مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هـل يـرفـض الناخبون مـقـتـرحات بــرن؟

قد تؤدي الممارسة الديموقراطية المباشرة التي تنفرد بها سويسرا هذه المرة إلى مواجهة غير مسبوقة بين الحكومة الفدرالية والكانتونات حول عدد من الملفات المطروحة للتصويت Keystone

تشهد سويسرا يوم الأحد 16 مايو تصويتا شعبيا يشمل مجموعة من القوانين الفدرالية الجديدة والعديد من من الملفات المحلية في مختلف الكانتونات.

وفيما يكتسب هذا التصويت أبعادا سياسية واقتصادية مهمة، يفتح الباب أيضا بوجه تطورات تقنية مستقبلية.

تدور الموضوعات المطروحة للتصويت في 16 مايو الجاري حول تعديلات جوهرية في سياسة الضرائب والتعامل مع ملف الضمانات الاجتماعية والمعاشات، إلى جانب موضوعات محلية من بينها مشروعات تتعلق بالبنية التحتية وأخرى لتنشيط الأداء الإقتصادي وتعزيز التعاون بين الكانتونات.

وقد ربطت الحكومة الفدرالية في القضايا المعروضة على الإستفتاء بين ملف دعم صندوق المعاشات والتأمينات من ناحية وبين فرض رسوم إضافية على جميع أنواع السلع، في الوقت الذي تقترح فيه فيه باقة من التخفيضات الضرائبية، لتكون حزمة الموضوعات المطروحة للتصويت على الصعيد الفدرالي مدموغة بالاهتمام بالتوفير، أحدها لفائدة المواطن، والآخر لصالح الخزانة العامة.

تمويل المعاشات برفع الرسوم

تواجه سويسرا، كغيرها من دول غرب أوروبا، نقصا في معدل المواليد، ينعكس بالتالي على تراجع أعداد القوى العاملة الشابة، التي من المفترض أن تساهم في تمويل صندوق المعاشات والتقاعد، وهي معضلة تجعل شريحة كبيرة من العاملين يشعرون بعدم الارتياح وتذبذب الثقة في مستقبلهم.

ويدعو المقترح الحكومي المعروض للتصويت إلى اتخاذ إجراءات تقشفية (اعتبرت قاسية من طرف البعض)، مثل رفع قيمة “الأداء على القيمة المضافة” على السلع بجميع أنواعها، من أجل تعويض النقص المرتقب في موارد خزينة المعاشات والتأمينات، وهو ما سيؤدي بالطبع إلى ارتفاع أسعار المنتجات على اختلاف أنواعها.

كما تقترح الحكومة في برنامجها إجبار بعض العمال من ذوي الدخل المحدود والمتقدمين في العمر على التقاعد المبكر، من أجل إتاحة أماكن عمل لآخرين من صغار السن، لديهم القدرة على مزيد العطاء بجهد أكبر.

وفي محاولة منها لإقناع الناخبين بوجاهة هذه المقترحات، قالت الحكومة إن رفع قيمة “الأداء على القيمة المضافة” سيكون في صالح صندوق التأمينات المخصص للعاجزين عن العمل، وأن نسبة الزيادة لن تتجاوز 0.8%، على أن ترتفع إلى 1% مع حلول عام 2009 لصالح موارد صندوق المعاشات والمتقاعدين.

وقد انقسمت الأحزاب السياسية حول هذا القانون، فبينما أيدها اليسار لأنها السبيل الوحيد برأيه لسداد العجز في صندوق المعاشات والتأمينات، رأى فيها الليبراليون عائقا أمام النمو الاقتصادي، لأن هذه الرسوم الإضافية ستؤدي إلى عزوف المستهلكين عن الشراء بعد ارتفاع الأسعار، بينما يرى تيار ثالث بأن الحل المتمثل في رفع نسبة هذا الأداء ليس عادلا، لأنه يساوي بين الأثرياء وذوي الدخول المحدودة، حيث من المفترض أن يدفع الميسورون أكثر من الآخرين.

حزمة ضريبية متنازع عليها

في المقابل يواجه الناخبون ملفا أكثر حساسية، وهو التصويت على حزمة التسهيلات الضريبية التي أعدتها الحكومة، بهدف تخفيف العبء على الأسر ذات الدخل المحدود والتشجيع على امتلاك البيوت والعقارات.

وفيما رحبت الأحزاب البورجوازية بهذا المقترح ورأت فيه أحسن وسيلة لتشجيع الاقتصاد المحلي، انقسمت الكانتونات فيما بينها على ما يمكن أن تسفر عنه هذه الباقة الضريبية من نتائج.

فمن بين 26 كانتونا تشتمل عليها الكنفدرالية، رأت السلطات المحلية في أحد عشر منها بأن تخفيض الضرائب سينعكس سلبيا على أداء الخدمات العامة، التي يتم تمويلها من الموارد العمومية، وهو ما سيعود بالضرر على علاقة المواطن بالدوائر الحكومية وثقته في أدائها، واتفقت أحزاب من اليسار واليمين في تلك الكانتونات على هذا الرأي، حرصا منها على الحفاظ على علاقة صحية بين المواطن والأجهزة الحكومية.

في المقابل، ترى أحزاب الخضر بأن تلك التسهيلات الضريبية هدية للأثرياء، ولن يستفيد منها القطاع العريض من السويسريين، وبالتالي لا تحقق نوعا من التكافؤ الفرص.

علامات الرفض تلوح في الأفق

وتدل المؤشرات الأخيرة قبل أيام قليلة من توجه الناخبين السويسريين إلى صناديق الاقتراع إلى رفضهم للتوجهات الحكومية في الملفات الثلاثة المطروحة، حيث يرى بعض الناخبين أنها غير متوازنة ويعتقد آخرون بأنها متناقضة.

ففي آخر استطلاع للرأي قامت به هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية بالتعاون مع معهد متخصص في سبر الآراء تبين أن 56% من المستجوبين يعارضون المقترحات الحكومية المطروحة في مقابل 23% من المؤيدين، وتردد 21% في حسم اختياراتها.

وفي واقع الأمر يقف السويسريون أمام ملفات محيرة. فمن ناحية، ترى الأغلبية ضرورة دعم صندوق المعاشات والتأمينات، ولكن ليس من خلال دفع مزيد من الرسوم، ومن جهة أخرى، يحبذ الناخبون الحصول على تسهيلات ضرائبية جديدة، لكن شريطة أن تكون لصالح الشريحة العريضة في المجتمع، وألا تقتصر على طبقة الأثرياء فقط.

أما المثير في تصويت يوم الأحد المقبل فيتمثل في ظاهرتين مهمتين. تتمثل الأولى في أن التحدي القائم بين الحكومات المحلية في الكانتونات والحكومة الفدرالية في برن حول ملف الضرائب يشكل سابقة تاريخية لم تشهد مثلها سويسرا من قبل، حيث تسعى الكانتونات هذه المرة إلى إلغاء قانون فدرالي كان من المفترض أن يلقى دعما من حكوماتها في انتظار صدور القرار النهائي عن الناخب.

أما الظاهرة الثانية المصاحبة لهذا التصويت فتتمثل في أنه سيكون الأخير الذي يتم اجراؤه بالشكل “الورقي” التقليدي. إذ ستبدأ سويسرا في شهر سبتمبر المقبل في استخدام التصويت الأليكتروني، لتكون بذلك من أوائل الدول التي تستخدم هذا الأسلوب المتطور في تفعيل ما يعرف بـ”الحكومة الاليكترونية”.

تامر أبوالعينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية