مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عراقيو سويسرا بين الارتياح والترقب

Keystone

يشعر العراقيون المقيمون في سويسرا بنفس البهجة والارتياح جراء الانهيار السريع لنظام صدام حسين، لكنهم لا يمتلكون بالضرورة تصوُّرا مُوحدا لمستقبل البلاد.

سويس انفو أجرت لقاءات مع عدد من هؤلاء المواطنين الذين لا يختلفون حول ضرورة مغادرة القوات الأمريكية بلادهم عاجلا أم آجلا!

يتابع عراقيو سويسرا من عرب وأكراد عن كثب التطورات المتسارعة والمتلاحقة في بلادهم منذ سقوط نظام صدام حسين بين عشية وضحاها، تحت صواريخ الآلة الحربية الجبارة للولايات المتحدة.

ويشارك هؤلاء العراقيون فرحة شعبهم بزوال النظام مثلما يشاركونه تساؤلاته وتوجسه حول مستقبل البلاد ومصير ثرواتها ومدة التواجد الأمريكي البريطاني فوق ترابها.

“نداء العراق”

وقد وجهت الجالية العراقية في سويسرا نداء يوم الأحد 13 أبريل الجاري إثر اجتماع ضم مختلف أطياف المجتمع العراقي في قاعة المركز الثقافي العربي السويسري في زيوريخ.

وأكد الموقعون على “نداء العراق” ترحيبهم “بزوال النظام الديكتاتوري البغيض” ولو أنهم كانوا يتمنون “أن يتم ذلك بأيد عراقية”. وتضمن البيان سبعة مطالب أساسية لعل أبرزها مطالبة “سلطات التحالف باحترام الالتزامات الدولية” و”ضرورة حماية الشعب العراقي كله وممتلكات دولته وتراثه الحضاري والإنساني ومقدساته الدينية”.

كما طالب البيان “الزعماء الوطنيين العراقيين من معارضي الداخل والخارج بالتحرك السريع لتشكيل حكومة وطنية عراقية تمثل الشعب العراقي كله دون استثناء أو تمييز.

وناشد الموقعون على البيان أبناء الشعب العراقي في داخل الوطن “بضرورة التحلي بالصبر وضبط النفس والابتعاد عن الثار والأحقاد وترك المسيئين للمحاكم العراقية العادلة لتقول كلمتها بعد استتباب الأمن”.

ودعا “نداء العراق” وسائل الإعلام وخصوصا العربية منها “الكف عن إثارة النعرات والأحقاد والتشويهات والسموم التي تبثها” عن الشعب العراقي والتركيز على “إشاعة ثقافة التسامح بين العراقيين.

حرقة على الوطن

عراقيو سويسرا منشغلون بطبيعة الحال بعمليات النهب والسلب التي اتخذت أبعادا مُخيفة وخيالية في مختلف أنحاء البلاد ولم تستثن المتاحف والجامعات ولا حتى المستشفيات.

وعن هذه الصور التي تتناقلها شاشات العالم بأسره، يقول أول الموقعين على “نداء العراق”، الشاعر العراقي علي الشلاه مدير المركز الثقافي العربي السويسري في زيوريخ، يقول بحرقة وأسى في تصريح لـ “سويس انفو”، “قلبي الآن على العراق، على ما يحصل في بلدي، على حالة الفوضى التي تعم البلد…أريد أن أقول لكل إخواني العراقيين…لقد ولى الديكتاتور، لكن يجب علينا أن نثبت أننا كنا نعارض الديكتاتور ولم نكن نعارض الوطن”.

أما مُواطنه ثامر السبع الجميلي، مديرُ “السنابل”، المُلتقى الثقافي العربي السويسري في مدينة لوزان، فيوضح أن ما نشاهده من نهب وسرقة وفوضى عارمة في العراق قد يحدث في أية دولة بغض النظر عن مستوى فقرها أو تقدمها. وأعرب السيد الجميلي عن “تفهمه للعراقيين الذين لديهم شعور بالثأر من كل رموز السلطة…التي حرمتهم من أبسط الوسائل المعيشية”.

ولم يغفل رئيس مُلتقى “السنابل” الإشارة إلى “الحصار الظالم” الذي عانى منه العراقيون طيلة 12 سنة و”الفقر المدقع الذي بات واضحا على سماهم”. هذه العوامل تجعل السيد الجميلي لا “يندهش ولا يستغرب عندما يرى العراقيين يذهبون إلى أي مكتب تابع للسلطة السابقة من أجل أخذ ما هم بحاجة إليه”.

نفس التفهم أبداه الممثل الخاص للإدارة الكردية في شمال العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف، بيريس زيباري، الذي عزى عمليات النهب إلى شعور بالغضب ورغبة في الانتقام من السلطة.

من ناحيته، يصف الدكتور عبد الله سكر الغزالي رئيسُ اتحاد العراقيين في سويسرا، الفوضى الشاملة التي تعيشها بلاده بـ “مأساة بكل معنى الكلمة”. ويرى الدكتور الغزالي أن هذه المأساة نتيجة للكبت والفقر والحكم المسيطر والمعتدي، الذي عانى منه الشعب العراقي طيلة خضوعه لنظام صدام حسين.

ماذا حصل ليلة 8 الى 9 أبريل؟

أما تبخر المقاومة في الليلة ما بين 8 و9 أبريل في العاصمة العراقية والسرعة التي انهار بها الرجل الذي زعم “أن مغول العصر سينتحرون على أسوار بغداد”، كما يذكر الشاعر العراقي علي الشلاه في إشارة إلى صدام حسين، هذا التبخر الذي فاجأ الشارع العربي والمراقبين الدوليين لم يثر استغراب كافة محاورينا حيث يقول، “الرؤيا كانت واضحة للعراقيين منذ البداية لكن الإخوة العرب لم يفهموا الحقيقة…هناك أناس مسجونون في سجن كبير تعرض إلى غارة، كيف يُتوقعُ أن يقف هؤلاء المسجونون مع السجان؟”.

ويذَكِّر الشاعر العراقي أن الحرس الجمهوري الذي كان ينتظر منه الكثيرون شنَّ معارك ضارية مع الجنود الأمريكيين للدفاع عن بغداد بدمائه “اعتاد على الهزيمة منذ عام 91 وأدرك كيف يمكن أن ينجو الإنسان بجلده في هذه الحالات”. ويوضح أن عناصر الحرس الجمهوري كانت “تأخذ معها الملابس المدنية إلى الوحدات العسكرية لترتديها في ساحة الحسم لأنها لم تكن مستعدة للقتال مع صدام”.

أما مدير الملتقى الثقافي العربي السويسري فيشير إلى أن المقاومة كانت تتشكل من الحرس الجمهوري وفدائيي صدام وهي فرق وصفها بـ “فرق القتل والتنكيل والتعذيب”. ويوضح السيد الجميلي أنه بعد تكبد الحرس الجمهوري خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات من جراء القصف الأمريكي المكثف على بغداد، لم يكن يُتوقع أن يقاوم المواطن العراقي البسيط مشاة البحرية الأمريكية من أجل نصرة نظام صدام حسين.

وإن توقع السيدان الشلاه والجميلي انهيار بغداد بسرعة وبسهولة، فإن الدكتور الغزالي لم يخف اندهاشه من الحدث الذي وصفه بالـ”الغريب والمفاجئ” متسائلا “أين هذا الجيش الرابع في العالم؟” ومعربا عن إحساسه أنه “في الأمر صفقة” وأنه لا يقدر على تعليل هذا الإحساس سياسيا.

لا نريد “قرضاي عراقي”

وعن تصورهم لنظام الحكم المقبل في العراق، يتفق العراقيون المقيمون في سويسرا على ضرورة تمثيل الحكومة القادمة لكافة الطوائف الدينية والعرقية للمجتمع العراقي. ويرى الشاعر علي الشلاه أن الأهم أن تحظى هذه الحكومة برضا الشعب العراقي بغض النظر عن نسبة السنة أو الشيعة أو الأكراد فيها.

لكن الشاعر الشلاه، الذي عبّر عن تقديره الكبير لدور العراقيين في المنفى، فيفضل أن يتولى السلطة في البلاد عراقيون من الداخل. ويعتقد الشاعر العراقي أنه قد يكون مُبَرَّرا في الفترة الانتقالية أن ينضم إلى السلطة زعيم عراقي قادم من المنفى، لكنه يتمنى أن “يكون الزعيم القادم الذي سيتولى السلطة، بعد الانتخابات، ديمقراطيا وموجودا في العراق ومن الذين عانوا واكتووا بالنظام كما اكتوى المعارضون في الخارج”. ويضيف الشاعر بكل صراحة “لا أدين الذين خرجوا فأنا واحد منهم، لكنني مؤمن إيمانا راسخا بأن ما تنجبه الأمم يبقى في داخلها، في رحمها”.

من جهته، يذكِّر مُدير ملتقى “السنابل” ثامر السبع الجميلي أن كافة رؤساء الأحزاب السياسية المعارضة اضطروا إلى مغادرة العراق بسبب “دموية النظام” الذي “لم يتردد في إبادة المعارض السياسي فحسب، بل عائلته أيضا”. ويؤكد السيد الجميلي أن الأحزاب العراقية الموجودة في الخارج وزعماءها هم “عراقيون شرفاء لا يريدون إلا مصلحة الشعب العراقي، حتى إن ترددت أقوال كثيرة بشأن بعض الزعماء السياسيين”.

أما الدكتور سكر الغزالي فحرص على التذكير بوضوح بأن العراقيين لا يريدون “قرضاي عراقي” مضيفا أن “أهل مكة أدرى بشعابها” وأن صندوق الانتخاب الحر هو الطريقة المثلى لتقرير مصير الشعب العراقي.

ولعل الشاعر علي الشلاه يجسد موقف معظم العراقيين من الدبابات الأمريكية التي تجوب شوارع البلاد إذ يقول: “معركة العراقيين ستبدأ عندما يرفض الأمريكان الخروج من العراق، عندها سيكون التحرير واجبنا جميعا”.

إصلاح بخات – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية