ومن هنا تنظر اسمرة لجيبوتى باعتبارها حليفة لدولة عدو، فضلا عن أن وجود قاعدتين فرنسية وأمريكية على الأراضي الجيبوتية، يثير الشكوك والقلق لدى أسمرة كثيرا.

رسائل غامضة

الثالثة أن الجناح المعارض للهدنة الصومالية الاخيرة وثيق الصلة بأسمرة. ورغم أن التوتر بين أسمرة وجيبوتى بدأت نذره منذ أبريل الماضى، أي قبل بدء المباحثات بين المعارضة الصومالية والحكومة الصومالية الانتقالية، فإن الدخول في توتر قتالي بعد أقل من خمسة أيام على إعلان المصالحة الصومالية، ربما اعتبره البعض رسالة لجيبوتى بأن لا تلعب دورا أكبر من حجمها، وأن لا تميل لصالح اثيوبيا أكثر من اللازم.

ويمكن إضافة أن الرسالة الإريترية موجهة أيضا إلى القاعدتين الفرنسية والأمريكية، فكيف يمكن لهما أن يتصرفا في نزاع حدودي بين بلدين جارين، وهما أساسا موجودتان لمواجهة ما يُسمى الحرب على الارهاب وملاحقة خلايا القاعدة إن وجدت على الارض الافريقية.

الأمر إذا لا يخلو من تعقيد وتداخل بين رسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة، بعضها له معنى ومنطق، والآخر لا تفسير له اللهم حاجة الحكم في إريتريا لمواجهة حربية لتنفيس الضغوط الشعبية فى الداخل، لاسيما مع استمرار الوضع المتأزم اجتماعيا واقتصاديا.

لكن فى كل الأحوال، فإن القرن الإفريقى يعطي الدليل تلو الآخر على أنه منطقة أزمات بامتياز.

د. حسن ابوطالب – القاهرة

أديس ابابا (رويترز) – اتهم رئيس جيبوتي يوم السبت 14 يونيو 2008 إريتريا ببدء الاشتباكات بين الدولتين في أول تعليق علني له على القتال الذي نشب هذا الأسبوع على حدودهما المشتركة بالقرب من الممرات الملاحية في البحر الأحمر.

وجاءت تعليقات الرئيس إسماعيل عمر جيلي في اجتماع لرؤساء الدول الأعضاء السبع في الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق افريقيا (ايجاد) التي تنتمي اليها إريتريا ولكنها تقاطعها.

وفي الاجتماع الذي يعقد في العاصمة الاثيوبية، دعت ايجاد إلى الهدوء بين الدولتين الجارتين في القرن الافريقي اللتين خاضتا القتال بعد أن أدت مواحهة استمرت شهرين على حدودهما الى اندلاع أول قتال بين الجارتين منذ عام 1996. والدولتان هما أحدث وأصغر دولتين في إفريقيا.

وقال جيلي ان القتال الذي بدأ يوم الثلاثاء واستمر يومين قتل 12 جنديا من جيبوتي كما أصاب 55 آخرين.

وقال جيلي للصحفيين “كانت لدينا على الدوام علاقات طيبة. ولكنهم احتلوا جزءا من بلادنا بعدوانية. وهو عدوان نحن نقاومه.”

ولم تعلق اإريتريا مباشرة على كيفية بدء الاشتباكات ولكنها رفضت أي إشارة الى أنها عبرت حدود جيبوتي كما رفضت النقد الغربي بأنها بدأت القتال.

والتقى لوي ميشيل، مفوض الاتحاد الاوروبي لشؤون التنمية والمعونة، بجيلي في اديس ابابا يوم السبت وسيلتقي بالرئيس الإريتري أسياس افورقي في العاصمة الإريترية أسمرة يوم الاحد في محاولة لاستخدام دبلوماسية المكوك.

وقال للصحفيين في اديس ابابا “ليس هناك سبب لهذا. هناك مساحة لحل الخلاف بالوسائل السلمية.”

وتستضيف جيبوتي قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية وهي الطريق الرئيسي الى البحر لاثيوبيا عدو إريتريا اللدود. وقالت فرنسا ان جيشها يوفر دعما في الامداد والتموين لجيبوتي.

وإريتريا لها علاقات متوترة بالغرب الذي يتهمها بدعم المسلحين الصوماليين وطرد قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة من على حدودها مع اثيوبيا.

كما أنها انسحبت ايضا من ايجاد التي تتهمها بدعم اثيوبيا ودعم الاخيرة للحكومة الصومالية المؤقتة.

ووصف مواي كيباكي الرئيس الكيني ورئيس ايجاد المنتهية ولايته قرار إريتريا بالانسحاب من ايجاد “تهديد خطير للامن في المنطقة”.

ودعت ايجاد في بيان “الجانبين ولاسيما حكومة إريتريا إلى الاستماع الى دعوة لضبط النفس من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يونيو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية