مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هكذا ينتهِـك الفلسطينيون حريّـاتهم بأيديهم

سيدة فلسطينية تصرخ بأعلى صوتها في مظاهرة احتجاجية نظمت في رام الله بالضفة الغربية يوم 18 يناير 2009 Keystone

يقع الفلسطينيون في الضفّـة الغربية وقطاع غزة ضحايا أنفسهم أيضا، حيث حالات الاعتقال السياسي المتعدّدة وانتهاك الحريات العامة، وحتى القتل على خلفية سياسية. ولم تمنع حرب الثلاث وعشرين يوما، التي شنّـتها إسرائيل على غزّة أواخر شهر ديسمبر الماضي شيئا من ذلك، بل فاقَـمتها.

وسجّـلت “الهيئة الفلسطينية المستقلّة لحقوق المواطن” في تقريرها الشهري الأول للعام الحالي، العديد من الانتهاكات من قِـبل أجهزة الأمن في الضفّة الغربية، وكذلك الحكومة المُـقالة في غزّة.

وتشير الهيئة، التي يُـديرها مجلس مفوّضين مستقل وتُـموِّلها خمسُ دولٍ أوروبية، إلى تزايد حالات القتل، نتيجة “فوضى السِّلاح” من قِـبل ملثّـمين، خصوصا في قطاع غزّة. وعادةً ما تتّـهم حركة فتح والسلطة الفلسطينية، حركة حماس وأجهزة حكومتها في قطاع غزّة، بالوقوف وراء ذلك.

لكن الحركة الإسلامية المُـسيطرة على قطاع غزة، ترفض هذه الاتِّـهامات، وحين تعترف ببعض الحالات تقول، إن مَـن قُـتِـلوا، ليسوا سوى “عُـملاء” لإسرائيل وأن لديها ما يُـثبت ذلك.

وتشمل الانتهاكات، تزايد حالات الاعتداءات على السلامة الجسدِية للأشخاص واستمرار الحجز والاعتقال، دون محاكمات، وإصدار أحكام من قِـبل محاكم عسكرية، إضافة إلى منع التظاهرات والاعتداء على الصحفيين وحبسهم والاعتداء على المُـتظاهرين.

وتشكِّـل قضية الاعتقال السياسي، أحد أهم القضايا الخلافية، التي تعترض طريق استئناف الحِـوار بين حركتَـيْ حماس وفتح، لكن يبدو أن عملية الإعتقال هذه أصبحت ورقة يستخدِمها كلّ طرف للضّـغط على الآخر.

وبالرغم من أن حركة حماس تتحدّث عن وجود ما بين 500 إلى 600 معتقل لدى أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فإن السلطة الفلسطينية تستمِـر في إنكار ذلك وتُـصر على أن من تحتجزِهم ليسوا سوى أشخاص “متّـهمين بقضايا جنائية”.

لكن شخصيات فلسطينية التقت الرئيس محمود عباس مؤخّـرا وأثارت معه قضية الاعتقال السياسي، تؤكِّـد أن العدد يقارب 400 معتقلا. وقد تمكّـن ممثلون عن منظمات إنسانية محلية من زيارة عددٍ من هؤلاء المُـعتقلين مؤخرا. وفي المقابل، تُـصر حركة حماس على أن من تحتجزهم في غزّة “ليسوا معتقلين سياسيين”.

وامتدّت الانتهاكات لتشمل حرية التعبير، حيث مُـنعت تظاهرات في كلٍّ من الضفة الغربية وغزّة وجرى الاعتداء على متظاهرين واعتقال صحفيين.

مرحلة “أمنية” جديدة

وبالرغم من أن ظاهرة انتهاك الحريات في المناطق الفلسطينية بأيدٍ فلسطينية تعود إلى بداية الحكم الذاتي، إلا أن تطورات الأعوام الأخيرة، لاسيما مرحلة ما بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات (نوفمبر 2004) أخذت منحى جديدا في الضفة الغربية.

وما لبثت الأمور وأن تصاعدت في غزّة مع سيطرة حركة حماس على القطاع في صيف عام 2007، وقد أدّى الصراع السياسي بين حركة حماس من جهة، وحركة فتح والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، إلى دفع الوضع إلى مرحلة جديدة.

ويعتبر الصحفي نبهان خريشة في حديث لسويس انفو، أن فترة الحرب الأخيرة في غزّة “شكّـلت مناسبة للتنفيس عن الضّـغائن”، بين حركتيْ فتح وحماس، ولكنه يقول إنه يتوجّـب الإشارة إلى “المرحلة الأمنية الجديدة التي دخلتها أجهزة الأمن بحلول عام 2005”.

ويرى خريشة وآخرون، أن هذه الفترة “تميّـزت بسيطرة كبيرة للأجهزة الأمنية” على مجمل الأوضاع في مناطق السلطة الفلسطينية. وفي قطاع غزة، لم تتأخر حركة حماس عن إطلاق يد أجهزتها الأمنية في السيطرة على مختلف جوانب الحياة، وهي مرحلة تميّـزت بشكل أساسي بالتخلّـص من مُـعظم كوادر وقيادات الأجهزة الأمنية من خلال إحالتهم على التقاعد. وقد شكّـل هذه الأمر منعطفا كبيرا في انتقال السيطرة من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية المُـخضرمين إلى قيادات شابة جديدة تدرّبت بإشراف أجانب وفي دول غربية وعربية.

وتعمل الأجهزة الأمنية على تمديد فترات اعتقال لناشطين مُـعتقلين لديها من خلال استصدار قرارات محاكم عسكرية تسمح بالحَـبس لمدة ستة أشهر دون محاكمة، ثم الإفراج عن المعتقل في نهاية الفترة ومعاودة اعتقاله بعد يوم أو ليلة من إطلاق سراحه، كما في حالة فريد حماد، المحرّر في صحيفة “الأيام” والمُـعتقل منذ أكثر من سبعة أشهر.

وتتّـهم السلطة الفلسطينية حماد بـ “سوء الائتمان” بصفته رئيسا لجمعية خرّيجي المعاهد والجامعات في بلدته سلواد، شمال شرق مدينة رام الله بالضفة الغربية، وقد أبقت على اعتقاله بالرغم من صدور قرار من المحكمة العليا الفلسطينية بالإفراج عنه.

ويُـقر عدنان الضميري، الناطق باسم الأجهزة الأمنية لدى السلطة الفلسطينية، بوجود “إشكاليات في وضع الحريات بعد انقلاب غزّة”، لكنه يقول في حديث لسويس انفو “ليس لدينا مُـعتقلين سياسيين. نحن نقوم بإنفاذ القانون”.

وأضاف “الحرية لا تعني الفوضى. ونحن نسمح بالتظاهر والإحتجاج في إطار النظام، لكن دون الاقتراب من مناطق الاحتكاك”، في إشارة إلى منع المتظاهرين من الوصول إلى مواقع الجيش الإسرائيلي، لمنع حدوث مواجهات، وبالتالي، وقوع ضحايا.

لا حريات دون حرية

وإن كان انتهاك حريات الفلسطينيين على يَـد آخرين من لَـدُنهم يُـثير شجونا وحزنا وتساؤلات عن واقع الحياة المعقّـد الذي يعيشه أكثر من ثلاثة مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة عدم حصول الفلسطينيين على حريتهم وانعتاقهم من الاحتلال.

ولا يلبث الفلسطينيون الانفكاك من تناقضاتهم الداخلية، حتى يجدوا أنفسهم مجدّدا في مواجهة التناقض الأكبر الممثّـل في الاحتلال. المفارقة، أن تزايد حالات انتهاك الحريات تزامَـن مع الحرب الأخيرة التي دمّـرت إسرائيل فيها ما تبقّـى من ممتلكات وبنية هشّـة في قطاع غزة.

وبالنسبة للصحفي خالد العمايرة، مراسل صحيفة الأهرام ويكلي في مناطق السلطة الفلسطينية، فإن اعتقاله أكثر من مرّة من قِـبل أجهزة الأمن الفلسطينية، كان آخرها مع نهاية أيام الحرب الأخيرة على غزّة، يُـعتبر نموذجا على هذه المفارقة.

ويقول العمايرة في حديث لسويس انفو “لاشك أنه أمر يُـثير المرارة بشكل كبير جدّا. أن تُـعتقل من قِـبل الاحتلال الإسرائيلي، أمر طبيعي جدّا، أما أن نُـهان ونُـعتقل من قِـبل سلطة تقول إنها تدافع عن الشعب، فهذا أمر خطير”.

وأوقفت أجهزة الأمن الفلسطينية العمايرة (50 عاما)، الذي يقطن في بلدة دورا قُـرب الخليل في جنوب الضفة الغربية، بعد ظهوره على شاشة قناة “الأقصى” الفضائية، التابعة لحركة حماس، واعتُـقل لمدّة يومين وجرى التحقيق معه حول إطلاقه تصريحات تقول إن السلطة الفلسطينية “كِـيان خاضع” لإسرائيل.

بيد أن العمايرة، الذي لا يقلِّـل من أهمية تناول انتهاك الفلسطينيين لحرياتهم، وينظر إليها على أنها “نتاج تلهف سياسي يُـريد دفع الصحفيين إلى ممارسة رقابة ذاتية”، يَـعتبر أن مثل هذا الأمر يظل ثانويا في ظلّ الاحتلال.

ويقول “هذه أعراض ثانوية، صحيح أنه إذا فسدت السياسة، لن تجِـد صحافة صالحة، لكن المشكلة الأساسية هي في الاحتلال الذي يغتصب حرية الفلسطينيين، وبدون هذه الحرية، لن تكون هناك حريات”.

هشام عبدالله – رام الله

رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – قالت مؤسسة فلسطينية حقوقية يوم الثلاثاء 3 فبراير 2009 إن 31 فلسطينيا قتلوا خلال شهر يناير كانون الاول الماضي في الضفة الغربية وقطاع غزة عدد منهم على خلفيات سياسية وعائلة وآخرين في ظروف غامضة.

وقالت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان في بيان صادر عنها يوم الثلاثاء 3 فبراير وصلت رويترز نسخة منه “رصدت الهيئة 31 حالة وفاة خلال شهر كانون الثاني في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية من بينها حالة وفاة واحدة في ظروف غامضة و5 حالات وفاة على خلفية شجارات أو شجارات عائلية و22 حالة وفاة نتيجة فوضى السلاح من قبل ملثمين و3 حالات وفاة نتيجة الضرب المبرح”.

ويتضح من تقرير الهيئة ان مواطنين قتلا في الضفة الغربية على خلفية شجارات عائلية فيما قتل ثلاثة في قطاع غزة على خلفية الشجارات العائلية اضافة الى مقتل ثلاثة اخرين بسبب “تعرضهم للتعذيب من قبل مسلحين ملثمين اختطفوهم من منازلهم”.

وقالت الهيئة في بيانها “تميز الشهر الاول من عام 2009 بوقوع عدد من حالات الضرب المبرح والتعذيب والتي نتج عنها وفيات وخصوصا في قطاع غزة مورست من قبل أشخاص يشتبه في كونهم أفراد من الامن الداخلي (التابع لحماس) وحالات أخرى من قبل مجهولين”.

وتبادلت حركتا فتح التي تسيطر على الضفة الغربية وحماس التي تسيطر على قطاع غزة بمواصلة انتهاك حقوق الانسان وإن كان التقرير يشير إلى أن معظم القتلى سقطوا في قطاع غزة.

واشارت الهيئة في بيانها الى استمرار حالات تعذيب المعتقلين لدى الاجهزة الأمنية سواء في الضفة الغربية حيث الاجهزة الأمنية التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم حركة فتح أو الاجهزة الامنية التابعة للحكومة المقالة في قطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة حماس الاسلامية.

وجاء في البيان “تنظر الهيئة بخطورة بالغة الى استمرار قيام الاجهزة الامنية بانتهاك حق الموقوفين والمحتجزين بسلامتهم البدنية وتعتبر الهيئة كل أشكال سوء المعاملة والتعذيب التي تمارسها هذه الاجهزة في قطاع غزة والضفة الغربية أعمالا محظورة يجب تحريمها ومعاقبة مرتكبيها باعتبارها أعمالا مجرمة”.

واضاف البيان “ففي الضفة الغربية تلقت الهيئة خلال ذات الشهر (52) شكوى من مواطنين يدعون تعرضهم للتعذيب موزعة على الاجهزة الامنية المختلفة.. جهاز الشرطة بأقسامه المختلفة.. جهاز الامن الوقائي.. وجهازي الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة”.

وقالت الهيئة المستقلة لحق المواطن إنها “رصدت ووثقت العديد من الانتهاكات لحالات تم فيها الاعتداء الجسدي بالضرب المبرح على مواطنين من قبل عناصر مسلحة تابعة لحركة حماس أو من قبل مجهولين”.

وأضافت “ووفق توثيق الهيئة تبين أن أغلب الحالات هي موجهة ضد عاملين في الاجهزة الامنية سابقا التابعة للسلطة الوطنية ومن أعضاء ومناصري حركة فتح في محافظات غزة.”

وتحدثت الهيئة في بيانها عن “مواصلة انتهاك حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي في أراضي السلطة الوطنية مستمرا سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة فقد تعددت صور وأشكال هذه الانتهاكات والتعديات وكذلك منع تنظيم الاعتصامات والتجمعات السلمية ومنع الصحفيين من تغطيتها واعتقال عدد من الصحفيين”.

وأشار البيان الى ان “المعلومات المتوفرة لدى الهيئة تفيد أن هناك ما لا يقل عن 70 شخصا محتجزين في أماكن لم يتم الافصاح عنها من قبل الحكومة المقالة في قطاع غزة علما أن هؤلاء الاشخاص كانوا موقوفين ومحتجزين في أماكن احتجاز تم قصفها أثناء العدوان على قطاع غزة”.

واضاف البيان “مازالت الاجهزة الامنية في الضفة تمتنع عن تنفيذ العديد من قرارات محكمة العدل العليا الفلسطينية وبالتحديد جهازي المخابرات العامة والامن الوقائي وخصوصا تلك القرارات المتعلقة بالموقوفين على خلفية سياسية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 فبراير 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية