مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تركيا بين الخطر الكردي والقفص الأمريكي

فافلة من الشاحنات العسكرية التركية تتحرك على طريق جنوب شرق البلاد قرب الحدود مع العراق يوم 9 أكتوبر 2007 Reuters

أثار القرار (غير الملزم) الذي صادق عليه الكونغرس الأمريكي بتقسيم العراق، ضمنا ومن دون أن يسمها إلى ثلاثة كيانات، كردية وسُـنية وشيعية، المزيد من الشكوك التركية حول نوايا وسياسة الولايات المتحدة تُـجاه العراق والمنطقة برمتها.

ويبدو أن تركيا، التي راهنت من خلال عدم مشاركتها في غزو العراق على عدم حصوله في الأساس، ستواصل تلاوة فعل الندم.

في مطلع العام الحالي، كان رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان يعتبر عدم مشاركة تركيا في الحرب “خطأ”، واليوم ينضم حلمي اوزكوك، الذي كان رئيسا للأركان مع بدء الحرب، إلى فريق النادمين بقوله، أنه لو شاركت تركيا في الغزو، فإن الحدود الدولية لم تكن لتتغيّـر ولم يكن الجيش التركي سيشارك في المعارك، لكن كان سيتشكّـل حزام أمني جنوب الحدود داخل العراق، حيث يتم التصدّي لحزب العمال الكردستاني، لكن هذه الفرصة فُـوّتت.

ويُـحمّل رئيس الأركان السابق، حزب العدالة والتنمية المسؤولية عن عدم تمرير “مذكّـرة الفاتح من مارس” في البرلمان، لأن الحزب لم يتّـخذ آنذاك قرارا مُـلزما وترَك حرية التَـصويت على المذكرة لنوابه.

ومنذ تلك اللحظة، خرجت تركيا من المعادلة العراقية وهي لا تزال حتى الآن تُـجرجر ذيول التغيّـرات في الوضع العراقي، ولاسيما نشوء فدرالية كردية في الشمال.

غضب تركي من أمريكا

وجاءت العملية العسكرية النوعية والكبيرة، التي شنّها حزب العمال الكردستاني مساء الأحد 7 أكتوبر الجاري في منطقة شيرناق في جنوب شرق تركيا، والتي أسفرت عن مصرع 15 جنديا وضابطا تركيا، ليرفع بالغضب التركي من مواقف الولايات المتحدة وأكراد شمال العراق إلى مستوى قياسي، ولاسيما إن العملية جاءت بعد أيام قليلة فقط على مقتل 12 مدنيا تركيا في هجوم لحزب العمال الكردستاني على الحافلة التي كانوا يستقلّـونها.

شكّـل مجموع هذه التطورات قناعة راسخة، لم تكن في الأساس غائبة على مستوى القيادات العليا في تركيا، من أن الخطر الأول ليس حزب العمال الكردستاني، الذي يمكن أن يبقى تحت السيطرة، مهما اشتدّت عملياته وامتلاكه دبابات ومدافع (وفقا لإحدى تصريحات رئيس الحكومة اردوغان أثناء مشاركته الشهر الماضي في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة)!

فرئيس الأركان نفسه الجنرال ياشار بويوك أنيت علّـق على قرار الكونغرس الأمريكي بالقول أن “العراق قريب جدا من التقسيم. إن دولة فدرالية تنشأ في شمال العراق، ستشكل خطرا كبيرا على تركيا، إذ سيكون لهذه الدولة، إضافة إلى البُـعد السياسي، بُـعدٌ أمني يشكِّـل خطرا من الدرجة الأولى على الجمهورية التركية، ستكون لهذه الدولة أبعاد سياسية وأمنية ونفسية، إن المكان الذي يتوجب تركيز تركيا أنظارها عليه، هو ما يتشكّـل في شمال العراق”.

وقبل بويوك انيت، كان قائد القوات البرية الجنرال ايلكير باشبوغ يقول: “لقد بلغت التطورات في شمال العراق أبعادا تشكّـل تهديدات على مستقبل تركيا وأمنها، وقد تخلق نموذجا لقسم من مواطنينا (أي الأكراد في تركيا)”.

أما رئيس الحكومة، فذهب إلى القول بأن المواجهة مع “الإرهاب” الكردي ستأخذ من الآن فصاعدا منحى مختلفا بالكامل، إلا أنه أردف أنه سيبحث هذا الموضوع بالتفصيل خلال شهر نوفمبر المقبل مع الرئيس الأمريكي جورج بوش أثناء زيارة سيقوم بها إلى واشنطن، ما يُـبقي باب التصعيد العسكري الواسع معلّـقا حتى إشعار آخر.

المعركة مع مَـن في الواقع؟

وربما يفكك النائب عن حزب الحركة القومية دينيز بوليق باشي الشفرة العسكرية والسياسية بشكل أوضح، خصوصا أنه كان يعمل قبل أن يصبح نائبا بعد الانتخابات الأخيرة في وزارة الخارجية.

يقول بوليق باشي، إن المعركة المسلحة مع حزب العمال الكردستاني، لكن الصّراع هو مع مسعود البرزاني، ويضيف أن برزاني يستخدم حزب العمال الكردستاني ورقة تهديد وأداة ضد تركيا، لذا، فإن المطلوب هو إجراءات عسكرية واقتصادية ضد شمال العراق، ومن تمّ إغلاق بوابة الخابور، مشيرا إلى أن الشركات التركية المتواجدة في شمال العراق، هي التي تبني البنية التحتية للدولة الكردية، التي لا ينقص سوى الإعلان عنها، ولكنها لا تستطيع العيش من دون تركيا، واصفا التحالف الشيعي الكردي في العراق بأنه مخالف لطبيعة الأشياء.

وانتقد بوليق باشي واشنطن، التي تجِـد القوة للتخلص من جماعة أنصار الإسلام ولا تجِـدها ضد حزب العمال الكردستاني المتمركز، حيث كان يتمركز أنصار الإسلام، ودعا نائب الحركة القومية إلى منع استخدام أمريكا لقاعدة اينجيرليك في حال استمرت على مواقفها السلبية ضد تركيا.

عملية شيرناق

لكن الكاتب جنكيز تشاندار يجد تناقضا في المواقف التركية، إذ عندما يتحدث باشبوغ مثلا عن “إخوتنا في العرق”، أي التركمان في العراق وما قد يتعرضون له من تهديد يعني تركيا مباشرة، فهذا يقدّم مادة لخصومها من أنها تعتمد سياسة عِـرقية في سياساتها، ويبرِّر لهم القيام بسياسات مماثلة، وهذا ليس من مصلحة تركيا.

في جميع الأحوال، لقد نقل قرار الكونغرس الأمريكي (غير الملزم)، الذي حظي بدعم شيوخ الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، مسألة تقسيم العراق من حيّـز احتمالي إلى ما يُـشبه خريطة طريق أمريكية شِـبه رسمية للمستقبل، معلَـنة ومكشوفة.

ومن دون انتظار، عملية شيرناق العسكرية كان العسكر التركي يهيء المناخات الضاغطة على السلطة السياسية للسير في إستراتيجية مواجهة أكثر حزما تجاه حزب العمال الكردستاني ومن خلفه أكراد العراق.

وبعد عملية شيرناق، ربما جاءت اللحظة المناسبة، ولاسيما للعسكر التركي ليقول للحكومة، إن سياستها الكردية منذ عام 2003 كانت فاشلة، فلا هي نجحت في إرساء دعائم حل سلمي، وفي الوقت نفسه خرجت بعد احتلال العراق مشلولة اليد عسكريا.

وعلى هذا، لم يكن ممكنا للحكومة بعد عملية شيرناق سوى الرضوخ للضغط العسكري والتعهّـد بإرسال مذكرة للبرلمان، لمنح العسكر تفويضا للقيام بعملية داخل شمال العراق.

“النمر التركي اسير القفص الأمريكي”

مع ذلك، فإن الأصوات “الباردة” داخل تركيا ومن كتّاب مرموقين، عادت للتنبيه من الفخ الذي ينصبه حزب العمال الكردستاني من وراء تصعيد عملياته، وهو أنه لا يفعل بهذا التصعيد سوى تفخيخ العملية الديمقراطية في تركيا، والتي قد ترتقي أكثر مع الدستور الجديد الذي يعدّ له، كما تفجير المسار الأوروبي، وبالتالي، إعادة البلاد إلى مناخ التوتير الذي لا تستفيد منه سوى الطبقة العسكرية وحزب العمال الكردستاني.

كذلك، إذا كانت القوات التركية لا تستطيع السيطرة على منطقة جبل غبّار في جنوب شرق البلاد، حيث وقعت عملية شيرناق، فهل ستكون عملية عسكرية خلف الحدود مجرّد نُـزهة أم ستكون بداية لتوريط تركيا في المستنقع العراقي؟

لا تغيب هذه الحقائق عن ذهن رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان، الذي قال بأن سوابق العمليات العسكرية في شمال العراق لم تكن مشجعة ولابد من تحليل الفائدة قبل الشروع بأية خطوة.

وتبقى القناعة السائدة أنه من دون موافقة واشنطن، لا يمكن القيام بأي عملية عسكرية عبر الحدود ضد حزب العمال الكردستاني. وواشنطن لا تزال تعارض أي تغيير في المعادلة العراقية الحالية، الذي قد ينتج عن غزو تركي لشمال العراق، لكن المؤكد أن الشعور المعادي لأمريكا وسط الأتراك والذي يتجاوز 80%، سيتجاوز بعد عملية شيرناق 90%.

في المحصلة، يبقى النمر التركي أسير القفص الأمريكي. فهل يفعلها هذه المرة ويحرّر نفسه؟ الجواب يحمل في طياته من عناصر النفي، ما يفوق عناصر الإيجاب.

د. محمد نور الدين – بيروت

أنقرة (رويترز) – قال نائب بارز من حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم يوم الخميس 11 أكتوبر، إن الحكومة التركية ستبعث طلبا إلى البرلمان بعد عطلة عيد الفطر لتفويضها بالقيام بعملية داخل العراق لملاحقة متمردين أكراد أتراك، متمركزين في شمال العراق، وأضاف النائب، الذي طلب عدم نشر اسمه، “القرار لن يُـعرض على البرلمان اليوم، سيُـرسل الى البرلمان بعد عيد الفطر”، وتبدأ عطلة عيد الفطر في تركيا يوم الجمعة 12 أكتوبر وتنتهي يوم 14 منه.

وتحتاج الحكومة التركية لموافقة البرلمان حتى يسمح بعبور القوات التركية الحدود والدخول إلى أراضي العراق.

ويقول محللون سياسيون، إن قيام تركيا بعملية عسكرية كبيرة لا زال غير محتمل، نظرا لمعارضة الولايات المتحدة، لكن رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، يتعرض لضغوط بعد سلسلة من الهجمات الكردية على قوات الأمن التركية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 أكتوبر 2007)

واشنطن (رويترز) – حذرت الولايات المتحدة تركيا يوم الثلاثاء 9 أكتوبر من القيام بتوغل في شمال العراق بعد أن شن متمردون أكراد هجمات انطلاقا من هناك، وحثت الدولتين على العمل معا لحلّ النزاع.

وأعطى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الضوء الأخضر يوم الثلاثاء، لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية ضد المتمردين الأكراد، بما في ذلك توغّـل محتمل في شمال العراق، بعد أن شن المتمردون سلسلة من الهجمات، لكن وزارة الخارجية الأمريكية حذرت من مثل هذا العمل.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية شون مكورماك، “إذا كان لديهما مشكلة، فإنهما يحتاجان للعمل معا لحلها، وإنني لست واثقا من أن التوغلات الانفرادية هي السبيل الصحيح أو الطريق لحل القضية”.

وردا على سؤال عما إذا كانت واشنطن دعت الجانبين إلى ضبط النفس، قال مكورماك، إن الدول ذات السيادة، عليها أن تتخذ بنفسها قراراتها بشأن أفضل الوسائل للدّفاع عن نفسها، وأضاف “قدمنا المشورة علّـنا وسِـرا لشهور عديدة حول فكرة أنه من المهم العمل بشكل متعاون، لحل هذه القضية”.

وقال كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، إن الولايات المتحدة مُـلتزمة بالعمل مع تركيا والعراق لمواجهة متمردي حزب العمال الكردستاني، الذين نفّـذوا سلسلة من الهجمات داخل تركيا.

وقال مكورماك “من المهم بشكل حاسم أن تعمل كل الأطراف الضالعة في ذلك، وهم العراقيون والأتراك، ومن المؤكد أننا سنقوم بدورنا على مواجهة الإرهاب. لا يمكنك أن ترى مثل هذا النوع من الهجمات يصدر من العراق واعتقد أن العراقيين يفهمون ذلك”.

ولم يعلّـق جوردون جوندرو، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض تحديدا على ما إذا كان البيت الأبيض سيدعم تركيا في إقرار توغل مُحتمل في شمال العراق، حيث يختبئ كثير من متمردي حزب العمال الكردستاني، وقال “العراق وتركيا يريدان العمل معا لحل هذه المشكلة، الطريقة الأكثر فاعلية والمناسبة، هي حماية مواطني البلدين”.

وقال مسؤولو الجيش التركي إن المتمردين الأكراد قتلوا 15 جنديا تركيا يوم الأحد 7 أكتوبر في قتال في إقليم سيرناك الواقع على الحدود مع العراق.

ورفض المتحدث باسم البنتاغون بريان ويتمان التعليق على الأنباء الأخيرة الواردة من تركيا.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 أكتوبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية