The Swiss voice in the world since 1935

العلم السويسري مربع الشكل… ولكن كان هذا مجرد تقليد لفترة طويلة 

العلم السويسري
يتم رفع أكبر علم سويسري في العالم (80 × 80 متراً) كل عام على نهر سانتيس، في شرق سويسرا، للاحتفال بالعيد الوطني في 1 أغسطس. Keystone / Ennio Leanza

تقول نكتة شائعة: "العلم السويسري هو رمز لعلامة جمع كبيرة". لكن يحمل العلم السويسري أكثر من مجرّد تشابه مع علامة الجمع الرياضيّة. هنا نستعرض تاريخ العلم الوطني، وما يحيط بظهوره من غرائب. 

علم
علم سويسري مقلوب Creative Commons CC BY-SA

العلم السويسري هو اللافتة الوطنية الوحيدة مربعة الشكل باستثناء علم الفاتيكان، لكنه يتميز عنه بتنوعه؛ إذ يمكن استخدام أي جانب منه كقاعدة . لذا في المرة القادمة، التي يسخر فيها شخص ما من السويسريين والسويسريا ت لأنّهم ”ذوو تفكير جامد” (trop carrés)، يمكن الردّ بهذه الحجّة. 

ويُعدّ الصليب السويسري، الذي يُعتبر فنيًا صليبًا يونانيًا، رمزًا يسهل التعرف عليه فورًا، ما يجعله شائعًا في مجال التصميم الغرافيكي. وتتميز هذه الحركة الغرافيكية، التي نالت شهرة عالمية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بالدقة في الشكل والقوة في المفهوم. يتناسب الصليب السويسري بشكل مثالي مع هذا الأسلوب، ويمكن رؤية العديد من الأمثلة في الإصدار الحالي لجواز السفر السويسري. 

 

جواز سويسري
صلبان سويسرية تناسب جميع الأذواق في جواز السفر البيومتري الجديد. Keystone / Christian Beutler

أوّل علم رسمي ثلاثي الألوان 

حامل اللواء
حامل لواء الجمهورية الهيلفية، بقلم جورج ليونارد هارتمان (1764-1828). Wikimedia Commons / Amt für Kultur des Kantons St. Gallen 2003

كان بإمكان العلم الهلفيتي أن يكون مختلفًا تمامًا. ففي عام 1798، وتحت تأثير الضغط الفرنسي، أُعلنت سويسرا جمهورية هلفيتية. في تلك الفترة، أُعتُمد الفرنك السويسري، واختير أوّل علم رسمي للبلاد، وهو علم مكوّن من ثلاثة ألوان (يبدو أنّ نابليون كان لديه شغف خاص بالرايات). وكان العلم الهلفيتي يتضمن نفس ألوان علم مالي الحالي؛ الأخضر، والأحمر، والأصفر. 

لكن لم تستمرّ هذه المبادرة لتحويل سويسرا إلى دولة مركزية طويلاً. ويُروى أنّ نابليون قال: “لقد جعلت الطبيعة دولتكم فدرالية، وليس من الحكمة عدم القبول بذلك”. 

وبعد خمس سنوات فقط من إنشائها، اختفت جمهورية هيلفتيا ومعها علمها ثلاثي الألوان، بينما حقق الفرنك  نجاحًا كبيرًا. 

رمز وُلد في ساحة المعركة 

لم يكن البحث بعيداً لنجد الصليب الأبيض على خلفية حمراء لزامًا علينا. ففي الحقيقة، كان هذا الشعار موجودًا في سويسرا لعدة قرون، رغم أنه لم يكن رسميًا، وكان يظهر بنسب متفاوتة. 

ويعود أوّل استخدام موثّق للصليب، الذي أصبح في ما بعد رمز سويسرا الحالي إلى عام 1339، خلال معركة لوبنلين إكستر؛ إذ خاطت قوات برن والكنفدرالية المعارضة لفريبورغ والإقطاعيين في بورغوندي وهابسبورغ، صليبا أبيض على دروعهم العسكرية لتفادي الإصابة من قبل حلفائهم. 

وكما يوضح قاموس سويسرا التاريخي، هناك ثلاث نظريات حول أصل هذا الصليب، مرتبة وفقا لمدى منطقيتها كما يلي: 

– من فيلق ثيبان وتقديس القائد موريس 

– علم معركة الإمبراطورية الرومانية المقدسة 

– رموز آلام المسيح، المبجّلة بشكل خاص في وسط سويسرا 

والحقيقة، هي أنّ الصليب، الذي يظهر في كثيرا من الأحيان على خلفية حمراء ويشير إلى دم المسيح، كان موجودًا لأكثر من قرن من الزمان، بأشكال مختلفة على دروع الجنود الهلفتيين وراياتهم، في القوات المختلطة المكوّنة من جنود من كانتونات مختلفة، وفي قوات المرتزقة. 

وتلاشت هذه العادة مع انتهاء العصور الوسطى، لكن ظل الصليب الأبيض على الخلفية الحمراء يرمز  في كلّ أنحاء أوروبا إلى نظام التحالفات بين 13 كانتونًا الغريب والمعقّد، المعروف بـ “الاتّحاد القديم”. 

باخمان ودوفور: ”أبوا“ العَلَم السويسري الحديث 

رسم مائي
رسم بالقلم المائي لأول علم فيدرالي رسمه كارل ستوفر عام 1841. أُرسل تصميم شتاوفر مصحوباً بشرح مفصل وقياسات إلى الكانتونات ليكون نموذجاً لأعلام كتائب المشاة في المستقبل (المصدر: المعجم التاريخي لسويسرا). Creative Commons CC BY-SA / Museo nazionale svizzero, Zurigo

ينسب العديد من المؤرخين إحياء الرمز في القرن التاسع عشر إلى نيكلاوس فرانز فون باخمان، الذي قاد أفواجًا من المرتزقة السويسريين في خدمة النمسا وبريطانيا العظمى خلال حرب التحالف الثاني. 

وفي عام 1800، قدم لقواته علمًا شبيهًا جدًا بالعلم الحالي. وبعد عامين، قاد القوات الفدرالية، التي انتصرت على جيش الجمهورية الهلفيتية في حرب العصي. وفي عام 1814، أعلن البرلمان الفيدرالي أنّ الصليب السويسري هو الشعار الرسمي للاتحاد الكنفدرالي، وهو الرمز المُستخدم بفخر في الميثاق الفدرالي لعام 1815. 

ومنذ ذلك الحين، بدأت الفئات التقدمية والوطنية من السكان؛ مثل نوادي الجمباز، وجمعيات الرماية، والجوقات، في استخدامه. 

وتطلب الأمر الانتظار حتى عام 1840 لاعتماد أوّل علم عسكري موحّد، الذي قدّمه الجنرال المستقبلي، غيوم هنري دوفور؛ تمثل كل وحدة مشاة في الكانتونات بصليب على خلفية حمراء تتكون من خمسة مربعات بيضاء متساوية، تحمل حروفًا ذهبية تدل على اسم الكانتون (انظر الصورة). وقد فرض الدستور الفدرالي لعام 1848، الذي أسس سويسرا بالشكل الذي نعرفه اليوم، على جميع القوات ارتداء الصليب. 

العلم المربع: مجرد تقليد لفترة طويلة

تُعتبر هذه السمة العسكرية العنصر الرئيسي الذي يميز العلم السويسري الحالي، إذ كانت أعلام الحروب في ذلك الوقت مربعة الشكل. 

في عام 1848، أعلن دستوريا أن العلم الحديث هو علم الكنفدرالية السويسرية.

يفوق طول أذرع الصليب الأبيض الذي يُوجد على العلم الوطني السويسري بنسبة السدس عرض تلك الأذرع.

بالنسبة لراية البحرية السويسرية: تبلغ نسبة عرض الصليب 5 أثمان ( 5: 8) العرض الإجمالي للراية، وتبلغ نسبة طول الصليب خمسة من إثنيْ عشر جزءًا (5: 12) من الطول الإجمالي للراية.

وحُدّد شكل الصليب في القانون منذ عام 1889، عندما أصدر المجلس الفدرالي مرسومًا ينصّ على أنّ “شعار الكنفدرالية هو صليب أبيض على خلفية حمراء، مع ذراعيه المتساويين في الطول بمقدار سدس عرضهما”. ويمثّل هذا التغيير ابتعادا عن علم دوفور العسكري الذي اعتبره العديد من الناس قبيحًا، ما أثار جدلًا كبيرًاً في الصحافة والسياسة خلال ثمانينات القرن التاسع عشر، كما تم تناوله في دراسة تفصيلية عن العلم السويسري في دراسة أعلام العالم (Flags of the world). 

ويحدد هذا القرار أخيرا، شكل الصليب بدقة. ومع ذلك، لم يشر أي شيء إلى نسبه في ما يتعلق بالحدود، ونوع اللون الأحمر الذي سيُستخدم، وحتى أقل من ذلك؛ أنّ العلم يجب أن يكون مربعًاً. ولفترة طويلة، كان هذا مجرد مسألة تقليد. 

ولم يتم وضع مبادئ توجيهية واضحة حتى عام 2017، مع دخول تعديل القانون الفدرالي بشأن حماية شعارات النبالة والعلامات العامة الأخرى حيز التنفيذ، الذي ينص على ما يلي 

1) بالنسبة إلى الشكل واللون والنسب، يطبق النموذج الموضح في الملحق 2 (مستنسخ أدناه). 

2) يتكون العلم السويسري من صليب أبيض في حقل مربع. 

النبالة
قانون حماية شعارات النبالة. Confédération suisse

استثناءان رئيسيان 

وقبل الختام، ينبغي الإشارة إلى نقطتين مهمتيْن: إذا صادفت سفينة ترفع العلم السويسري في أعالي البحار، فستلاحظ أنّ الراية مستطيلة الشكل. هذا ليس سهوًا، بل هو العلم البحري السويسري، الذي أدخله المجلس الفدرالي في 9 أبريل 1941 لمنع الهجمات في زمن الحرب. ووفقًا للمعايير الدولية، فقد كان دائمًا مستطيلًا بنسب محدّدة بوضوح في القانون الفدرالي للملاحة البحرية. 

ويتعلّق الاستثناء الثاني، كما يشير مقال سويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، بالألعاب الأولمبية. فقد قرّرت اللجنة الأولمبية الدولية (IOC)، ومقرها في لوزان، أنّ جميع أعلام وفود الدول المشاركة في الألعاب الأولمبيّة، يجب أن تكون بنفس الشكل المستطيل، اعتبارًا من دورة الألعاب الأولمبية في أثينا عام 2004 فصاعدًا. والهدف من ذلك هو ضمان عدم اختلاف أي راية، الأمر الذي يتعارض مع الروح الأولمبية للمساواة والاحترام بين الدول. 

ولا نريد أن نثير الجدل بالإشارة إلى أنّه قد سُمح باستثناءات للنيبال دون الاتحاد القاري. لذا دعونا نترك الأمر عند هذا الحد. ففي نهاية المطاف، نحن لسنا “من ذوي التفكير الجامد“. 

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: زينو زوكّاتيلّي

هل سمعت يومًا شيئًا غريبًا عن سويسرا أثار اهتمامك؟

هل هناك حكاية عن سويسرا أثارت اهتمامك؟ شاركنا وشاركينا بها، فقد نقوم بتسليط الضوء عليها في مقال قادم!

52 إعجاب
32 تعليق
عرض المناقشة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية