إسرائيل تعلن الاعتراف بأرض الصومال “دولة مستقلة” وسط إدانات عربية وإسلامية واسعة
أصبحت اسرائيل الجمعة أول دولة تعترف رسميا بجمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد والتي انفصلت عن الصومال، وأثارت خطوتها التي يُتوقع أن ترتّب تداعيات جيوسياسية في حوض البحر الأحمر، غضبا صوماليا وتحذيرا من كونها تقوّض “السلام الإقليمي”، وموجة إدانات عربية وإسلامية واسعة.
وأفاد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن “رئيس الوزراء أعلن اليوم الاعتراف الرسمي” بأن جمهورية أرض الصومال البالغة مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع والواقعة على الطرف الشمالي الغربي للصومال، “دولة مستقلة وذات سيادة”.
ووقع البلدان “إعلانا مشتركا ومتبادلا” في هذا الشأن.
وفي اتصال عبر الفيديو مع رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله عرو، أعرب نتانياهو عن ارتياحه لـ”الصداقة” بين البلدين ولما رأى فيه “فرصة جيدة لتوسيع” الشراكة بينهما ولا سيما في المجالات الاقتصادية والزراعية.
وأشار مكتب نتانياهو إلى أن “هذا الإعلان يأتي بروح الاتفاقات الابراهيمية” التي أُبرمت بين إسرائيل ودول عربية بوساطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى.
أما رئيس أرض الصومال فرأى في تعليق عبر منصة إكس أن “هذه الخطوة تمثّل بداية شراكة استراتيجية تعزز المصالح المتبادلة، وتقوي السلام والأمن الإقليميين، وتحقق مكاسب مشتركة لجميع الجهات المعنية، من دون إلحاق ضرر بأيّ منها”.
وأضاف “إنها لحظة تاريخية (…) ونرحب بحرارة باعتراف رئيس وزراء دولة إسرائيل بجمهورية أرض الصومال ونؤكد استعداد أرض الصومال للانضمام إلى الاتفاقات الابراهيمية” لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
– “رفض تام” –
وأعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد عن الصومال في العام 1991، فيما كانت جمهورية الصومال غارقة في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للرئيس سياد برّي.
ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها، وتمتاز مقارنة بالصومال باستقرار نسبي، يخرقه تمرد حركة الشباب الإسلامية والصراعات السياسية المزمنة.
إلا أن امتناع دول العالم عن الاعتراف بها جعلها تعاني عزلة سياسية واقتصادية، وفقرا مدقعا رغم موقعها الاستراتيجي على الضفة الجنوبية لخليج عدن، أحد طرق التجارة الأكثر نشاطا في العالم، وعند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس.
وتعاني المنطقة صعوبات اقتصادية (التضخم، البطالة، الفقر…) وكذلك من نزاعات في الشرق، حيث فقدت الحكومة السيطرة على منطقة سول.
وفي بيان منفصل، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن البلدين اتفقا على إقامة “علاقات دبلوماسية كاملة، تشمل تعيين سفراء وافتتاح سفارات”.
وأضاف عبر منصة إكس “لقد أعطيت وزارتي تعليمات للعمل فورا على إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات بين البلدين في مجموعة واسعة من المجالات”.
وأشار مكتب نتانياهو إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وجّه إلى عبدالله دعوة لزيارة إسرائيل.
وأثار الاعتراف غضب الصومال، إذ دانت وزارة الخارجية الصومالية الجمعة “الهجوم المتعمد” من جانب إسرائيل على سيادتها.
وقالت الوزارة في بيان “إن الأعمال غير المشروعة من هذا القبيل تقوض بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين، وتفاقم التوترات السياسية والأمنية”.
وتعقد الحكومة مساء الجمعة اجتماعا طارئا، بحسب مصدرين من مكتب رئيسها.
وقال أحد المصدرين لوكالة فرانس برس إن مقديشو “بدأت بالفعل اتصالات مع شركائها الدوليين الرئيسيين”.
وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية الصومالي محادثات مع نظرائه في مصر وجيبوتي وتركيا.
وأوضح بيان لوزارة الخارجية المصرية أن الوزراء الأربعة أعربوا عن “الرفض التام والإدانة” للإعلان الإسرائيلي، وشددوا “على الدعم الكامل لوحدة الأراضي الصومالية وسيادتها وسلامتها”.
كذلك أكدوا “الرفض الكامل لأي إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية أو تقويض أسس الاستقرار” في الصومال، معتبرين أن “الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول يُعد سابقة خطيرة وتهديدا للسلم والأمن الدوليين”.
وفي بيان منفصل، وصف مجلس التعاون الخليجي الاعتراف الإسرائيلي بأنه “تجاوز خطير لمبادئ القانون الدولي، وانتهاك صريح لسيادة جمهورية الصومال الفدرالية ووحدة أراضيها”.
وشدد بأن هذا الاعتراف يمثل سابقة خطيرة من شأنها تقويض ركائز الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وفتح الباب أمام مزيد من التوترات والنزاعات، بما يتعارض مع الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تعزيز الأمن والسلم الدوليين في المنطقة.
أما منظمة التعاون الإسلامي فشددت “على ضرورة الالتزام بمبادئ (…) ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، التي تنص جميعها على احترام سيادة الدول الأعضاء وسلامتها الإقليمية”.
ورأى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الخطوة الإسرائيلية “انتهاك صريح لقواعد القانون الدولي، وتعد سافر على مبدأ وحدة الأراضي وسيادة الدول، الذي يُعدّ ركنا أساسيا فى ميثاق الأمم المتحدة والعلاقات الدولية”.
– “حلفاء في البحر الأحمر”-
واعتبرت وزارة الخارجية التركية في بيان أن “هذه الخطوة من إسرائيل التي تواصل سياستها التوسعية وتبذل كل ما في وسعها لمنع الاعتراف بدولة فلسطينية، تشكل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للصومال”.
ورأى تقرير حديث لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب أن لإسرائيل مصلحة جيوستراتيجية أيضا في مثل هذا التقارب.
ولاحظ المعهد أن إسرائيل التي تخوض مواجهات على جبهات إقليمية عدة منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 واندلاع الحرب في غزة، “تحتاج إلى حلفاء في البحر الأحمر لأسباب استراتيجية عدة، من بينها إمكان شن حملة ضد الحوثيين” في اليمن.
ولفت إلى أن “أرض الصومال مرشّحة مثالية لتعاون من هذا النوع” إذ أنها “يمكن أن توفر لإسرائيل مسرح عمليات قريبا من منطقة النزاع”.
وسبق لإسرائيل أن شنت غارات متكررة على أهداف في اليمن بعد اندلاع حرب غزة، ردا على استهداف الحوثيين إسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
وفيما يُتوقع أن يلتقي نتانياهو الأسبوع المقبل في الولايات المتحدة حليفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شدد المعهد على أن “الجائزة الأثمن (لأرض الصومال) ستكون اعترافا أميركيا”، ما قد يدفع الكثير من الدول إلى أن تحذو حذو واشنطن.
جد/ب ح/جك