مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دلالات مهمة في اتفاق نشر قوات مصرية مع غزة

وزير الدفاع الفلسطيني ناصر يوسف رفقة ضباط مصريين خلال تفقدهم لقوات أمن فلسطينية في ثكنة عسكرية بمدينة غزة يوم 20 أغسطس 2005 Keystone

في الأفق جديد مهم في العلاقات المصرية الإسرائيلية، وهو اتفاق نشر قوات حرس حدود مصرية على الشريط الحدودي بين مصر وغزة بعد انتهاء الانسحاب الإسرائيلي العسكري منه.

ويمكن القول أن هذا الاتفاق أنهى من حيث المبدأ مسألة عزل المنطقة الحدودية المصرية الإسرائيلية من السلاح المصري.

الكثير من تفاصيل الاتفاق قد ابرم تماما، لكن نقطتين جوهريتين ما زالتا تحت البحث والدراسة، وتتعلقان أساسا بتشغيل معبر رفح البرى بين القطاع ومصر وميناء غزة. وهما نقطتان تتعلقان أساسا بموقف مصري فلسطيني يعمل من أجل أن يكون الانسحاب الإسرائيلي من أراضى القطاع كاملا، ودون ذيول في أي صورة كانت.

والنظر إلى الاتفاق بهذا المعنى يمكن أن يفرق بين أمرين، الأول يخص العلاقات المصرية الإسرائيلية، والتي تحكمها معاهدة السلام الموقعة بين البلدين في مارس 1979، والثاني يخص العلاقات المصرية الفلسطينية وتنظيم العبور والانتقال بين الحدود الأراضي المصرية وغزة الفلسطينية بعد انتهاء الانسحاب الإسرائيلي منها، في مطلع أكتوبر القادم حسب المعلن إسرائيليا.

ترابط وتشابك

توضح النقطتان بهذا المعنى حجم الترابط والتشابك بين تطور العلاقات الثنائية بين القاهرة وتل أبيب من جهة، وبين تطور الأوضاع على الأرض الفلسطينية من جهة أخرى، وبما يجسد علاقة ثلاثية بحكم الأمر الواقع، ومن خلفها ظلال أمريكية كثيفة لا تخطئها العين، وبما يسمح بالقول أننا أمام علاقة ذات أربعة أضلاع يسند أحدها الآخر.

هذا التحول تعود أهميته إلى أن العلاقة المصرية الإسرائيلية مشدودة بدرجات مختلفة مع علاقة كل طرف منهما بالولايات المتحدة، والتي هي طرف أصيل في التوقيع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبما يضع عليها عبء مباشر في استمرار الطرفين بالتمسك بالمعاهدة.

وهو ما يظهر جليا في أمرين؛ الأول أن المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي توفرها واشنطن للبلدين مبنية أساسا على استمرار المعاهدة عملا وروحا، والثاني وهو قيام الولايات بالعبء الأكبر فيما يعرف بالقوات متعددة الجنسيات الموجودة وسط سيناء والمكلفة بمهمة مراقبة تطبيق الطرفين الالتزامات العسكرية بينهما الواردة في المعاهدة، والتحقق من التزامهما بأحجام القوات وانتشارها حسب الوارد في الملاحق العسكرية للمعاهدة.

تغير جوهرى

إذا ربطنا هذا الأمر بما اتفق عليه الطرفان المصري والإسرائيلي بنشر قوة حرس حدود ذات تسليح متوسط، فإننا نكون أمام تغير جوهري حقيقي قياسا لما ورد في المعاهدة، والتي قسمت سيناء عمليا إلى ثلاث مناطق، منها المنطقة ” ج ” والتي تمتد بطول سيناء من الشمال إلى الجنوب والمحاذية للحدود مع الأراضي الفلسطينية في غزة بطول 14 كلم، ثم صحراء النقب التي تمثل حدود إٍسرائيل الجنوبية مع مصر وصولا إلى إيلات على خليج العقبة، وهى المنطقة الشبه منزوعة السلاح، ويقصر التواجد الأمني فيها على قوات الشرطة ذات التسليح الشخصي وحسب.

ولذلك فإن اتفاق نشر الجنود المصريين يغير من هذه السمة تغييرا جذريا. فهؤلاء سيكونون من حيث العدد في حدود كتيبة ذات 750 جنديا، ومزودين بعربات مدرعة مجنزرة وأسلحة ميدانية منها صواريخ قصيرة المدى، وعربات سريعة الحركة وأجهزة اتصال لاسلكية متطورة، إضافة إلى 30 جنديا مصريا تابعين لحرس السواحل، بإمكانات بحرية معقولة لحماية الشريط الساحلي والحدود البحرية بين مصر وغزة.

قضايا أمنية ضاغطة

وبهذا يمكن القول إن هذا الاتفاق أنهى من حيث المبدأ مسألة عزل المنطقة الحدودية المصرية الإسرائيلية من السلاح المصري، حتى على الرغم من أن مساحة الانتشار محددة بـ 14 كلم وحسب. وبالرغم من أن الاتفاق يشير في ديباجته انه مكمل لمعاهدة السلام ولا يناقض بنودها، فإن الواقع على الأرض يقول بغير هذا.

والنقطة المركزية هنا أن العلاقات المصرية الإسرائيلية طوال الأعوام الـ 27 الماضية، فُرض عليها فرضا أن تتعامل مع القضايا الأمنية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وهى قضايا تمس مصالح جوهرية مشتركة لكل الأطراف، ولم يكن أمام أي طرف القدرة على تجاهلها أو التعامل معها على أنها غير موجودة.

وبالتالي كان الاختيار هو مواجهتها والتوصل إلى حلول مشتركة لها، ولو بالتحايل القانوني والشكلي على بعض بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ومن خلال الاتفاق المفصل والقابل لعملية مراجعة كل عام لتنقيحه وزيادة فعاليته إذا ثبتت ضرورة ذلك.

وإذا وضعنا مثل هذه النتيجة في سياق مستقبلي، يمكن ترجيح الاتفاق على عديد من التغييرات في صلب المعاهدة نفسها، لكي تتوافق مع الوقائع الجديدة التي تفرض نفسها فرضا على الأرض.

وما يلوح في الأفق الآن قضية تعزيز الأمن في سيناء لمواجهة الإرهاب سواء لأسباب محلية أو دولية. وهذه قضية، كما هو ظاهر لم تعد تحتمل التهاون، لاسيما وأنها عبرت عن قدرتها على عبور الحدود بين أكثر من دولة في آن واحد.

وعلينا هنا أن نتذكر أن الاتفاق من حيث المبدأ على نشر جنود مصريين على الحدود مع القطاع كان تم التوصل إليه قبل عام ونصف، تم استهلاكها في بحث التفاصيل من كل الزوايا، القانونية والعسكرية والتسليحية والأمنية وهكذا. الأمر الذي يجعل صيغة الاتفاق اقرب إلى اتفاق سياسي فني أمنى عسكري في آن واحد.

البعد الفلسطيني

إذا انتقلنا إلى البعد الفلسطيني في الاتفاق وهو محل مناقشة مستفيضة مع الجانب الإسرائيلي، يلفت النظر أمران، الأول أن هناك اتفاق مصري فلسطيني على أن يكون معبر رفح بين الطرفين مفتوحا وتحت السيادة الفلسطينية الكاملة، وهو ما يعنى عدم وجود أي إسرائيلي تحت أي مسمى. والمبدأ هنا أن وجود أي إسرائيلي يعنى أن القطاع لم يتحرر بعد، وانه تحول إلى سجن كبير بدلا من أن يكون نقطة انطلاق نحو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة. إذ أن الوجود الإسرائيلي الأمني في المعبر يعنى أن إٍسرائيل ما زالت تتحكم في حركة الدخول و الخروج للأفراد والسلع من وإلى القطاع، وهو ما لا يقبله الطرفان المصري والفلسطيني.

أما النقطة الثانية فتتعلق بمسألة المخارج المناسبة لحل هذه “العقدة”، والمطروح فكرة جارى بحث تفاصيلها، هي استقدام طرف ثالث يعنى بالتواجد على الجانب الفلسطيني، وتكون مهمته المتابعة عن بعد لما يمكن أن يدخل غزة من أسلحة وأفراد تعتبرهما إسرائيل من الممنوعات الكبرى سواء من معبر رفح البرى مع مصر أو من خلال مطار غزة، الذي يطالب الفلسطينيون بأن يكون تشغيله فلسطينيا مائة بالمائة ووفق اتفاقيات دولية معمول بها في مجال تنظيم حركة الطيران المدني العالمية.

والمطروح هنا فكرتان نظريتان، إما أن يقوم الاتحاد الأوربي من خلال مراقبين مدنيين وأمنيين بهذا الدور، أو أن تتعاون دول اللجنة الرباعية في هذه المهمة، وهى روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي معا، وربما تشكل الأمم المتحدة مظلة معنوية وسياسية لهؤلاء المراقبين.

وبغض النظر عن الصيغة التي سيتم بها حسم هذه “العقدة”، فالواضح أن غزة تتحرك صوب نوع من الاستقلال الذاتي، مع قدر من الرقابة الدولية المحدودة لحركة الخروج والدخول منها، ولكنها رقابة ستكون أرحم كثيرا من تلك التي مارسها الاحتلال في السنوات الكئيبة الماضية.

وإذا عدنا إلى صدر هذا التحليل، سيتضح أن العلاقة بين القاهرة وتل أبيب باتت متصلة عضويا بما يجرى حول غزة وفى داخلها. وان تعديل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على نحو أو آخر لم يعد أمرا مستحيلا، بل مرجحا ولكن بشروط تتفاعل في الواقع بكل قوة. وهذا بدوره مكسب استراتيجي كبير لمصر.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية