مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبادرة الإصلاح الأمريكية في ثوب جديد

الرئيس الأمريكي في صورة تذكارية مع قادة البلدان العربية والإسلامية التي دُعيت لحضور قمة مجموعة الثماني في سي آيلاند بولاية جوجيا يومي 9 و10 يونيو 2004 Keystone

انتهت قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى في ولاية جورجيا الأمريكية باعتماد مبادرة معدلة للإصلاح في الشرق الأوسط تختلف في شكلها ومضمونها عما سُـمي بمبادرة الشرق الأوسط الكبير التي طرحتها واشنطن.

مراسل سويس إنفو استعرض مع خبراء في واشنطن الفروق القائمة بين المبادرتين واحتمالات مستقبل الإصلاح في المنطقة.

بينما اعتمدت مبادرة الشرق الأوسط الكبير الأمريكية على ما وصفه الأوروبيون بنموذج واحد للإصلاح، افترضت أنه يصلح لكل الدول الواقعة في إطار الشرق الأوسط الكبير الذي عرفته المبادرة الأمريكية بأنه العالم العربي، مضافا إليه باكستان وأفغانستان وتركيا وإيران وإسرائيل، أدخل الأوروبيون تعديلا أساسيا مفادُه أن نجاح الإصلاحات رهن ببلدان المنطقة، وأن التغيير يجب ألا يُـفرض من الخارج.

كما استوعبت التعديلات التي انطوت عليها المبادرة الصادرة عن قمة الدول الصناعية معضلة تبرير تأجيل إدخال الإصلاحات في العالم العربي بأولوية حل الصراع العربي الإسرائيلي، حينما أكّـدت المبادرة التي تحمل اسم “الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” ضرورة حل النزاعات الطويلة الأمد، خاصة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يُـعتبر عاملا مُـهما للتقدم في المنطقة، غير أن المبادرة أشارت في الوقت نفسه إلى ضرورة ألا تكون الصراعات الإقليمية عقبة أمام الإصلاح.

وعالجت المبادرة المعدّلة كذلك المخاوف العربية من أن تنطوي مبادرة الشرق الأوسط الكبير على تدخل أمريكي لفرض نمط مُـعين على المجتمعات العربية بأن دعت إلى إنشاء منتدى المستقبل للجمع بين وزراء من مجموعة الثمانية، ومن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لقاءات دورية لمناقشة قضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي فيها، وأكدت المبادرة الجديدة على أن دعم مجموعة الثماني لدفع خطى الإصلاحات سيكون من خلال شراكة ستقوم على تعاون حقيقي مع حكومات المنطقة ومع ممثلي القطاعات الاقتصادية والمجتمع المدني لترسيخ الحرية والديمقراطية وتحقيق النمو والازدهار للجميع.

فـارق بـالغ الأهمية

وقد أعربت الخبيرة مني يعقوبيان، مستشارة المعهد الأمريكي للسلام في واشنطن لسويس إنفو عن اعتقادها بأن الفارق الأساسي بين المبادرة الأمريكية الأصلية وتلك الصادرة عن قمة الثماني هي أن مبادرة الشرق الأوسط الكبير كانت تتّـجه أكثر إلى العمل مع المنظمات غير الحكومية في العالم العربي ومؤسسات المجتمع المدني بعكس مبادرة قمة الثماني التي تميل أكثر إلى العمل مع الحكومات ووفقا لمدى رغبة كل منها، وترى أن هذا فارق بالغ الأهمية.

كما ترى السيدة يعقوبيان أنه بينما تسعى المبادرتان إلى الإسراع بخطى الإصلاح في المنطقة، فإن الأمر يتوقّـف في المبادرة المعدلة على مدى استعداد مجموعة الدول الثماني للضغط الفعلي من أجل إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي.

وقالت الخبيرة المعنية بمبادرة لمعهد السلام الخاصة بالعالم الإسلامي، إن السؤال الذي سيُـحدد توجه التغيير وسرعته هو: ما هو القطاع من المجتمعات العربية الذي ستعمل معه مجموعة الثماني لإحداث التغيير والإصلاح؟

فإذا اقتصر عملها على التعاون مع الحكومات الراغبة في اتخاذ خطوات الإصلاح، فإن نطاق الإصلاح سيكون أضيق بكثير مما لو اختارت مجموعة الثماني أن تتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلي الحكومات الراغبة.

وترى مني يعقوبيان أن التعديل الخاص بعدم اتّـباع نموذج واحد للإصلاح يصلح لكل المجتمعات لم يتطرق بالتفصيل إلى كيفية إحداث الإصلاحات المطلوبة، واكتفى بالإقرار بشكل غير متعمّـق بخصوصية كل دولة واختلاف الظروف فيها، وبالتالي، ضرورة اختلاف منهج وسرعة إيقاع الإصلاح بحسب تلك الظروف.

ولاحظت أن صياغة مبادرة الشرق الأوسط الكبير، وإن كانت أكثر طموحا، فإنها كانت أيضا أكثر حسما وصلابة في إبراز الحاجة الماسة للإصلاحات، بينما تشير صياغة المبادرة المعدلة إلى وضع يقترب كثيرا من إبقاء الحال على ما هو عليه، ما لم تكن الحكومات راغبة في إدخال الإصلاحات.

تحديات المبادرة الجديدة

وتقول مني يعقوبيان، مستشارة المعهد الأمريكي للسلام إن هناك تحديات جمّـة تواجه تنفيذ المبادرة المعدلة، أولها عدم وجود آلية لضمان تحرك دول المنطقة بالفعل نحو الإصلاح السياسي، لا من خلال ربط المساعدات الخارجية بمدى ما تحقق من خطوات الإصلاح، ولا من خلال منح حوافز لتشجيع التحرك نحو الإصلاح المنشود، وبذلك، لم تحدد المبادرة الجديدة استراتيجية واضحة للتنفيذ.

كما أن هناك تحديا آخر يتمثل في أن المشاعر المعادية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وصلت إلى ذِروتها بسبب الوضع في الأراضي الفلسطينية من ناحية، والوضع في العراق خاصة في أعقاب فضيحة سجن أبو غريب، وهو وضع تصعب فيه الاستجابة لأي دعوة أمريكية إلى الإصلاح في الشرق الأوسط.

ولذلك، تنصح الخبيرة الأمريكية بضرورة أن تعود الولايات المتحدة وبسرعة لممارسة دور نشط وفعال لدفع جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والعمل بأقصى طاقة للوصول بالعراق إلى بر الأمان وتحويله إلى بلد ينعم بالأمن والسلام والاستقرار.

وقالت إنه مع تبنّـي المبادرة الجديدة للمطالب العربية، وخاصة فيما يتعلق بعدم فرض الإصلاحات من الخارج ومراعاة خصوصية كل بلد والعمل في نفس الوقت على تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، يصبح من المأمول فيه أن تُـبدي الدول العربية رغبة أكبر في التحول نحو الديمقراطية واتخاذ خطوات الإصلاح.

لكنها لاحظت أن غياب دول عربية رئيسية مثل مصر والسعودية عن المشاركة بحضور قمة الدول الثماني ينطوي على مؤشر يكشف عن مدى استعدادهما للتعاون مع جهود الإصلاح، ولكنها أعربت عن التفاؤل بأن المبادرة بالدعوة إلى الإصلاح، سواء في شكلها الطموح أو في صياغتها الجديدة، فتحت الباب على مصراعيه داخل المجتمعات العربية لممارسة الضغط من الداخل لإحداث تغييرات طال انتظارها داخل تلك المجتمعات، وأصبحت الآن على كل لسان وفي كل جدل ونقاش.

وضربت مثالا على ذلك، بأنه حتى جماعة الإخوان المسلمين في مصر طرحت تصورا للإصلاح الشامل وأضافت بُـعدا آخر لعدد من مقترحات الإصلاح الأخرى التي انبثقت من منظمات المجتمع المدني في مصر وفي عدد آخر من الدول العربية.

وخلصت إلى أنه يتعين على المبادرة أن تتعامل مع واقع الدور القوي الذي يلعبه الإسلام السياسي كأبرز قوى التغيير، بحيث لا يتم استبعاد العناصر المعتدلة داخل ذلك التيار لكي يصبح التغيير والإصلاح أكثر فعالية ومصداقية.

تفلت الأنظمة لن يُلغي الضغوط

أما الدكتور إبراهيم كروان، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة يوتا فيرى أن إدارة الرئيس بوش لم تكن لتسمح لمشروع الشرق الأوسط الكبير بأن يتحول إلى صيغة اختيارية للإصلاح في الشرق الأوسط لولا تدهور الوضع في العراق وعدم تحقيق التصور الأمريكي بأن عراق ما بعد الحرب سيكون نموذجا للديمقراطية تحتذي به باقي دول المنطقة.

وقال السيد كروان لسويس إنفو إن أنظمة الحكم العربية تتبع في مقاومة دعوات الإصلاح القادمة من الخارج أو ما سبقتها بعشرات السنين من دعوات داخلية للإصلاح استراتيجية ترتكز على المقومات التالية:

أولا، رفع شعار أن “المفروض مرفوض”، وخاصة إذا جاء من الخارج، وتستخدم في ذلك تعبئة الرأي العام واستثارة المشاعر الوطنية المستقلة.

ثانيا، المزايدة اللفظية بالتخفي وراء شعار ضرورة حل المشكلة الفلسطينية أولا دون أن تقدم تلك الأنظمة على تقديم أي دعم له قيمته، بحيث تبقى مشكلة مزمنة تستخدمها تلك الأنظمة لعقود قادمة، خاصة مع تعقد المشكلة.

ثالثا، القبول بإدخال إصلاحات جزئية وشكلية تحمل البعض على الاعتقاد بوجود شكل ما من الممارسة الديمقراطية في إطار التعددية السياسية المقيدة، وتنطوي على واجهة تسمح بقدر معين من الحرية دون أن تصل بالممارسة السياسية إلى تداول السلطة أو التأثير الفعلي في صنع القرار.

رابعا، دعم علاقات بعض الأنظمة العربية بفروع مهمة من الإدارة الأمريكية، مثل وزارة الدفاع من خلال التعاون الأمني والتسهيلات الدفاعية والمناورات المشتركة وغيرها لكي تضغط تلك الأنظمة العربية من خلال التحالف مع وزارة الدفاع الأمريكية في الاتجاه المعاكس لتوجهات وزارة الخارجية نحو إحداث إصلاحات في العالم العربي.

خامسا، استخدام الطرف الأوروبي ضد الطرف الأمريكي في مقاومة أي ضغوط أمريكية للتغيير باستغلال التنافس بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على قيادة التغيير مُـدركين أن الاتحاد الأوروبي لا يركّـز على مسألة الإصلاح السياسي ويشدد على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، مما يسمح للحكام العرب بإبقاء الوضع على ما هو عليه فيما يتعلق باستمرارهم في الحكم وشراء مزيد من الوقت.

ولكن الدكتور إبراهيم كروان يرى أن من يحاولون شراء مزيد من الوقت وإبقاء الحال على ما هو عليه في العالم العربي، سرعان ما سيجابهون ضغوطا من الداخل ومن الخارج على حد سواء من أجل اتخاذ خطوات الإصلاح، حيث أن فشل الأنظمة العربية في معالجة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سيُـسفر عن زيادة الضغوط من الداخل في ضوء الافتقار إلى تحقيق أي إنجازات تبرر استمرار الوضع.

كما ستزيد الضغوط من الخارج مع زيادة قناعة الدول الأوروبية والأمريكية بأن حرمان أبناء الشعوب العربية، وخاصة الشباب، من الفرص الاقتصادية والممارسة السياسية هو أحد مصادر الإرهاب ومنبع من منابع تهديد الأمن القومي لدول الغرب، كما حدث في هجمات سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة، وهو ما عبرت عنه المبادرة الجديدة بالقول بأن زعماء مجموعة الثماني “يدركون أن السلام والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والرخاء والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشكّـل تحديا للمجتمع الدولي بشكل يدفعهم إلى الإعلان عن دعمهم لإصلاحات ديمقراطية واجتماعية واقتصادية نابعة من دول المنطقة”.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية