تبرئة رئيس جهاز المخابرات السابق
أمر المدعي العام السويسري بإيقاف التتبعات العدلية ضد بيتر ريغلي في إطار قضية العلاقة السرية للمخابرات ببرنامج الأسلحة الكيماوية بجنوب إفريقيا، خلال فترة نظام الميز العنصري (الأبرتايد).
وقالت وزارة الدفاع، إن هذه الخطوة تبرئ تماما بيتر ريغلي، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية السويسرية من أي عمل يضعه تحت طائل القانون.
جوبهت هذه الخطوة باعتراض ونقد المؤرخ بيتر هوغ، الذي كلفته الحكومة سابقا بالتحقيق حول طبيعة العلاقة بين سويسرا ونظام الميز العنصري، الذي قال بأن قرار المدعي العام "يثير الاستغراب".
وأصدرت وزارة الدفاع بيانا يوم الاثنين 4 يونيو الجاري، جاء فيه أن التحقيق الذي فُـتح حول إتلاف الوثائق السرية ضد طرف مجهول سنة 2004 قد أُغلق، ورحّـبت الوزارة بإيقاف التتبعات ضد ريغلي.
وأضافت الوزارة: أن "ريغلي بريء، وبالتالي، فإن الوزارة تتوجه إليه بالشكر لما قام به من عمل جيِّـد وشاق لصالح قسم المخابرات"، لكن المؤرخ بيتر هوغ يؤكد بأن هناك أدلّـة قاطعة على أن وثائق سرية قد أُتلِـفت.
وأضاف هوغ، الذي كُـلف بمهمة التحقيق في هذه العلاقة من طرف المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم يقول: "لقد اعترف ريغلي نفسه في حوار مع أحد الصحف، أنه أمِـر بإتلاف الوثائق".
وكشف أن العلاقة بين جهازي المخابرات في البلدين، قد امتدت لفترة طويلة وشملت تعاونا في مجال تجارة الأسلحة، وأشار التقرير الذي أنجِـز عام 2005، والذي ينتظِـر النشر إلى حد الآن، إلى أن السلطات السويسرية كانت مُـنخرطة في عملية تبادل مكثفة بين جهازي المخابرات في البلدين.
شكوك وتحقيقات
جاء إعلان يوم الاثنين، الذي أصدرته وزارة الدفاع بعد أربع سنوات تقريبا من نشر تقرير برلماني، يبرئ ريغلي من أي معاملات غير مشروعة، لكن البرلمان انتقد في ذلك الوقت علاقة بيتر ريغلي الوثيقة بالعميل السري السابق ووتر باسون، الذي كانت له بدوره علاقات مع المشرف السابق على برنامج الأسلحة الكيميائية في جنوب إفريقيا.
وانتقد التقرير أجهزة المخابرات لاعتمادها "دبلوماسية الظل" في معاملاتها مع جنوب إفريقيا في الفترة الممتدة بين السبعينات والتسعينات من القرن الماضي.
كما انتقد تقرير البرلمان تجاهُـل الحكومات السويسرية المتتالية، للتحذيرات التي كانت تشير إلى أن جهاز المخابرات كان يعتمد إستراتيجية لا تتفِـق مع السياسات المُـعلنة في علاقته بنظيره الجنوب إفريقي، وأشار التقرير إلى أنه قد سُمِـح للجهاز السري بالعمل من دون أي رقابة مناسبة.
نهاية تحقيق طويل
وكان ريغلي مِـحور العديد من التتبعات العدلية خلال السنوات الثمانِ الماضية، وقد شملت تلك التحقيقات التجسّـس وتزويد جنوب إفريقيا بمواد محظورة.
وكان تتبع جنائي آخر بتُـهمة التجسس غير المشروع ومخالفة القانون القديم حول الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية قد أغلِـق في شهر مايو 2006، بعد انقضاء فترة التقادم الجنائي القانونية.
وتضع نهاية التتبعين حدا نهائيا لعدد من التحقيقات، التي استمرت عدة أعوام، كما يمثل الإعلان، الذي صدر يوم الاثنين 4 يونيو، الثاني من نوعه الذي يبرئ ريغلي، بعد أن برأته وزارة الدفاع سنة 1999 من مجموعة من الاتهامات.
وكانت تصريحات أدلى بها ووتر باسّـون، المسؤول السابق عن برنامج التسلح البيوكيمياوي الإفريقي الجنوبي، الشرارة التي أطلقت كل القضية، حيث صرح أنه استفاد من المساعدة اللوجيستية السويسرية لإبرام صفقة في عام 1992 لشراء نصف طن من مادة ماندراكس Mandrax في روسيا، وهي عبارة عن مخدر قوي كان يعتزم استعماله للسيطرة على المتظاهرين السود.
تحقيقات على كل الجبهات
في سويسرا، اهتمت أجهزة مختلفة إلى حد الآن بالدور الذي لعبته الاستخبارات السويسرية في جنوب إفريقيا.
في هذا السياق، وجّـه البروفيسور راينر شفايتزر (الذي كُـلف في نوفمبر 2001 من طرف وزير الدفاع سامويل شميت، بإجراء تحقيق إداري حول العلاقات بين البلدين) اللوم بخصوص إتلاف وثائق. ففي تقرير نُـشر في موفى عام 2002، انتقد بالخصوص "العمى"، الذي أصاب أجهزة المخابرات السويسرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
من جهة أخرى، انكبّـت مفوضية لجان التصرف في غرفتي البرلمان الفدرالي، المكلّـفة بمراقبة عمل أجهزة المخابرات في الكنفدرالية، في العديد من المرات على هذه القضية منذ بداية التسعينات.
في ديسمبر 1999، سبق لها أن برأت بيتر ريغلي من التهمة الموجهة له بالمشاركة في إنشاء برنامج جنوب إفريقيا للأسلحة البيوكيماوية، لكن المفوضية عادت في تقرير نُـشر في شهر أغسطس 2003 لتوجه إليه اللوم بسبب موقف غير نقدي ومتسامح في بعض الأحيان تجاه نظام الميز العنصري، كما لامته على قيامه بتطوير ما يُـشبه الدبلوماسية السرية الموازية مع بريتوريا.
أخيرا، اهتم الصندوق الوطني للبحث العلمي من ناحيته، بموضوع العلاقات بين سويسرا وجنوب إفريقيا. وكانت الحكومة الفدرالية قد كلّـفت في شهر مايو 2000، فريقا يضم 40 باحثا بتسليط الضوء على مجمل هذه القضايا، تحت إشراف المؤرخ جورج كرايس، إلا أنها وضعت حدودا لاطلاع الباحثين على الأرشيف الرسمي.
سويس انفو مع الوكالات
باختصار
عمل بيتر ريغلي رئيساً لقسم المخابرات الخارجية بين 1991 و2000، ومنح بعدها مباشرة التقاعد المبكر.
برأت التحقيقات والتقارير السابقة بيتر ريغلي من أي تهم تتعلق بمعاملات غير مشروعة. وقد سبق أن برأته وزارة الدفاع في المرة الأولى سنة 1999.
ويضع هذا الإعلان الأخير نهاية رسمية لأي تحقيقات تتعلق بالعلاقة بين جهاز المخابرات السويسرية ونظيره الجنوب الإفريقي.
ولازال التقرير الذي أنجزه بيتر هوغ بتكليف من الحكومة حول العلاقة بين سويسرا وجنوب إفريقيا سنة 2005 ينتظر الإذن بالنشر.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
تم إيقاف التعليقات بموجب هذه المقالة. يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.