مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زيارة تاريخية تثير جدلا تاريخيا

زيارة البابا يوحنا بولس الثاني قوبلت بمقاطعة مسيحية لبنانية شبه كاملة Keystone

" زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى سوريا ، ربما ستكون الأكثر إثارة للجدل من كل جولاته مجتمعة في العالم " .بهذه التعابير المجلجلة لخّص مصدر دبلوماسي غربي لـ " سويس إنفو" نتائج زيارة الحبر الأعظم إلى بلاد الشام .ويبدو أن هذا الدبلوماسي كان على حق .

خلف كل نداءات السلام ودعوات المحبة التي واكبت زيارة البابا ، كان ثمة ديناميات أخرى أكثر قوة تفعل فعلها . ديناميات سياسية وأيديولوجية في آن واحد .

فمسيحيو لبنان ، على سبيل المثال ، ( وهم المعنيون أكثر من غيرهم بمضاعفات وجود البابا عند ” خصمهم ” السوري ) قاطعوا رحلة البابا بالإجماع تقريبا . ولم يشذ عن ذلك سوى مجموعة مسيحية صغيرة شديدة التمسك بالدين في شمال لبنان تطلق على نفسها أسٍم ” جماعة الموعوظين ” . وهي أوفدت إلى العاصمة السورية نحو 150 من اتباعها .

أما أسباب المقاطعة المسيحية اللبنانية فواضحة : إعلان الدعم لبطريرك الموارنة صفير الذي قاطع هو الأخر الزيارة ، احتجاجا على استمرار الوجود العسكري والأمني السوري في
لبنان .

والمسلمون في لبنان وباقي أنحاء المنطقة العربية ، لم يكونوا أقل امتعاضا من نتائج الزيارة . إذ برغم أن البابا يوحنا بولس الثاني زار مسجدا ، هو الجامع الأموي الكبير ، للمرة الأولى في التاريخ ، إلا أن الأوساط الإسلامية سجلت الملاحظات الآتية : أولا ، لم يعرف على وجه الدقة ما إذا كانت زيارة المسجد هي اعتراف مسيحي كاثوليكي رسمي بان المسجد ، وبالتالي الإسلام ، دين مقدس . كما لم يعرف ما إذا كان البابا قصد بالفعل زيارة الجامع الأموي ، أم الكاتدرائية البيزنطية التي بني عليها هذا الجامع في القرن السابع الميلادي والتي تحتوي على رفاه يوحنا المعمدان .

ثانيا ، البابا ، وعبر دعوته إلى الحوار مع الإسلام والى أن ” يغفر كل جانب للآخر الخطايا التي ارتكبها في الماضي ” ، رفض عمليا الاعتذار للمسلمين عن خطايا الحروب الصليبية ، كما فعل في أثينا مع الأرثوذكس .
لا بل أكثر : سمع بعض المسؤولين العرب من أسقف فاتيكاني كلاما يشدّد على أنه ” يتعّين على المسلمين الاعتذار أولا للمسيحيين عن ” غزوهم ” ( على حد قوله ) للهلال
الخصيب البيزنطي في القرن السابع الميلادي ، ثم لجنوب أسبانيا ( الأندلس ) وبعدها لوسط أوروبا ” .

من الرابح؟

ألان ، وإذا ما كانت الصورة على هذا النحو ، فهل هذا يعني أن أحدا لم يخرج راضيا عن زيارة البابا لسوريا ؟
كلا . فهناك سوريا نفسها ، التي كانت الرابح الأكبر في الواقع .
إذ أن هذه الجولة أفادتها إلى حد كبير في مجال العلاقات العامة والسياحة ، بصفتها المهد الأول للمسيحية ، وبكونها أيضا قاعدة آمنة للتعايش الناجح بين المسلمين والمسيحيين .

والاهم منذ هذا وذاك أن الرئيس السوري بشار الأسد ، أغتنم فرصة زيارة الحبر ليقدم المزيد من ” أوراق الاعتماد ” إلى الشعب السوري خاصة والعرب عامة ، بصفته بطل المواقف القومية العربية ضد إسرائيل والصهيونية .

ولم يكن بسيطا ، على أي حال ، أن يدعو الأسد المسيحيين والمسلمين إلى التوحد ضد من
” صلبوا السيد المسيح وخانوا النبي محمد ” ، وأيضا ” ضد من يقتلون مبدأ المساواة حين يتحدثون عن أن الله خلق شعبا متميزا عن باقي الشعوب ” ، على حد تعبيره . و برغم أن هذه المواقف جرّت على الأسد ، وستجر عليه أكثر ، حنق الإسرائيليين والغربيين ، إلا انه بلا شك قطف ثمارها سلفا في شكل شعبية متزايدة في المنطقة العربية .

لقد غادر البابا يوحنا بولس الثاني الشرق الأوسط مخلفا وراءه الغبار والتساؤلات أكثر من الأفكار والتأملات . وبرغم انه ينبغي الانتظار قليلا لمعرفة ماذا إذا كانت الزيارة ستؤدي إلى إيجابيات ما ، خاصة على صعيد العلاقة بين دمشق ومسيحيي لبنان ، إلا أنه يمكن القول أن الدبلوماسي الغربي لم يمكن مخطئا كثيرا : فزيارة سوريا ستكون بالفعل من اكثر جولات البابا التاريخية .. إثارة للجدل التاريخي ! .

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية