مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سويسرا بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية فعالة”

كاتب الدولة للشؤون الإقتصادية جان دانيال غربر أثناء دراسنة لبعض الوثائق في المؤتمر السنوي لتقييم الأداء الاقتصادي السويسري عن عام 2004 Keystone

عقدت كتابة الدولة للإقتصاد في 7 يناير مؤتمرها السنوي، والذي رأت فيه بأن التوقعات التي تنبأت باحتمال إرتفاع معدلات النمو في العام 2005 قد تتراجع.

في الوقت نفسه تم الإعلان عن زيادة نسبة العاطلين عن العمل في سويسرا لتصل إلى 4%، وهي أعلى نسبة تسجلها البلاد منذ 6 سنوات.

شهدت العاصمة الفدرالية برن صباح الجمعة 7 يناير المؤتمر السنوي لكتابة الدولة للاقتصاد، والذي يقيـِّم فيه الخبراء الفدراليون حصيلة العام الماضي ويرصدون التوقعات المحتملة للسنة الجديدة، حيث رأى المتخصصون بأن التوقعات المعلنة في الربع الأخير من العام الماضي، التي رأت بأن سويسرا ستشهد في سنة 2005 نموا اقتصاديا قد يصل إلى 2% زيادة عن العام الماضي، أمر مبالغ فيه.

وقد استند المسؤولون في تلك النتيجة إلى المعلومات التي توفرت مؤخرا حول معدلات النمو في العالم، والأوضاع الإقتصادية الداخلية مع مطلع السنة الجديدة، التي اختلفت عما توقعه الخبراء في الربع الأخير من العام الماضي.

في الوقت نفسه، انتقد جان دانيال غربر كاتب الدولة للشؤون الاقتصادية، السياسة الفدرالية المتبعة حاليا في مجالي الإصلاح الإقتصادي والدعم الإجتماعي، كما انتقد في كلمته، ما وصفه بالتضارب بين برامج التطوير والإصلاح من ناحية، والرغبة في الوصول إلى معدل نمو اقتصادي يتصاعد بشكل تدريجي متواصل، وليس المقصود من هذا التضارب هو عدم اللجوء إلى خطط الإصلاح الاقتصادي، وإنما ربطها بالمتغيرات الواقعية التي تطرأ على هذا المجال، سواء على الصعيد الداخلي أو في العالم.

عائقان أمام النمو الإقتصادي

وقد رأى المسؤول الفدرالي أن هناك نقطتين هامتين عرقلتا بشكل رئيس النمو الاقتصادي في سويسرا مقارنة مع الإمكانيات المتاحة محليا، وما حققته الدول الأوروبية بصفة عامة منذ عام 1992 وحتى الآن؛ أما الأولى فهي أن سويسرا استثمرت كثيرا في مجالات ليس لها سوق، وكان توزيع الطاقة الإنتاجية مختلفا بشكل غير متناسق، وأما الثانية، فهي أن هناك العديد من القطاعات لا تزال تعتمد بشكل كبير على دعم الدولة، مثل التعليم والضمانات الاجتماعية، حيث ارتفعت مساهمة الحكومة في هذا القطاع وكانت وراء ارتفاع حصتها في الناتج القومي العام من 32% في عام 1990 إلى 39% في عام 2003، حسب قوله.

ومن بين النقاط التي أشار إليها المسؤول الفدرالي في حديثه، عدم التوصل حتى الآن إلى خلق نوع من التنافس الإيجابي داخل السوق المحلية، الذي من شأنه أن يرفع من الأداء الاقتصادي لتحسينه، وهو ما سينعكس بالتأكيد على الحالة العامة في البلاد، وذلك رغم توصيات الحكومة الفدرالية منذ فبراير 2004 حول هذا الموضوع، حيث أكدت آنذاك على ضرورة تعزيز ادماج الإنتاج السويسري في السوق العالمية، والاهتمام بالتعليم والتأهيل سواء في مراحله الأساسية أو في المجال التقني.

وقال غربر، بأن التركيبة السكانية في سويسرا، والتي ترتفع فيها نسبة كبار السن والمحالين على التقاعد، تشكل عائقا أمام برامج دعم النمو الاقتصادي، كما تهدد أيضا برامج التأمين والضمانات الاجتماعية، لذا، يؤكد على أن تحميل الصناديق الاجتماعية المختلفة بالديون من الآن يمثل عبئا كبيرا على الاجيال الجديدة من الشباب في المستقبل.

ولا يعني هذا بأن الدولة يجب أن تهمل صناديق المعاشات والضمانات الاجتماعية، بل من الأفضل، حسب رأيه، أن تربط الحكومة الفدرالية هذا الاهتمام بما يتناسب مع الأوضاع المالية العامة، ودون تهديد لبرامج النمو الاقتصادي.

وقال السيد غربر في المؤتمر: “إن الاقتصاد السويسري بحاجة إلى إصلاح اقتصادي – سياسي، وبدونه لا يمكن توقع نمو متواصل على المدى البعيد”، وإذا كان تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 2% خلال هذا العام أمر صعب، حسب المعطيات الجديدة، فيجب، حسب رأيه أن يبقى هدفا تسعى جميع الأطراف للوصول إليه.

زيادة نسبة البطالة

وتزامن انعقاد هذا المؤتمر مع إعلان كتابة الدولة للشوؤن الإقتصادية عن ارتفاع معدلات البطالة في سويسرا حيث وصلت إلى 4% مع نهاية العام الماضي، وإن كان بعض الخبراء يرون في تلك الزيادة أمرا عاديا لتراجع فرص العمل الموسمية في بعض القطاعات مثل البناء أو الخدمات السياحية، والتي يبدأ الطلب عليها تدريجيا مع حلول الربيع.

وقد اختلفت نسبة البطالة في سويسرا من منطقة إلى أخرى، فقد ارتفعت في جنيف بنسبة 7.3% لتبقى في طليعة الكانتونات التي تعاني من ارتفاع البطالة، بينما حافظت زيورخ على المعدل الذي كانت عليه في العام الماضي، في حين انخفضت في كل من “غروابوندن” في شرقي البلاد و “اوبفالدين” في وسط سويسرا بنسبة 1% في كل منهما، ويبقى كانتون “اوري” في الوسط أقل الكانتونات التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة.

في المقابل، إرتفع عدد العاطلين عن العمل منذ عام أو أكثر، بنسبة 1.7%، وهو ما يعني خروج 3415 شخص من دائرة المستفيدين من إعانة البطالة، للتوجه إلى جهاز الشؤون الإجتماعية للحصول على الحد الأدنى من الدعم المالي، الذي يكفي بالكاد لمواجهة نفقات الحياة اليومية.

النقابات تطالب بحلول عاجلة

وفي أول رد فعل على تلك النتائج قالت المنظمة العمالية السويسرية بأن العدد الكبير في العاطلين عن العمل في القطاعات الصناعية يعود إلى عدم قدرة من فقد وظيفته على تعلم مهنة جديدة، بعد أن تبددت الآمال في العثور على عمل في نفس مجال التخصص، وذلك بسبب عدم وجود الدعم المالي لهذا الهدف.

وتطالب المنظمة بمبادرة لدعم العاطلين عن العمل منذ فترات طويلة، وتمويل نفقات تدريبهم على الحرف التي يحتاجها السوق في الوقت الراهن، إلى جانب زيادة الفترة التي يحق فيها للعاطلين عن العمل من الإستفادة من إعانة البطالة لتصل إلى عامين، بدلا من سنة واحدة فقط.

وفي الوقت نفسه قال اتحاد النقابات السويسرية، إن مؤشرات البطالة تلك، ستؤدي إلى أزمة في فرص الحصول على أماكن تدريب في التعليم المهني للشباب، كما انتقد الاتحاد إهمال كتابة الدولة للإقتصاد لهذا الملف على الرغم من أهميته.

ومن الواضح بأن هناك طريقين منفصلين في التعامل مع السياسية الإقتصادية في سويسرا؛ أحدهما ينظر إلى النمو الإقتصادي من منظور الأرباح والخسائر ومدى تخلص الدولة من التزاماتها تجاه القطاعات المختلفة، حتى تلك المرتبطة بالتأمينات الأجتماعية أو صندوق المعاشات، والثاني، يراقب الأوضاع في سوق العمل.

ومن اللافت للنظر أن المسؤولين الفدراليين لا يربطون بين الناحيتين، بل ينظرون إليهما من زاويتين مختلفتين تماما، فإذا تحقق معدل النمو الإقتصادي المنشود، فكل شيء على مايرام، وإذا ارتفعت معدلات البطالة، فهذا ملف مختلف، بينما تحرص النقابات المهنية والعمالية على ربط الوصول على معدلات نمو اقتصادي عالية بتراجع نسبة البطالة في البلاد، مما يفرض مسؤولية تلقائية على الجهاز الإقتصادي لوضع مشكلة البطالة في اعتباراتهم عند الحديث عن الإصلاحات الإقتصادية، دون التركيز على النمو الإقتصادي فقط.

عندما أعلنت كتابة الدولة للإقتصاد في أكتوبر 2004 أن معدلات النمو في سويسرا خلال العام 2005 ستصل إلى 2%، شعر الكثيرون بالتفاؤل، أما أن يتم الإعلان عن عدم صحة تلك التوقعات في الأسبوع الأول من السنة، وارتفاع معدلات البطالة بهذه الصورة، فهو أمر مخيب للأمال إن لم يكن محبطا، لمن كان يتوقع أن تكون السنة الجديدة افضل حالا من التي سبقتها.

تامر ابو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية