
ولي العهد السعودي وإردوغان يبحثان تطوير علاقات السعودية وتركيا بعد خلاف مرير

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في جدة الخميس، خلال أول زيارة للزعيم التركي للمملكة منذ مقتل جمال خاشقجي في 2018، تطوير العلاقات بين البلدين اثر خلاف مرير في أعقاب جريمة اغتيال الصحافي السعودي.
ونشرت وكالة الأنباء السعودية “واس” صورا للزعيمين وهما يتعانقان، في ما بدا مقدمة لطي صفحة التوتر بين القوتين الاقليميتين بعد اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول على أيدي عناصر سعوديين.
والتقى إردوغان الباحث عن تحسين علاقات بلاده مع القوى الاقليمية في خضم مصاعب اقتصادية جمة، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في مستهل زيارته الاولى للمملكة الثرية منذ نحو خمسة أعوام، ثم اجتمع بولي العهد الأمير محمد.
وجرى خلال الاجتماع بين إردوغان والأمير الشاب “استعراض العلاقات السعودية التركية، وفرص تطويرها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها”، حسبما أفادت “واس”.
وكانت طائرة إردوغان حطّت في مطار جدة في غرب المملكة مساء الخميس، وكان في استقباله في المطار أمير منطقة مكّة المكرّمة خالد الفيصل بحسب قناة “الاخبارية” الحكومية، فيما تزيّنت شوارع في المدينة بأعلام البلدين.
وقبيل مغادرته، قال إردوغان للصحافيين “سنحاول إطلاق حقبة جديدة وتعزيز كافة الروابط السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية”، مضيفا “آمل أن توفّر هذه الزيارة فرصة لتعزيز العلاقات القائمة على الثقة والاحترام المتبادلين”.
وتابع “نعتقد أن تعزيز التعاون في مجالات تشمل الدفاع والتمويل هو في مصلحتنا المشتركة”.
وبحسب مسؤول تركي تحدّث لوكالة فرانس برس مفضّلا عدم الكشف عن هويته، فإنّه من المتوقع ألا تصدر تصريحات عن إردوغان خلال هذه الزيارة.
– توتّر في العلاقات –
قُتل خاشقجي، الصحافي الذي كان يكتب مقالات في صحيفة “واشنطن بوست” ينتقد فيها ولي العهد، الحاكم الفعلي للبلاد، في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر عام 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول، في عملية قطّعت فيها أوصاله وأحدثت صدمة في العالم وشرخا في العلاقات.
واتّهم الرئيس التركي حينها “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية بإعطاء الأمر لتنفيذ عملية الاغتيال على أيدي عناصر سعوديين، لكنه استبعد العاهل السعودي من التهمة. ويتولى الملك سلمان منصب رئيس الوزراء، فيما يقوم ولي العهد بمهام نائب رئيس الحكومة.
ووجّهت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أصابع الاتهام إلى ولي العهد، لكن الحكومة السعودية نفت بشكل قاطع أي دور للأمير محمد. ولم يتم العثور على جثة الصحافي.
وبدأت تركيا محاكمة غيابية في تموز/يوليو 2020 بحقّ 26 سعوديًا يشتبه في تورّطهم بمقتل خاشقجي، إلّا أنّها نقلت الملف في 7 نيسان/أبريل إلى السعودية، ما يعني إسدال الستار على القضية في تركيا، الأمر الذي أثار استياء منظّمات حقوقية.
وبدت المحاكمة في تركيا الحاجز الأخير أمام زيارة إردوغان الذي كان اعلن في بداية العام نيته الذهاب للمملكة بينما كانت العلاقات التجارية تتحسّن بين القوتين الاقتصاديتين.
وحُكم بالإعدام على خمسة أشخاص في المملكة على خلفية مقتل خاشقجي. لكن في أيلول/سبتمبر 2020، أصدرت محكمة في الرياض أحكاما نهائية في القضية قضت بسجن ثمانية مدانين لفترات تراوح بين 20 وسبع سنوات، في تراجع عن أحكام الإعدام بعد إجراءات قضائية سريّة.
وطبع التوتر علاقات تركيا، التي تحتضن قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، مع السعودية والامارات اللتين تصنّفان الجماعة على أنّها تنظيم إرهابي في السنوات الأخيرة.
– تجارة واستثمارات –
يرى المحلل السعودي علي الشهابي أن وصول إردوغان هو بمثابة انتصار للمسؤولين السعوديين الحريصين على فتح صفحة جديدة.
وقال إنّ “إردوغان كان معزولا ودفع ثمنا اقتصاديا باهظا عبر خسائر اقتصادية فادحة نجمت عن المقاطعة الاقتصادية ومقاطعة السفر، ولهذا يزور للسعودية”.
واضاف أن البلدين سيستفيدان من ذلك لأن إردوغان “بحاجة لتدفق التجارة والسياحة من السعودية، والسعودية تفضّل أن يكون بجانبها في ما يتعلق بمجموعة متنوعة من القضايا الإقليمية، وقد تكون منفتحة على شراء الأسلحة من تركيا أيضا”.
تعود زيارة إردوغان الأخيرة إلى المملكة إلى عام 2017 عندما حاول التوسط في الصراع الدبلوماسي بين عدة دول خليجية وقطر، حليفة أنقرة. وتصالحت دول الخليج العام الماضي، بينما شهدت المنطقة تقاربات دبلوماسية في الأشهر الأخيرة مع ضعف الاقتصادات في فترة ما بعد تفشي وباء كوفيد-19 بشكل خاص.
وفي شباط/فبراير الماضي، قام الرئيس التركي بأول زيارة رسمية له إلى الإمارات منذ نحو عقد، بعد أشهر قليلة من زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة، حيث أظهر البلدان رغبتهما في تعزيز العلاقات الاقتصادية.
وتأتي زيارة إردوغان للسعودية في وقت تواجه تركيا أزمة مالية حادة دفعتها إلى طي صفحة الخلاقات مع خصومها، مثل مصر وإسرائيل، وخصوصا دول الخليج الغنية بالنفط، إذ يشهد الاقتصاد التركي انهيار عملته وارتفاع معدل التضخم الذي تجاوز 60 بالمئة خلال السنة الماضية.
وتأمل تركيا في جذب استثمارات خليجية جديدة وإبرام اتفاقات مالية لدعم عملتها. وقد تمّ خلال زيارة الشيخ محمد تأسيس صندوق استثماري بقيمة عشرة مليارات دولار.
يقود إردوغان تركيا منذ تسعة عشر عامًا كرئيس للوزراء ثم كرئيس للبلاد، ويأمل في إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في حزيران/يونيو 2023.