مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ذكرى مائوية في ظروف غير عادية

شكلت الصناعات المعدنية حجر الزاوية في الإقتصاد السويسري على مدى قرن كامل لتواجه الآن تحديات جسيمة swissinfo.ch

يحتفل الإتحاد السويسري للصناعات الميكانيكية والكهربية والمعدنية هذا العام في زيورخ بذكرى مرور قرن على تأسيسه.

واختار الإتحاد موضوع “مستقبل التصنيع في سويسرا” شعارا للاحتفال، وسط مخاوف متعددة حول تلك المكانة التي تتهددها عوامل مختلفة.

عكس الاحتفال بذكرى مرور قرن على تأسيس الإتحاد السويسري للصناعات الميكانيكية والكهربية والمعدنية SWISSMEM يوم 24 يونيو الماضي في زيوريخ نوعين من المخاوف التي يشعر بها العاملون في هذا المجال، أصحاب الشركات والمؤسسات من ناحية، والعلماء والمشتغلين في البحث العلمي من ناحية أخرى.

فالفريق الأول يتخوف من تراجع قوة القدرة التنافسية للصناعة السويسرية على الصمود دوليا، بعد أن بات التنافس شديدا بسبب تكاليف الإنتاج الزهيدة في آسيا وشرق أوروبا. ولكنهم في الوقت نفسه يعولون على الابتكار والتجديد في المنتجات، حيث من المفترض أنها الميزة التي فتحت الأبواب المغلقة أمام المنتجات السويسرية.

أما الفريق الثاني فهو من الباحثين الذين يرون مخاطر مختلفة تهدد المكانة العلمية لسويسرا، مثل تراجع عدد الطلاب المهتمين بالبحث العلمي، بسبب عدم وجود الإمكانيات المالية المناسبة، مما سيؤثر على الأيادي العاملة المدربة بالكفاءة التي تحتاجها الصناعات الدقيقة.

ويصب الاهتمامان في بوتقة واحدة لم تصل محتوياتها بعد إلى درجة الانصهار، في انتظار الإجابة عن السؤال: هل تراجعت المسؤولية الاجتماعية – الإقتصادية من على عاتق الدولة لتقع بالكامل على كاهل القطاع الصناعي والخاص؟

إلا أن السيدة دوروتيه تيفيناور، المتحدثة الإعلامية باسم swissmem، قالت في حديثها مع سويس انفو، بأن المستقبل في صالح المسؤولية الاجتماعية – الإقتصادية المشتركة بين الجميع مع توزيع الأدوار والمسؤوليات، وذلك استنادا إلى التجارب الإيجابية التي شهدها مشوار الإتحاد على مدى قرن كامل، حسب قولها.

فمن أهم المحطات البارزة في تاريخه، الاتفاق الموقع في عام 1937، الذي يوصف إلى اليوم بأنه “معاهدة سلام” بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال، حيث تمكن الطرفان من خلاله من وضع قواعد عامة ثابتة للعلاقة بينهما، تسير عليها الصناعات التعدينية والكهربائية والميكانيكية إلى اليوم، وتتغير في بعض تفصيلها حسب الحاجة ومتطلبات العصر، وإن كانت تميل في الغالب لصالح رأس المال. وترى السيدة تيفيناور أن تلك الإتفاقية والتطورات التي رافقتها خلال عقود هي دليل على شعور الطرفين (أصحاب الشركات والعمال) بالمسؤولية المشتركة.

بداية مشجعة وحاضر مقلق

شتان بين البداية في عام 1905، واليوم بعد مائة عام، فعندما اجتمع آنذاك أصحاب 79 شركة للصناعات التعدينية لتكوين جناح يواجه الاتحادات العمالية التي نشأت في تلك الفترة، كانوا يدركون بأن مصالحهم كأصحاب رؤوس أموال، تتطلب تعاملا قويا مع السياسة وتراض مع العمال، ووضعوا منذ تلك اللحظة الخطوط الأساسية للعلاقة بين رأس المال والعمال من ناحية، وبين البحث العلمي والتأهيل والاحتياجات التسويقية من ناحية أخرى، ومع اقطاب السياسة والأحزاب على محور ثالث. وتبلور ذلك في تأسيس مدرسة إعداد الكوادر في عام 1946، والتي تصفها السيدة تيفيناور بأنها إحدى النجاحات البارزة في مسيرة swissmem.

أما اليوم، فقد اجتمع أعضاء الإتحاد للاحتفال بما حققوه من انجازات خلال قرن، وفي الوقت نفسه للتعبير عن مخاوفهم من مستقبل سويسرا كساحة للصناعة والإنتاج، بعدما تغيرت الأجواء في أوروبا والعالم بأسره، إلا أن المتحدثة باسم swissmem ترى بأن الصناعة السويسرية ستتواصل بنفس المستوى التقني المتميز، لأن الشركات مهتمة بالبقاء على قيد الحياة. كما أن التفوق العلمي الكبير المعروف عن سويسرا يساهم في في ذلك، فسويسرا حريصة على البحث العلمي والابتكار، وهما من أهم مفاتيح التفوق التقني والصناعي، حسب رأيها.

وأثبتت تجربة الإتحاد خلال مسيرته أنه نجح في تحويل سويسرا إلى إحدى الدول الصناعية الهامة في قلب أوروبا، رغم افتقارها إلى المواد الخام الأساسية. لكن سلاحها الأول كان الابتكار وتقديم كل ما هو حديث، بمعايير ومواصفات تتفوق أحيانا على مثيلاتها الأوربية.

فقد كانت سويسرا من أوائل الدول الأوروبية التي نجحت في الصناعات الميكانيكية الدقيقة في أجهزة القياس مثلا وتسجيل البيانات، ولها باع طويل في تطوير آلات صناعة النسيج، ومعدات تصنيع المواد الغذائية والكيماويات. كما تركت أسماء لامعة في مجالات إنتاج معدات الطاقة الكهربائية، وقد واكبت بذلك كل ما هو جديد في تلك المجالات، بل كانت في العديد من الأحيان صاحبة الابتكار المتميز في تطبيقات متعددة.

مواجهة التحديات بالتفاعل مع الواقع

لكن الخوف اليوم يسيطر على الصناعات التعدينية والميكانيكية والكهربائية في سويسرا بشكل كبير؛ فنسبة متنامية من الشركات الكبرى بدأت في نقل خطوط إنتاجها بالكامل إلى دول ذات عمالة رخيصة، سواء في جنوب شرقي آسيا أو في شرق أوروبا لتضمن إنتاجا بأسعار منافسه، في مقابل بطالة يطل شبحها على عمال الشركات التي تحرص على البقاء في الكنفدرالية في جميع القطاعات.

ووسط تلك المخاوف، ناشد رئيس الاتحاد يوهان شنايدر-أمان المحتفلين بالذكرى المؤوية لتأسيس الإتحاد بضرورة التركيز على الحفاظ على مكانة سويسرا الإنتاجية، وتحمل المسؤولية من خلال الاستثمار الكافي في البحث العلمي والابتكار والتعليم والتأهيل، بهدف ضمان الحضور المتواصل في أهم الأسواق التصديرية. وأشار السيد شنادير-أمان في هذا السياق إلى أن فرص سويسرا للاستفادة من التحولات التي يعيشها السوق على الصعيد الدولي كبيرة للغاية.

وذهب رئيس الإتحاد إلى أبعد من هذا حين طالب الناخبين السويسريين بالموافقة على انضمام الدول الأعضاء الجدد في الإتحاد الأوروبي إلى اتفاقية حرية تنقل الإفراد بين سويسرا وبروكسل، من خلال الاستفتاء الشعبي المزمع إجراؤه في 25 سبتمبر المقبل، على اعتبار أن سويسرا بحاجة إلى أسواق جديدة، وإغلاق الباب من جانب واحد لا يساعد على التبادل التجاري الحر، على عكس الآراء التي ترى بأن هذا الانفتاح غير المحدود على دول الجوار قد يعود على سوق العمالة في الداخل بسلبيات مختلفة.

في قلب مرحلة الإنتقال

وتصف السيدة تيفناور الموقف الراهن بأنه مرحلة انتقال، مشددة على أن “لا أحد يستطيع صد تيار العولمة، ولكن يجب على الجميع التعامل معها، ومحاولة البقاء على المكاسب التي حققتها الصناعات السويسرية خلال عقد من الزمن”. فليس من المتوقع، حسب رأيها، “أن تتحول سويسرا إلى دولة للخدمات المالية والمصرفية، فلا تعداد السكان يسمح بذلك، ولا الخلفية الصناعية والعلمية أيضا، بل ستكون هناك بعض التغيرات في الاهتمامات التصنيعية والعلمية”.

ويعني ذلك أن المرحلة المقبلة تتطلب من تلك الشركات وضع آلية جديدة للتخطيط للمستقبل لتحديد كيفية مواجهة التنافس الشديد في السوق السويسرية وفي الخارج أيضا. وإذا كان الإتحاد قد نجح من قبل في تكوين جماعات تراعي مصالحه داخل أروقة السياسة بشكل جيد، واستطاع أن يكسب الدعم المناسب للعديد من القطاعات والمجالات، فإن دور تلك الجماعات سيتواصل ولكن بشكل يختلف عما كانت عليه من قبل، فالسياسة السويسرية تفتح الباب أمام الاقتصاد وتدعمه إذا اقتضت الحاجة.

صحيح أن الاحتفال بمؤوية swissmem يتم في ظروف حرجة، لكنها لم تكن الوحيدة في تاريخ الإتحاد. وكما استطاع الإفلات من عنق الزجاجة أكثر من مرة، فقد ينجح أيضا هذه المرة في ذلك، غير أن الصورة لن تكون بالتأكيد كما كانت عليه من قبل، فعجلة الاقتصاد تدور، ولكن ليست بوتيرة واحدة، وما كان بالأمس سريعا أصبح اليوم يقارن بسرعة السلحفاة، ولا يدري أحد ماذا يخبأ الغد من مفاجئات.

تامر أبوالعينين – سويس انفو

تأسس الإتحاد السويسري للصناعات الميكانيكية والكهربية والمعدنية (SWISSMEM) قبل قرن بعضوية 79 شركة، بلغ عددها الآن 920، ويعمل بها 138000 شخص.
يوفر مجال الصناعات التعدينية والكهربائية والميكانيكية في سويسرا 307000 فرصة عمل.
75% من إنتاج تلك الصناعات يذهب إلى التصدير.
68% إلى الإتحاد الأوروبي، 16% إلى آسيا و11% إلى أمريكا الشمالية.
تحقق مبيعات سويسرا في هذا المجال 59 مليار فرنك سنويا.

يحتفل اتحاد الصناعات المعدنية والميكانيكية والكهربية في سويسرا هذا العام بذكرى مرور قرن على تأسيسه. لكن التغير الكبير الراهن في الإقتصاد الدولي، يرى فيه بعض الخبراء تهديدا لساحة سويسرا الإنتاجية. بينما يعتبر البعض الآخر أن المرحلة الحالية هي فترة انتقالية لابد من التفاعل معها ايجابيا والإستفادة من امكانيات سويسرا التصنيعية والعلمية بأسلوب جديد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية