مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كيري في الميزان .. بعد خطابه الرنان

جون كيري، مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة ليوم 2 نوفمبر 2004 Keystone

تدل معظم المؤشرات على أن سلسلة الخطابات المفعمة بالمشاعر التي تابعها الشعب الأمريكي خلال فترة انعقاد المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في بوسطن قد انعكست إيجابيا على شعبية المرشح الديمقراطي جون كيري.

فهل تمكن كيري من إقناع الناخب الأمريكي بأنه سيكون الرئيس الأفضل بعد 2 نوفمبر القادم؟

على مدى خمسة أيام تتابعت الكلمات على منصة المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي، وحرص معظم الخطباء على الالتزام بالإيجابية وعدم التهجم على الرئيس بوش إلى أن اختتم المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة السناتور جون كيري هذه السلسلة من الخطابات، فقال للشعب الأمريكي إنه سيكون قائدا أعلى للقوات المسلحة لا يضلل شعبه، ويقود البلاد إلى حرب خاطئة، ولا بأن يشن حربا دون أن تكون لديه خطة لكسب معركة السلام، وتعهد ببذل قصارى جهده لتعزيز مكانة الولايات المتحدة داخليا وخارجيا واستعادة ثقة الشعب بالبيت الأبيض من خلال قول الحقيقة للشعب الأمريكي، وإعادة بناء تحالفات قوية مع المجتمع الدولي.

كما حاول كيري في خطابه أمام الحزب، إقناع الناخبين الأمريكيين بقدرته على أن يكون قائدا قويا في مواجهة خطر الإرهاب على الأمن القومي الأمريكي، وكانت كل هذه التلميحات من كيري تستهدف إبراز الأخطاء التي وقع فيها الرئيس بوش في فترته الرئاسية الأولى، وإقناع الناخب الأمريكي خاصة المتردد في الاختيار بأنه سيكون الرئيس الأفضل للبلاد.

وسارعت مجلة “نيوزويك” إلى إجراء استطلاع لآراء الشعب الأمريكي، لقياس مدى نجاح كيري في استمالة الناخبين الأمريكيين ودعم شعبيته كمرشح للرئاسة من خلال خطابه الرنان أمام المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي، ودلت نتائج الاستطلاع على أن شعبية كيري ارتفعت بين الناخبين الأمريكيين بعد ذلك الخطاب، بحيث أن 49 في المائة منهم قالوا إنهم سينتخبونه، بينما قال 42 في المائة إنهم سيعطون أصواتهم للرئيس بوش، وقال 3 في المائة إنهم سيصوتون لصالح المرشح العربي الأمريكي رالف نادر، أما إذا اقتصرت المنافسة على كيري وبوش فسيرتفع الفارق إلى عشر نقاط لصالح كيري.

ما الذي يعنيه الاستطلاع؟

سويس إنفو التقت بالدكتور إدموند غريب أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في واشنطن وخبير الانتخابات الأمريكية للتعليق على نتائج استطلاع الرأي ولتقييم خطاب كيري، فأعرب عن اعتقاده بأنه نجح في تقديم نفسه لما يقدر بنصف عدد المسجلين في قوائم الانتخابات الأمريكية الذين تابعوا خطابه، ونقل لهم مباشرة جدول أعماله إذا أصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة.

واستشهد الدكتور غريب بنتائج استطلاع “نيوزويك”، والتي أظهرت أن نسبة من أحبوه كشخص قريب منهم يسعى لتحقيق مصالحهم بلغت 57 في المائة، بينما أعربت نسبة 44 في المائة عن اعتقادهم بأن بوش يهتم بأمثالهم من عامة الشعب.

ونجح كيري كذلك في تعريف الناخبين بخلفيته كوطني حارب في فييتنام وخدم الشعب في مجلس الشيوخ ويحرص على استعادة مكانة أمريكا في العالم من خلال الاحترام لريادتها وليس من خلال الخوف من قوتها، كما استغل الخطاب لتقديم نفسه من طفولته في ألمانيا إلى شبابه، ثم كأب وزوج وكمواطن أمريكي، وركز على أهمية القيم في الحياة الأمريكية، وتطرق للعب على وتر الإيمان، وتلقت كلماته حول هذا الموضوع أكبر عاصفة من التصفيق خاصة حينما قال إنه أقرب إلى مقولة إبراهام لنكلن: لنصلي بخشوع وتواضع على أمل أن نكون إلى جانب الله بدلا من أن نعتقد أن الله يجب أن يكون بجانبنا” بشكل جعله أقرب إلى الناخب الأمريكي.

وفيما يتعلق بمدى تأثير خطاب كيري في استمالة الناخبين المتشككين في أداء الرئيس بوش ولكنهم في نفس الوقت مترددين في اختيار كيري، قال الدكتور إدموند غريب إنه من المبكر القول بأن خطاب كيري سيجعل الناخبين الذين لم يقرروا بعد لمن يعطون أصواتهم يتحولون فجأة إلى معسكر كيري، ولكنه استشف من استطلاع “نيوزويك” أن أصوات هؤلاء والتي تسمى الأصوات المتأرجحة أصبحت أكثر ميلا لانتخاب كيري بنسبة 45 في المائة مقابل 39 لبوش و7 في المائة لصالح رالف نادر.

ولاحظ الدكتور غريب كيف أن السناتور كيري استخدم كلمة القوة ومرادفاتها 17 مرة في خطابه، للتدليل على أنه سيكون رئيسا قويا يمكن الاعتماد عليه في قيادة القوات المسلحة الأمريكية في الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي، وتوفير إجراءات صارمة لحماية الموانئ والمطارات والمنشآت النووية الأمريكية، وأكد أنه سيضاعف حجم القوات الخاصة الأمريكية لشن الحرب على الإرهاب، ولاحظ الدكتور غريب أن استطلاع “نيوزويك” أظهر أن الناخبين الأمريكيين شعروا بعد الخطاب بأن السناتور كيري سيكون القائد الأجدر بالثقة في اتخاذ القرارات خلال الأزمات الدولية، حيث أعربت نسبة 53 في المائة ممن شملهم الاستطلاع عن قناعتها، بأنه سيحظى بثقتهم لاتخاذ تلك القرارات، بينما قال 48 في المائة إن الرئيس بوش هو الأجدر بالثقة في هذا المجال.

كما شدد الدكتور غريب على أن كيري من خلال معرفته بما تشكله قضية الفشل الأمريكي في العراق واستمرار الحرب الأمريكية على الإرهاب من أهمية بالنسبة للناخب الأمريكي في نوفمبر القادم التزم بمواقف أكثر تشددا من اتجاهات أعضاء الحزب الديمقراطي المعروفين بمعارضتهم للحرب في العراق، ومطالبة غالبيتهم بسرعة سحب القوات الأمريكية من العراق، فكانت استراتيجيته كما شرحها في خطابه تشير إلى ضرورة توسيع نطاق مشاركة المجتمع الدولي في العراق، من خلال التعاون مع دول العالم بدلا من الانفراد بالقرار في العراق وعزل وإبعاد الحلفاء.

وأشار الدكتور غريب إلى الشعار الذي رفعه كيري في هذا الصدد للتفرقة بين قرار الحرب في ظل الديمقراطيين وبين قرار الحرب الذي اتخذه الرئيس بوش بقوله:”إننا نتعاون مع المجتمع الدولي حينما يكون ذلك ممكنا ونذهب إلى الحرب عندما يتعين علينا ذلك”.

وقال الدكتور غريب إن كيري سيركز انطلاقا من ذلك الخطاب ووصولا إلى المناظرات التي سيجريها مع الرئيس بوش قبل الانتخابات، على فضح المزاعم التي استند إليها الرئيس بوش في شن الحرب على العراق، مستندا في ذلك إلى حقيقة أن غالبية الشعب الأمريكي أصبحت تدرك أن ذلك القرار الذي أدى إلى إنفاق ما يقرب من مائتي ألف مليون دولار، ومصرع أكثر من تسعمائة جندي أمريكي كان قرارا خاطئا، وسيركز في الشهور القادمة أيضا على شعار طرحه في خطابه وهو أنه يجب استعادة مكانة الولايات المتحدة كقائدة للعالم من خلال مبادئها وقيمها التي كانت مبعث الاحترام بدلا من الاعتماد في عهد الرئيس بوش على مبدأ التخويف بالقوة الأمريكية، وأن المستقبل سيكون للحرية وليس للخوف.

وخلص الدكتور غريب إلى أنه مع استمرار الانخفاض في رضاء الشعب الأمريكي عن أداء الرئيس بوش لمهامه كرئيس إلى 45%، بينما أعربت نسبة % عن عدم الرضا، وارتفعت هذه النسبة إلى 59% من غير الراضين عن السياسات الداخلية للرئيس بوش، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو الرعاية الصحية وغيرها من القضايا المحلية، سيكون بوسع كيري إضافة المزيد من الراغبين في منحه أصواتهم في الثاني من نوفمبر القادم.

ولكنه نبه إلى أن الشهور الثلاثة المتبقية لحين إجراء الانتخابات الرئاسية قد تشهد تقلبات في اتجاهات الناخبين صعودا وهبوطا بحسب الأحداث، فقد يؤدي تدهور الأوضاع في العراق إلى المزيد من التشكك في قدرة بوش على التعامل مع نتائج الحرب التي شنها هناك، وعلى الجانب الآخر سيحاول الجمهوريون استعادة ما فقدوه من شعبية من خلال التركيز على قدراتهم في مجال الأمن القومي في مؤتمرهم العام في نيويورك في أواخر الشهر الحالي.

كالمستجير من الرمضاء بالنار

أما العرب الأمريكيون، فوجدوا أنفسهم بعد خطاب كيري الذي خلا من أي إشارة إلى حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي، ثم من خلال تصريحاته الموالية لأمن إسرائيل في وضع بالغ الحرج، فمع أن كيري يوفر لهم التزاما واضحا باحترام حقوقهم المدنية كباقي المواطنين الأمريكيين، فإن تصريحاته التي حاول فيها استمالة أصوات الناخبين من اليهود الأمريكيين لا تبعث على التشجيع، فقد تراجع عن الموقف الذي عبر عنه أمام مؤتمر العرب الأمريكيين في ديترويت في أكتوبر الماضي حينما قال عن الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل” إننا لا نريد عائقا آخر يحول دون إقرار السلام” ليقول بعد فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي “إن السور الدفاعي هو حق مشروع للدفاع عن النفس وجاء ردا على موجة من أعمال الإرهاب ضد المواطنين الإسرائيليين”

كما أن موقف كيري من السعودية يتسم بالعداء ونسيان دورها في التخفيف من وقع أي ارتفاع مفاجئ في أسعار البترول بالمسارعة إلى زيادة إنتاجها من البترول، ويبدو أن كيري لا يجد في صداقة مصر للولايات المتحدة من جدوى إلا من خلال ما ستكون مستعدة لتقديمه إلى إسرائيل، وهو ما عكسته تصريحات له بعد المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي، ولعل ما قاله أحد زعماء العرب الأمريكيين يعبر عن واقع حال الناخب العربي الأمريكي، إذ قال:” مع أن تصويتي لصالح رالف نادر لن يغير السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل، فإنني سأضرب باختياري لنادر عصفورين بحجر واحد: سأقول للحزب الديمقراطي إن كيري لم يقترب من أخذ مصالح العرب الأمريكيين في الاعتبار، وإذا أدى تصويتي لنادر إلى فوز بوش فسيكون بوسع الشعب الأمريكي من خلال الضرر الذي سيلحقه بالولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة أن يفرض على الحزب الديمقراطي في المرة القادمة توجهات واضحة لصالح الشعب الأمريكي وليس لصالح الشعب الإسرائيلي؟”

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية