تضخم شبه ثابت في تركيا يؤذن ببدء نجاح التحول الاقتصادي لإردوغان

بقي معدل التضخم السنوي في تركيا ثابتا عند نحو 60%، وفق ما أظهرت بيانات رسمية الثلاثاء في أول دليل على نجاح التحول في السياسات الاقتصادية للرئيس رجب طيب إردوغان.
وأعلنت دائرة الإحصاء المركزية أن أسعار المستهلكين ارتفعت بمقدار 61,5% على فترة 12 شهرا انتهت في أيلول/سبتمبر.
وسجلت الأسعار زيادة في آب/أغسطس قدرها 58,9%، مقارنة مع 47,8% في تموز/يوليو.
وسجل تباطؤ في زيادة الأسعار على أساس شهري ليصل إلى 4,8% مقابل 9,1 بالمئة في آب/اغسطس و9,5 بالمئة في تموز/يوليو.
وكان التضخم في أيلول/سبتمبر مدفوعا بشكل رئيسي بزيادة شهرية قدرها 30,3 بالمئة في كلفة التعليم للسنة المدرسية الجديدة. لكن أسعار تجهيزات مثل الألبسة ارتفعت على أساس شهري بنسبة 2,6 بالمئة فقط.
وتظهر البيانات أن معدل التضخم في تركيا بدأ ببلوغ ذروته بعد موافقة إردوغان على رفع معدلات الفائدة.
وأعلن البنك المركزي أواخر الشهر الماضي رفع معدل الفائدة الرئيسي إلى أعلى مستوياته في 20 عاما الى 30 بالمئة لمحاربة التضخم. وفي حزيران/يونيو، رفعت تركيا معدل الفائدة للمرة الأولى منذ سنتين، في تحوّل كبير عن سياسة إردوغان.
ورفعت أنقرة معدل الفائدة من 8,5 الى 30 بالمئة خلال أربعة أشهر فقط.
ورأى المحلل في “كابيتال ايكونوميكس” وليام جاكسون أن “الارتفاع البسيط (وفقا لمعايير تركيا) في التضخم إلى 61,5% الشهر الماضي، مقابل 58,9% في آب/أغسطس، يعطي أول المؤشرات أن ارتفاع التضخم اقترب من الاستقرار”.
– “خيارات صعبة” –
وغالبا ما عارض إردوغان رفع معدلات الفائدة استنادا الى سياساته الاقتصادية غير التقليدية التي تعتبر أن زيادة الفائدة تساهم في التسبب بالتضخم ورفعه عوضا عن ضبطه.
لكنّه عدّل مقاربته بعد فوزه بولاية جديدة في أيار/مايو في أعقاب انتخابات رئاسية متقاربة على خلفية الأزمة الاقتصاديةالتي تمرّ بها البلاد.
وأوكل إردوغان الملف الاقتصادي في حكومته الجديدة الى فريق من الخبراء الذين سبق أن عملوا في وول ستريت ويكتسبون ثقة في أوساط المستثمرين.
وينسب الى وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك الفضل في إقناع إردوغان بتعديل سياسته حيال الفوائد والتضخم، بعد تحذيره من دخول البلاد في أزمة منهجية بحال الاستمرار على المنوال ذاته.
وناهز التضخم السنوي نسبة 85 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهو الأعلى منذ بدء تركيا التحول نحو اقتصاد السوق بالكامل في التسعينات.
وبدأ معدل التضخم بالتراجع تدريجيا بعد ذلك نظرا لما يعرف “التأثير الأساسي”، وهو تسجيل معدلات تضخم مرتفعة لكنها تبدو ضعيفة مقارنة بالمعدلات التي سجّلت في العام السابق.
وفي حزيران/يونيو، تراجع التضخم الى 38,2 بالمئة، وهو أدنى مستوى له منذ 18 شهرا.
وأتاح واضعو السياسات النقدية في تركيا للعملة المحلية (الليرة) أن تفقد 27 بالمئة من قيمتها إزاء الدولار منذ الانتخابات، وزادوا الضرائب لإتاحة المجال لإردوغان لتمويل بعض الوعود التي قطعها خلال حملته.
ورأى محلل شركة ” كونوتوكسيا”، بارتوش ساويكي أن “التضخم في تركيا يغذيه مزيج شرس من أسعار فائدة حقيقية سلبية للغاية، والزيادات الكبيرة في الأجور وإصلاح النظام الضريبي واستمرار ضعف الليرة”.
وبحسب ساويكي فإن الزيارة الشهرية للأسعار “تتفاقم بفعل أرتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار النفط”.
ويرجح خبراء أن يواجه المسؤولون الأتراك ضغوطا لكبح المسار التصحيحي كلما اقتربت الانتخابات البلدية المقررة في آذار/مارس المقبل.
وتهدد معدلات الفائدة المرتفعة بحصول تباطؤ في النمو الاقتصادي ما قد يتسبب في نهاية المطاف بزيادة البطالة.
ويسعى إردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم الى استعادة بلديات مدن كبرى مثل اسطنبول وأنقرة من المعارضة.
ويعتبر الخبير في الأسواق الناشئة تيموثي آش أن أسعار الفائدة يجب أن ترفع “الى ما بين 40 و50 بالمئة على الأقل… لكن الخيارات الصعبة والتسويات قد تؤدي في نهاية المطاف الى تأخير التعافي وتفرض تكاليف أكبر بعيدة المدى على الاقتصاد”.
وأعطت وكالة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني تقييما إيجابيا للسياسة الراهنة، ورفعت توقعاتها على المدى البعيد من سلبية الى مستقرة.
وقالت الوكالة الأسبوع الماضي “نعتقد أنه بحلول عام 2026، وفي غياب أي تجدد لانعدام الثقة السياسية، الفريق (الحكومي) الجديد قادر على إعادة التوازن للاقتصاد… نحو حسابات خارجية ومالية أكثر توازنا، إضافة الى مستويات من التضخم أكثر قبولا”.
وأوضحت الوكالة أن أكثر ما يثير قلقها في هذا المجال هو “خفض بلا هوادة لقيمة العملة” المحلية، و”التدخل السياسي في استقلالية السلطة المالية” من قبل إردوغان.