مجلس النواب الأميركي يعزل رئيسه في سابقة تاريخية
عزل مجلس النواب الأميركي الثلاثاء رئيسه الجمهوري كيفن ماكارثي في سابقة في تاريخ الولايات المتحدة تجسّد مدى الانقسامات التي يعاني منها الحزب الجمهوري.
وللمرة الأولى في تاريخه الممتدّ منذ 234 سنة، صوّت مجلس النواب بأغلبية 216 صوتاً مقابل 210 لصالح مذكرة طرحها الجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري تنصّ على اعتبار “منصب رئيس مجلس النواب شاغراً”.
وصوّت ثمانية نواب جمهوريين إلى جانب الأقليّة الديموقراطية في مجلس النواب لصالح عزل رئيس المجلس الجمهوري الذي أثار غضب الجناح المتشدّد في الحزب بتعاونه مع الإدارة الديموقراطية.
– موالٍ لترامب –
وجرى التصويت بناء على مذكّرة قدّمها الإثنين النائب عن فلوريدا مات غايتس الذي ينتمي إلى الجناح اليميني المتشدّد الموالي للرئيس السابق دونالد ترامب لعزل رئيس مجلس النواب.
وأثار ماكارثي حفيظة الجناح اليميني المتشدد في حزبه في نهاية الأسبوع الماضي عندما تعاون مع الديموقراطيين لتمرير اتفاق مؤقت بشأن الموازنة لتجنّب إغلاق حكومي.
وسبب الغضب العارم الذي أثاره هذا التعاون هو أنّ المحافظين المتشدّدين اعتبروا أنّ ماكارثي حرمهم فرصة فرض تخفيضات هائلة في الميزانية.
ويشرّع عزل ماكارثي الباب أمام منافسة غير مسبوقة لخلافته قبل عام من الانتخابات الرئاسية.
وفور صدور نتيجة التصويت، سارع عدد من النواب الجمهوريين للإحاطة بماكارثي (58 عاماً) الذي لم يصدر عنه أيّ تعليق بل اكتفى برسم ابتسامة على وجهه وتبادل وإياهم العناق والمصافحة.
وما لبث ماكارثي أن عقد مؤتمراً صحافياً مساء الثلاثاء أعلن فيه أنّه لن يترشّح للمنصب الذي عزل لتوّه منه حتى وإن كان النظام الداخلي لمجلس النواب يسمح له بذلك.
“متفائل” –
وقال “لقد كنت الرئيس الخامس والخمسين لمجلس النواب، وهذا شرف من بين الأعظم. لقد أحببت كل لحظة قضيتها” في هذا المنصب، مشدّداً في الوقت نفسه على أنّه “متفائل” رغم كل ما حصل له.
ولم يتمّ مكارثي عامه الأول في رئاسة مجلس النواب إذ إنّه انتخب في هذا المنصب في كانون الثاني/يناير بعد مفاوضات شاقة ومضنية تعيّن عليه خلالها أن يقدّم تنازلات كبيرة لحوالي عشرين نائباً من أنصار ترامب، بما في ذلك أن يتمكّن أيّ نائب ساعة يريد من أن يدعو لإجراء تصويت لتنحيته، وهو ما فعله غايتس في النهاية.
وكانت قيادة الحزب الجمهوري حذّرت نواب الجناح المتشدّد من إغراق الحزب “في الفوضى”، لكنّ غايتس، الذي اشتكى مراراً من عدم احترام ماكارثي الاتفاقات المبرمة مع المحافظين، ردّ قائلاً إنّ “الفوضى هي رئيس مجلس النواب ماكارثي”.
وأضاف بعد التصويت أنّ “سبب سقوط كيفن ماكارثي اليوم هو أنّه لا أحد يثق بكيفن ماكارثي”.
وتابع “لقد قدّم كيفن ماكارثي وعوداً متناقضة متعددة، وعندما استحقّت جميعها، خسر”.
من جانبه، دعا الرئيس جو بايدن إلى المسارعة لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب.
وجاء في بيان للمتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار “نظراً إلى أنّ التحدّيات الملحّة التي تواجه بلدنا لا تنتظر، يأمل (الرئيس) بأن ينتخب مجلس النواب رئيساً له سريعاً”.
لكنّ المهمة تبدو معقدة بالنسبة إلى الجمهوريين الذين سيجتمعون الثلاثاء المقبل، أي بعد أسبوع، للاتفاق على مرشّح جديد على أن يتمّ التصويت لانتخابه في اليوم التالي.
ورفض الديموقراطيون إنقاذ رئيس مجلس النواب الذي يتّهمونه بالتراجع عن اتفاقات أبرمها مع الإدارة بايدن ولا سيّما بشأن مستوى الإنفاق في الميزانية الفدرالية.
– “غير جدير بالثقة” –
ووصف “الائتلاف الديموقراطي الجديد”، وهو كتلة من المشرعين الديموقراطيين المؤيدين لقطاع الأعمال، ماكارثي بأنّه “ببساطة غير جدير بالثقة”.
وبدا عزل ماكارثي شبه محتوم بعدما شجّع زعيم الأقليّة الديموقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز نواب الحزب على الإطاحة برئيس المجلس.
وجرى تصويت أوّلي على مقترح لـ”تأجيل النظر” بمذكرة غايتس ما يعني عملياً وأد محاولة الإطاحة برئيس المجلس، لكنّ جيفريز طلب من النواب الديموقراطيين التصويت ضدّ هذه المبادرة.
والتزم كلّ النواب الديموقراطيين بتوصية جيفريز وكذلك فعل 11 نائباً جمهورياً متمرداً، فسقط مقترح وأد مذكرة العزل.
واستدعى خروج هذه الصراعات الداخلية التي تمزّق الحزب الجمهوري إلى العلن ردّاً من ترامب.
وقال الرئيس السابق على منصّته “تروث سوشل” للتواصل الاجتماعي “لماذا يقضي الجمهوريون وقتهم في الجدال في ما بينهم؟ لماذا لا يقاتلون الديموقراطيين اليساريين المتطرّفين الذين يدمرون بلادنا؟”.
ويعود آخر تصويت أجراه مجلس النواب الأميركي لعزل رئيسه إلى أكثر من قرن من الزمن، في حين أنّها المرة الأولى على الإطلاق التي يطيح فيها المجلس برئيسه.