اللبنانيون في الشوارع مجدداً غير آبهين بقرارات الحكومة الإنقاذية
خرج اللبنانيون مجدداً الثلاثاء إلى الشوارع لليوم السادس على التوالي، غير آبهين بإجراءات اصلاحية جذرية اتخذتها الحكومة في محاولة لامتصاص نقمة المتظاهرين المصرّين على التمسك بمطلب رحيل الطبقة السياسية بأكملها.
واعتمدت الحكومة اللبنانية الاثنين رزمة اجراءات اصلاحية، عبر اقرارها موازنة العام 2020 مع عجز نسبته 0,6 في المئة واجراءات من خارجها، لا تتضمن فرض أي ضرائب جديدة. وتتمحور أبرز الاجراءات حول خفض النفقات العامة للدولة والموافقة على بدء تنفيذ مشاريع اصلاحية وردت في مؤتمر “سيدر”.
وازدادت أعداد المتظاهرين تدريجياً خلال ساعات النهار لتمتلئ ساحات بيروت ومناطق شمالها وطرابلس شمالاً وصيدا والنبطية وصور جنوباً بعشرات آلاف المتظاهرين المصرّين على مطلب وحيد وهو إسقاط النظام.
في ساحة الشهداء في بيروت، ردّد المتظاهرون شعاراً جديداً “اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام”، ما يعكس اصرارهم على مواصلة تحركهم حتى تحقيق هدفه بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، فيما كان رئيس الحكومة يعرض بنود خطته الإنقاذية على سفراء الدول الأجنبية الصديقة والمانحة.
وأكدّ عبد الأمير رمضان (73 عاماً)، وهو يعمل في كيّ الملابس في ضاحية بيروت الجنوبية، أنه مصر على مواصلة الاعتصام في وسط بيروت.
وقال لفرانس برس مساءً “من القادر منا على تعليم أولاده وشراء المياه وتوفير الكهرباء؟ كل فاتورة ندفعها مزدوجة، النفايات غمرتنا”
وسأل “لماذا استفاقوا على هذه البنود بعدما نزل الشعب على الأرض؟”.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) في القيام بإصلاحات بنيوية وتأهيل المرافق العامة وتحسين الخدمات والبنى التحتية. ويجد اللبناني نفسه مضطراً لأن يدفع كلفة الخدمات الأساسية مضاعفة. كما تعد كلفة الاتصالات الخليوية في لبنان من الأكثر ارتفاعاً في المنطقة.
ورفع أحد المتظاهرين في وسط بيروت لافتة كتب عليها “ثورة حتى النصر”، كما كرر المحتجون شعارات سابقة مثل “الشعب يريد إسقاط النظام” و”كلهم يعني كلهم” للتعبير عن رفضهم لكامل الطبقة السياسية في البلاد.
وقال حسين العالية (36 عاماً) وهو سائق حافلة لنقل الركاب من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، خلال وجوده في ساحة الشهداء وسط بيروت “ورقة الحكومة لن تمر. إذا كانوا قادرين على وضعها وإقرارها خلال ثلاثة أيام، فلماذا لم يقروها منذ ثلاثين عاماً؟”.
وأكد عزمه الاستمرار في التظاهر مع “الشعب اللبناني”، موضحاً “نزلنا من كل الطوائف إلى الشارع لاسقاط الدولة بأكملها”.
وأمام مصرف لبنان المركزي في بيروت، تجمّع عشرات من المتظاهرين مرددين شعارات “يسقط يسقط حكم المصرف”احتجاجاً على “السياسات المالية” المتبعة في البلاد. ويعتبر هؤلاء أن القطاع المصرفي، الذي يعود له الجزء الأكبر من ديون الدولة، شريك في إفقار اللبنانيين.
وستواصل المصارف إغلاق أبوابها الأربعاء وسط دعوات من متظاهرين لتنفيذ عصيان مدني يشل البلاد.
– مسؤولون “سارقون” –
والتقى الحريري الثلاثاء سفراء الدول الأجنبية الداعمة للبنان. وأكد المستشار الاقتصادي للحريري نديم المنلا في حديث لصحافيين بينهم مراسل فرانس برس أن رئيس الحكومة ينتظر رداً دولياً إيجابياً بشأن الإصلاحات الاقتصادية الجذرية التي اعتمدتها حكومته.
وأضاف أن تلك الإصلاحات “كانت المطلب الأساسي للعديد من أعضاء المجتمع الدولي”.
وتعهدت الحكومة العام الماضي أمام المجتمع الدولي بتخفيض النفقات العامة وبمشاريع اصلاحية مقابل حصولها على قروض وهبات بقيمة 11,6 مليار دولار أقرها مؤتمر سيدر. إلا أن تباين وجهات النظر إزاء تطبيق هذه المشاريع والخلاف على الحصص والتعيينات داخل الحكومة التي لا يحظى فيها الحريري بأكثرية، حالت دون وفاء الحكومة سابقاً بالتزاماتها.
وتتضمن خطة الحكومة الإنقاذية وفق خبراء اقتصاديين اصلاحات جذرية، لم يكن ممكناً التوصل اليها لولا خروج اللبنانيين من مختلف المناطق في تحرك غير مسبوق على خلفية قضايا مطلبية ومعيشية.
ومن أبرز بنود هذه الخطة، أن يساهم القطاع المصرفي والمصرف المركزي بخفض العجز بقيمة تتجاوز خمسة آلاف مليار ليرة (3,3 مليارات دولار) خلال العام 2020، وزيادة الضريبة على ارباح المصارف. كما تتضمن اجراء دراسة لخصخصة جزئية أو كلية للعديد من المؤسسات والقطاعات العامة، ضمنها قطاع الهاتف المحمول، ومرفأ بيروت.
ويلفت المحلل الاقتصادي في مجموعة الأزمات الدولية هيكو فيمن إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة “عبارة عن تدابير تقنية قد تحسن الوضع المالي في البلاد، ولكنها لا ترقى إلى مستوى التحدي الذي يفرضه المحتجون”.
ويصرّ المتظاهرون على مطلب رحيل الطبقة السياسية كاملة، في وقت لا يبدو واضحاً أفق استمرار تحركاتهم ومدى قدرتهم على الاستمرار في شلّ البلد ومؤسساته.
ويوضح المتظاهر شربل أبو جودة (مهندس) في بيروت “نحن هنا لنعمل على أن نحافظ على الحراك ولكي لا يذهب سدى” مضيفاً “من المفروض أن تتنحى هذه الحكومة وتترك مجالاً لحكومة أخرى”.
وعلى غرار متظاهرين كثر، يرى هذا الشاب أن “لدى اللبنانيين طاقات استثنائية” تمكنهم من قيادة البلاد في المرحلة المقبلة.
– “كباش” –
ويتحدث الأستاذ في العلوم السياسية كريم المفتي لوكالة فرانس برس عن “كباش” حالياً بين الشارع والسلطة. ويقول “بعد سماع ردود الفعل الأولى، يبدو أن الشارع لم يبتلع الطعم”. ويرى أنه كان حريّاً بالحكومة أن تبادر بالإضافة إلى التدابير الاقتصادية العاجلة، لاتخاذ “إجراءات أكثر جذرية”، تقنع اللبنانيين الذين يطالبون بإصلاح شامل للنظام.
واتخذت التحرّكات منحى تصاعدياً منذ الخميس مع ازدياد أعداد المتظاهرين تباعاً، في تحرك شلّ البلد وأغلق مؤسساته كافة. وشكل سعي الحكومة لفرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات الهاتف الخلوي الشرارة التي أطلقت هذه التحركات الغاضبة، إذ لم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة.
ويقول المفتي “دعا الرأي العام نفسه إلى مائدة الكبار، ويعتزم البقاء هناك”.
إلا أن الحراك يفتقر في هذه المرحلة بحسب المفتي إلى شخصيات قادرة على تمثيله والبحث عن بديل سياسي في ظل وضع اقتصادي وسياسي دقيق.
ويتساءل “إذا كانت الحكومة والبرلمان والرئيس لا يمثلون الشارع، فما البديل؟” محذراً في الوقت نفسه من أن “الفراغ ليس خياراً”.