مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سجونٌ سويسريةٌ مكتظة: استثناء أم أزمة؟

يمثل الأجانب نسبة 70% من الأسرى القابعين وراء قضبان السجون السويسرية Keystone

أكد وزير العدل والشرطة السويسري في مايو الماضي أنه يدرس مليا فكرة بناء سجون في الخارج لترحيل السجناء الأجانب الذين يمثلون 70% من إجمالي المعتقلين في الكنفدرالية.

وسائل الإعلام السويسرية بدأت تتحدث عن “أزمة” اكتظاظ السجون، لكن السلطات المعنية تؤكد أن الأمر يتعلق بظرف استثنائي قد يزول بفضل جملة من التعديلات التشريعية الجديدة.

يوم 17 مايو الماضي، صرح وزير العدل والشرطة السويسري كريستوف بلوخر خلال زيارة إلى فيينا أن بلادهُ مُهتمة بفكرة النمسا المتعلقة ببناء سجون في الخارج لترحيل السجناء الأجانب بغرض تقليص النفقات وتفادي اكتظاظ السجون الوطنية.

غير أن السيد بلوخر امتنع في تلك المناسبة عن ذكر أسماء البلدان التي يمكن أن يشملها الإجراء إذا ما قررت سويسرا بالفعل بناء سجون في الخارج. ومنذ ذلك الحين لم تعلن وزارة العدل والشرطة عن معلومات إضافية حول هذا المشروع.

وجديرٌ بالذِّكر هُنا أن نسبة السجناء الأجانب في سويسرا لا تقل عن 70.9% من إجمالي الأسرى. ويوجد ضمن المعتقلين الأجانب الـ 3536 القابعين في سجون الكنفدرالية 470 يوغوسلافيا، و250 ألبانيا، و170 إيطاليا حسب معطيات المكتب الفدرالي للإحصاء لعام 2002.

ظرف مزعج وتهديدات بالإضراب

ويبدو أن سلطات العديد من الكانتونات بدأت تنزعج من ارتفاع نسبة سجناء أبناء دول البلقان لديها، حتى أن رئيس قسم تنفيذ العقوبات في كانتون فريبورغ جوزيف يوتزيت قال في تصريح لصحيفة “لا ليبرتي” التي تصدر بمدينة فريبورغ: “إن مشروعه (أي وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر) كان يتعلق ببناء سجن في رومانيا، لكن منطقة البلقان هي التي تعد مشكلة بالنسبة لنا”.

وقد كَثُر الحديث في وسائل الإعلام السويسرية مؤخرا عن ظاهرة اكتظاظ عدد من السجون في البلاد خاصة في جنيف وبرن وزيوريخ، وما يترتب عنها من تدني في الخدمات، وتهديدٍ لأمن السجناء والحراس، وفرار بعض الأسرى نتيجة افتقار المؤسسات المكتظة للعدد الكافي من الحراس، أو نتيجة وضع “الفائض” من السجناء في مؤسسات تقع خارج الكانتونات ولا تتوفر على الإمكانيات الأمنية الضرورية.

وأشارت صحيفة “لا ليبرتي” في عددها الصادر بتاريخ 14 يوليو الجاري- إلى أن اختناق الطاقة الاستيعابية في بعض السجون دفع القضاة في كانتون فريبروغ إلى إطلاق سراح بعض المحتجزين فور استجوابهم. وأوضح المتحدث باسم مكتب قضاة التحقيق في الكانتون رافاييل برينتا أن هذا الإجراء يخص فقط مُرتكبي المخالفات البسيطة، وأنه لم يحدث أبدا أن أفرجت سلطات فريبروغ عن المتاجرين بالمخدرات مثلا بسبب الافتقار إلى أماكن الاحتجاز.

أما صحيفة “لوتون” التي تصدر بجنيف فأشارت في عددها الصادر يوم 13 يوليو أن حراس سجن “شون دولون” الذي يتسع لـ270 محتجزا فقط والذي يأوي حاليا 428 سجينا، صوتوا لصالح تنفيذ “إضراب جزئي” ابتداء من الخريف القادم إذا ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لتخفيف العبء عليهم. ويتمثل هذا الإضراب في تقليص جودة الخدمات ووتيرة العمل.

فهل يمكن بالفعل الحديث عن “أزمة” في السجون السويسرية مثلما تصفها وسائل الإعلام؟

وضع استثنائي له أسبابه

تُجيب المتحدثة باسم المكتب الفدرالي للعدل سابين زاوغ في حديث مع سويس انفو أن هنالك بالفعل اكتظاظا كبيرا في السجون السويسرية حاليا. في المقابل، توضح المتحدثة أن هذه الظاهرة ليست جديدة وأن العكس أيضا يمكن أن يحدث، حيث أشارت إلى أن السجون السويسرية شهدت “تراجعا” في عدد السجناء ما بين عامي 2000 و2002.

وتضيف السيدة زاوغ: “ما هو استثنائي في المرحلة الراهنة هو استمرار الوضع على ما هو عليه، فقد ارتفع عدد السجناء منذ عام 2002 ولم نستنتج تغييرا أو تراجعا في عددهم لمدة سنتين، وهذا أمر جديد، لذلك هنالك حديث عن أزمة (في وسائل الإعلام)”.

ويتفق أمين مؤتمر رؤساء مكاتب العدل والشرطة في الكانتونات اللاتينية السيد هنري نووفر مع هذا الرأي حيث قال في تصريح لـ”سويس انفو”: “لا أعتقد أنه بإمكاننا الحديث عن أزمة، هنالك اكتظاظ في بعض المؤسسات أو الكانتونات، لكن هذا الاكتظاظ ليس عاما بتاتا في سويسرا”.

ومن بين الأسباب التي أدت إلى انفجار الطاقة الاستيعابية في عدد كبير من السجون السويسرية، ذكرت المتحدثة باسم وزارة العدل والشرطة إقدام بعض الكانتونات خلال العامين الماضين على إغلاق العديد من السجون نظرا لقدم مبانيها وعدم استجابتها لشروط الإعتقال “العصرية”، مما أدى إلى نقص في أماكن الاحتجاز المتوفرة.

وأشارت السيدة زاوغ في هذا السياق إلى أن بناء سجون جديدة لسد هذه الثغرة مشروع لا يمكن إنجازه في عام أو عامين لأنه يتطلب تخطيطا ماديا ولوجيتسا.

أما أمين مؤتمر رؤساء مكاتب العدل والشرطة في الكانتونات اللاتينية فقد حرص على التذكير في حديثه مع “سويس انفو” بأن السنوات الماضية سجلت تراجعا عاما في عدد أيام قضاء عقوبة السجن والعقوبات السالبة للحرية في سويسرا. في المقابل، بقي عدد الإدانات مستقرا نسبيا.

وأضاف السيد نويوفر أن هذا التراجع دفع السلطات إلى تقليص أماكن الاعتقال من 6815 في عام 2001 إلى 6513 في عام 2003. وقد استنتجت المؤسسات السجنية منذ نهاية العام الماضي فقط ارتفاعا ملحوظا في عدد الأشخاص الموضوعين رهن الاحتجاز الوقائي.

والحل؟

عن الحلول المُقترحة لمواجهة الاختناق الراهن في العديد من السجون السويسرية، أشارت المتحدثة باسم المكتب الفدرالي للعدل إلى إمكانية وضع أكثر من سجين في الزنزانة الواحدة. لكن السيدة زاوغ أعربت في نفس الوقت عن عدم ارتياحها لمثل هذا الحل الذي يطرح مشاكل أخرى.

وبعد الإشارة إلى اهتمام وزير العدل والشرطة السويسري كريستوف بلوخر بمشروع بناء النمسا لسجن في رومانيا، أعربت السيدة زاوغ عن اعتقادها أن مثل هذا المشروع قد لا يشكل الحل الأمثل بالنسبة لسويسرا، مُتحاشية الخوض في التفاصيل ومكتفية بالتنويه إلى أن هنالك أسئلة كثيرة مفتوحة ومطروحة حول هذا الملف، وأنه لا يمكن لسويسرا أن تكون لها سجون من درجتين، بعضها في الخارج والبعض الآخر في الداخل.

وفيما يتعلق بالعدد الهام لسجناء دول البلقان في سويسرا، قالت المتحدثة “إن فكرة بناء سجن لأسرى دول البلقان يطرح مشاكل كثيرة من الناحية التشريعية التي لا يمكن تسويتها على الفور”.

أما أمين مؤتمر رؤساء مكاتب العدل والشرطة، فركز في حديثه عن سبل مواجهة ظاهرة اكتظاظ السجون على جملة الإجراءات التي اتخذت في هذا المجال، لعل أبرزها تعديل القانون الجنائي بموجب القانون الفدرالي الصادر في 13 ديسمبر 2002، والذي سيدخل حيز التطبيق في الفاتح من يناير 2006.

ومن أهم الأهداف المتوخاة من مراجعة هذا النص التشريعي الفدرالي تعديل السياسة الجنائية وإيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية بالنسبة للجنح الصغيرة والمتوسطة. وفي إطار تعديل هذه السياسة يتوقع التوقف عن تطبيق عقوبات السجن القصيرة التي تمثل 80% من العقوبات السالبة للحرية مع النفاذ في سويسرا. وفي هذا الصدد، أشار السيد نويوفر إلى أن الكنفدرالية تشهد كل عام 80 ألف محاكمة مقابل 10 ألف حالة تنفيذ لعقوبة الحبس.

مجرد إجراءات مُسكنة

ويتوقع على المدى البعيد أن تؤدي الإجراءات الجديدة إلى وقف تنفيذ العقوبات التي يمكن أن تصل إلى 24 شهرا. ويذكر هنا أن العقوبات مع وقف التنفيذ ممكنة بالنسبة للعقوبات التي تصل إلى 18 شهرا في سويسرا. كما سيتم اعتماد أحكام مع وقف التنفيذ الجزئي لمدة 36 شهرا بالنسبة لمن صدرت في حقهم أحكام بالسجن لمدة عام. ومن شأن مثل هذه الإجراءات الجديدة تخفيف العبء على المؤسسات السجنية.

وفيما يتعلق بمشروع بناء سجون في الخارج، فقد فضل السيد نويوفر عدم التعبير عن موقفه نظرا لنقص المعلومات المتوفرة لديه حول هذا الموضوع، لكنه تحدث باستفاضة عن البروتوكول الاختياري لمعاهدة ترحيل الأشخاص المحكوم عليهم، والذي صادقت عليه سويسرا في 25 يونيو الماضي.

ويعتقد أمين مؤتمر رؤساء مكاتب العدل والشرطة في الكانتونات اللاتينية أن هذا البروتوكول الاختياري الذي صادقت عليه الدول الـ32 الأعضاء في المجلس الأوروبي، قد يشكل متنفسا لمسألة اكتظاظ السجون لكن لن يقضي عليها تماما لأنه يتطلب موافقة الدول المعنية، ولن يشمل في كل الأحوال العدد الأكبر من المساجين الأجانب في سويسرا.

إصلاح بخات – سويس انفو

كشفت الأرقام الصادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء في عام 2002 عن المعطيات التالية:
3536 معتقل أجنبي على الأقل يتواجدون خلف قضبان السجون السويسرية من أصل حوالي 5000 سجين، أي ما يعادل 70,9%
يوجد ضمن الأسرى الأجانب:
470 سجينا يوغوسلافيا، 250 ألبانيا، 170 إيطاليا
أما عدد المؤسسات السجنية فيبلغ 165، لـ6547 أسير، أي ما يعادل 90 مكان اعتقال لكل 100 الف ساكن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية