مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دعم محظور أم واجب مطلوب؟

يجب على العاطلين عن عمل في سويسرا تقديم ما يثبت أنهم يقومون بالبحث المتواصل عن اية فرصة متاحة، قبل السؤال عن أي مساعدة يمكن أن تقدمها لهم السلطات Keystone

بدأت بعض الكانتونات السويسرية في التفكير في حلول لكيفية توجيه مساعدات للعاطلين عن العمل منذ فترة طويلة، بشكل لا يتعارض مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تفرض الإعلان عن جميع أنواع الدعم الحكومي.

ويرى الخبراء أن تلك الخطوة ستنعمكس سلبيا على برامج إعادة التأهيل والتشغيل المؤقت للباحثين عن عمل.

تفرض لوائح منظمة التجارة العالمية على الدوائر الإقتصادية في سويسرا (وفي بقية الدول الأعضاء فيها)، الإعلان عن برامج مساعدات العاطلين، وذلك للوقوف على حجم الأموال المنفقة في هذا المجال.

وتنص اتفاقيات المنظمة على عدم تقديم أي دعم حكومي مالي، على الرغم من أن تلك الأموال قد تساهم مرة أخرى في إعادة العاطلين إلى الإعتماد على النفس وكسب لقمة العيش من خلال مجالات مختلفة، بدلا من انتظار المعونات الإجتماعية.

وطبقا لما جاء في تلك الإتفاقيات، ستقوم الإدارات الإقتصادية في مختلف الكانتونات السويسرية اعتبارا من مطلع عام 2006، بالإعلان عن برامج التشغيل المؤقتة التي تدعمها لفائدة من ضاقت بهم السبل، سعيا منها لمحاولة إعادتهم إلى الحياة العملية ولو من خلال أشغال بسيطة تكون في الغالب لفترات محدودة.

قوانين العمل السويسرية تمنح للعاطل عن العمل حق الحصول على تأمين البطالة لمدة عام كامل، شريطة أن يُـثبت باستمرار أنه يسعى للحصول على وظيفة، وإذا مرت تلك الفترة ولم يجد فرصة جديدة، يتوجه إلى الإعتماد على المساعدات الإجتماعية التي تكون مصحوبة بعدة شروط، من بينها ضرورة الإنخراط فيما يُعرف ببرامج العمل المؤقت.

البحث عن الدعم المحظور

وفي العادة، تقدم الدوائر الإقتصادية المحلية مساعداتها في إطار برامج العمل المؤقتة بعد الإتصال المباشر مع المصانع والشركات أو البلديات والدوائر الجهوية، والسعي إلى التوفيق بين متطلباتها وبين ما لديها من كشوف العاطلين.

وفي اغلب الأحيان تضطر إلى دعم برامج إعادة تأهيل وتدريب الباحثين عن عمل وإن كان بشكل محدود، ليتمكنوا من الحصول على أية فرصة جديدة، حتى ولو كانت في مجال آخر غير التخصص الذي دأب العامل على الإشتغال به.

وفي معظم الحالات تكون الأماكن المتاحة في تلك البرامج المؤقتة محدودة للغاية، ففي كانتون برن على سبيل المثال لا تزيد حاليا عن 520 فرصة، أغلبها في وظائف بسيطة للغاية مثل الأشغال في المجالات العامة كالحدائق والمنتزهات أو ترتيب أقبية المباني الحكومية، أو العمل لسد عجز طارئ في احدى الدوائر الرسمية، في حين يزيد عدد العاطلين في الكانتون عن 15 ألف شخص حسب بيانات مكتب العمل في كانتون برن.

وبالعودة إلى ما تضمنته الإتفاقيات التي وقعت عليها سويسرا بصفتها عضوا في منظمة التجارة العالمية، لا يتاح لكانتون برن المساهمة في مشاريع التشغيل المؤقتة إلا بـ 130 فرنك فقط للشخص الواحد، وتخشى لجان المساعدات الإجتماعية من أن يتم إدراج هذه المساهمة المتواضعة ضمن أشكال “الدعم المحظور”.

كما تبدي الجمعيات الراعية للمشروعات المعنية تخوفاتها من أن يؤدي الإعلان الرسمي عن برامجها “المدعومة” من طرف السلطات المحلية إلى هروب الفرص المتاحة إلى أشخاص لا يستحقونها، حيث عادة ما يُـراعي العاملون في تلك الجمعيات الوضع الإجتماعي أولا واحتمال مساهمة المشروعات البسيطة في إعادة الثقة إلى النفس، وفتح آفاق جديدة في حياة الباحثين عن عمل.

مقترحات الحلول الوسط

وفي محاولة منها لإيجاد حل وسط ، طالبت دائرة الشؤون الإجتماعية في كانتون برن بعدم الإعلان عن كل برامج المشروعات التي تدعمها الدوائر الإقتصادية الرسمية، والإقتصار على تلك المرتبطة ببعض المجالات مثل الفندقة أو أعمال البيع، حيث يتطلب العمل فيهما حدا أدنى من الخبرة، بينما لا تحتاج بقية الأعمال الأخرى إلى دراية كبيرة.

ويتخوف العاملون في مجال الدعم الإجتماعي من أن يؤدي الإعلان عن حجم المبالغ التي تقدمها الدوائر الإقتصادية إلى تقليصها، خوفا من الوقوع تحت طائلة “الدخول في المحظورات” التي تفرضها بنود اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.

في الوقت نفسه، بدأت الأجهزة الرسمية تبحث عن السبل الكفيلة بتوضيح الفرق بين ما يمكن أن يدخل تحت باب “الدعم”، وبين ما يعتبر “واجبا اجتماعيا”، لا يمكن التخلي عنه، فيما تدل كل المؤشرات على تراجع واسع في الإلتزام بهذه الواجبات (من طرف السلطات المحلية والفدرالية عموما) تارة تحت باب التوفير والتقشف، وتارة أخرى من باب الإلتزام بالاتفاقيات الدولية.

أما النقابات العمالية فتطالب بتوجه آخر تماما، يتمثل في زيادة الفترة التي يتمتع فيها العاطلون بتأمينات البطالة إلى عامين بدلا من سنة واحدة حاليا، وهو مطلب من الصعب أن يتحقق في ظل الأزمة المالية التي يعاني منها صندوق المعاشات والتأمينات وارتفاع أعداد الباحثين عن عمل إلى أرقام قياسية لم تشهدها سويسرا منذ عدة أعوام.

الإمساك بالعصا من الوسط

في المقابل، تطالب الأحزاب اليمينية بربط المساعدات الإجتماعية المقدمة للعاطلين عن العمل بمدى جديتهم في البحث عن مجالات عمل جديدة، وتشترط أن تكون استكمالا لما لم يتمكن الشخص من الحصول عليه كحد أدنى للمعيشة شهريا، وبالتالي فلا يمكن النظر إلى هذه الأموال على أنها “دعم محظور”، بل اعتبارها مجرد مساهمة أو مكافأة وحافزا له ولغيره من أجل السعي دائما للبحث عن عمل.

ويرى بعض المتخصصين في هذا الأسلوب تحديا مزدوجا. فهو من ناحية يحفز العاطلين للبحث عن عمل في سوق الشغل وعدم التواكل على الدولة والجهات الرسمية، وهو يضع السلطات من جهة أخرى أمام مأزق اخلاقي حيث تحاول التوفيق بين ما التزمت به في اتفاقيات دولية ملزمة، وبين واجباتها التي يفرضها عليها الدستور الفدرالي من حيث توفير سبل المعيشة المناسبة للمواطنين وتقديم المساعدة الضرورية لهم لتحقيق ذلك.

ومن المتوقع أن ترفع الدوائر الإقتصادية الرسمية في سويسرا يدها تدريجيا عن تقديم أي دعم لفائدة برامج التشغيل المؤقت، في مقابل فتح مجالات إعادة التأهيل لفترات محدودة بوجه العاطلين عن العمل، وبذلك تكون قد أمسكت بالعصا من الوسط، فلا هي تخلت عن التزاماتها القانونية، ولا هي أخلت بواجباتها تجاه مواطنيها.

تامر أبو العينين – سويس انفو

تبلغ نسبة البطالة في سويسرا حاليا 4.1%
فاق عدد العاطلين عن العمل في كانتون برن 15000 شخص.
يوفر الكانتون حاليا 520 فرصة عمل مؤقتة فقط.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية