مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بـرن تتمسك بالنهج الثنائي مع بروكسل

وزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري ووزير الاقتصاد جوزيف دايس يجيبان على أسئلة الصحفيين حول تقرير "أوروبا 2006" يوم 28 يونيو الجاري في برن Keystone

أكدت الحكومة الفدرالية تمسكها بنهج الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي الذي تعتبره أفضل سبيل للدفاع عن المصالح الدبلوماسية والاقتصادية لسويسرا على المدى المتوسط.

جاء ذلك في تقرير “أوروبا 2006” الذي أثار نشره يوم 28 يونيو في برن ردود فعل متباينة داخل الأحزاب الرئيسية السويسرية.

“لا يجب الحُكم على علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي استنادا للخطة النمطية جدّا من نوع “الانضمام/عدم الانضمام”.

هذه الجملة وردت في تقرير “أوروبا 2006” الذي نشرته الحكومة السويسرية يوم الأربعاء 28 يونيو في برن، وكرّرتها وزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري في نفس اليوم أمام الصحفيين لدى تقديمها للتقرير إلى جانب وزير الاقتصاد جوزيف دايس.

بعبارة أوضح، يقول التقرير إنه يتعين على سويسرا أن تكتفي حاليا بضمان تطبيق الاتفاقيات الثنائية المُبرمة بعد مع الاتحاد الأوروبي، وبتعميق التقارب مع بروكسل في قطاعات مثل الصحة والزراعة والكهرباء.

وقد أكدت الحكومة السويسرية في التقرير – الذي جاء في أكثر من 150 صفحة- أنها لا ترى أي ضرورة لتغيير إستراتيجيتها إزاء الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، لأن “الظروف جيدة”. لكن إذا ما تطورت الأمور، فسيكون بإمكانها “تصوّر بدائل أخرى”.

وأوضحت الحكومة بهذا الشأن أن الأدوات التي تتوفر عليها سويسرا في اطار علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي متعددة ومتطورة ولا يجب ان تتعارض مع بعضها البعض”، مؤكدة أنها لا تستبعد أي حل، حتى الاكثر افتراضية مثل إبرام اتفاق إطاري يضع كافة الاتفاقيات الثنائية تحت سقف واحد، وهو اتفاق يناقش حاليا بين سويسرا والخبراء الاوروبيين. وقد نوهت السيدة كالمي ري إلى أن برن “تستبعد إمكانية واحدة فقط: هي الانغلاق”!

ويبدو جليا من مضمون التقرير أن سويسرا لن تسحب طلب فتح مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي جمـّدته بروكسل عام 1992 إثر رفض الناخبين السويسريين الالتحاق بالمجال الاقتصادي الأوروبي. ويـُذكر أن الحكومة السويسرية، التي طالما اعتبرت الانضمام إلى الاتحاد هدفا استراتيجيا، قامت بتنزيله إلى درجة “الخيارات على المدى البعيد” في أكتوبر الماضي.

مواضيع رئيسية

تقرير “أوروبا 2006” بحث انعكاسات انضمام محتمل لسويسرا إلى الاتحاد الأوروبي. فقد تم إنجازه بهدف “وضع السياسة الأوروبية لسويسرا في سياقها الأكثر شمولية فيما يخص الدفاع عن مصالحها، وكذا تقديم مختلف الأدوات التي بحوزتها”.

وركـّزت الوثيقة على الأدوات التي تُـبرز الطبيعة المُتطورة للعلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي. ويُـفترض أن يستخدم التقرير – الذي مازال سيُعرض على غرفتي البرلمان الفدرالي- كأساس للمحادثات حول مستقبل العلاقات بين الجانبين.

ويحلِّلُ التقرير تأثيرات كل مقاربة – من النهج الثنائي، والاتحاد الجمركي، والانضمام إلى المجال الاقتصادي الأوروبي، وإلى الاتحاد الأوروبي- وذلك استنادا إلى تأثيرات الأدوات الرئيسية على حوالي عشرين موضوعا رئيسيا، مثل الديمقراطية المُباشرة، والفدرالية، والأموال العمومية، وسوق العمل، والضرائب، والسياسة في مجال البنى التحتية، والمواد الصناعية، والخدمات، والصناعة، والحياد، والأمن الداخلي.

النهج الثنائي ليس مجانيا!

وقد ورد في تقرير “أوروبا 2006” أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد يكلف حوالي 3,4 مليار فرنك في العام لسويسرا، وأن الضريبية على القيمة المضافة ستصل إلى 15%، وأن الحقوق الشعبية ستتعرض لبعض التضييقات.

كما أوضح أن النهج الثنائي ليس مجانيا أيضا، إذ تقدر المشاركة السويسرية في مختلف الوكالات والبرامج الأوروبية بأكثر من 440 مليون في العام للفترة الممتدة بين 2007 و2013.

يضاف إلى ذلك المساهمة السويسرية بمليار فرنك على مدى خمسة أعوام (200 مليون في العام) لدعم مسار الاندماج الاجتماعي والاقتصادي الأوروبي بعد انضمام عشرة بلدان جديدة للاتحاد في 2004، وهي مساهمة يهددها استفتاء شعبي مضاد على المستوى الوطني.

وقد أعربت وزيرة الخارجية كالمي ري يوم الأربعاء 26 يونيو أمام الصحفيين في برن عن قلقها البالغ حول احتمال رفض الناخبين لمنح المليار السويسري، قائلة “لا استطيع أن أتصور ما سيحول بعلاقاتها مع بروكسل في حال رفض هذه المساهمة”.

“أفضل سبيل”

صدور تقرير “أوروبا 2006” حظي بمتابعة واهتمام كبيرين في الأوساط الحزبية والجمعيات المؤيدة أو المعارضة لانضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي أولى ردود الفعل بعد الإطلاع على مضمون الوثيقة، قال الحزب الاشتراكي “إن الحكومة الفدرالية تفتقر إلى الشجاعة”، بينما أعرب حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) عن أسفه لميل الحكومة المتواصل إلى خيار الانضمام.

وبين اليسار واليمين المتشدد، حيـَّت القوى السياسية الأخرى تمسُّك برن بالنهج الثنائي في علاقتها مع بروكسل، إذ عبـّر الراديكاليون (يمين) والديمقراطيون المسيحيون (وسط يمين) عن قناعتهم بأن هذا السبيل هو أفضل طريقة للدفاع عن مصالح سويسرا أمام أوروبا.

في المُقابل، لم يُخفِ الراديكاليون أسفهم لعدم توضيح الحكومة للكيفية التي ستحمي بها هذا النهج الثنائي على المُستوى الداخلي، والذي يُواجه هجوما مُنتظما من طرف حزب الشعب.

“خيارٌ مؤقت” أو “طريق خاطئ”؟

أما “الحركة الأوروبية السويسرية الجديدة” المؤيدة لانضمام الكنفدرالية إلى الاتحاد، فتعتقد أن سويسرا تفتقر بشكل حاد إلى تقييم الوضع السياسي للبلاد، معربة عن الأسف لصدور التقرير في شكل “قائمة خيارات أكثر مما هو تحديد للسياسة الأوروبية للبلاد”.

من جهتها، ترى منظمة العمال السويسريين (Travail.Suisse) أن الاتفاقيات الثنائية ليست سوى “أسلوب حياة” مؤقت، معربة عن قناعتها أن النهج الثنائي أظهر حدوده ويجب أن يكون مرحلة تـُمهد لاندماج أكثر تطورا.

في الأثناء، قالت “جمعية العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” التي ترفض رفضا قاطعا انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي “رغم أن السلبيات السياسية والاقتصادية الخطيرة لانضمام بلادنا للاتحاد الأوروبية أمر لا جدال فيه، فإن الحكومة ليست لديها لا الإرادة ولا القوة للابتعاد عن هذا الطريق الخاطئ”.

بروكسل لم تُفاجئ

وفي بروكسل، يتوقع أن تتخذ المفوضية الأوروبية موقفا من التقرير السويسري في غضون الأيام القليلة القادمة. لكن وفقا للتعليقات الأولى التي صدرت عن مصادر قريبة من الجهاز التنفيذي الأوروبي، استُقبل التقرير بنظرة حسنة نوعا ما. إذ تعتبر بروكسل أن كل ما يساهم بأقصى قدر من الموضوعية في النقاش حول علاقة هو أمر ايجابي.

وقد نقلت صحيفة “لوتون” الصادرة في جنيف (نسخة 29 يونيو 2006) عن مصدر أوروبي قوله إثر الإعلان عن نشر التقرير: “بالنسبة لنا، تظل لسويسرا توجهات أوروبية، لكننا بطبيعة الحال، لا نريد بلدا عضوا ضد إرادته”.

وأوضحت الصحيفة أن مصادر دبلوماسية في بروكسل استنتجت أن تقرير “أوروبا 2006” لم يتضمن “أية مفاجئات” وخلى من اتخاذ “مواقف حقيقية”.

سويس انفو – إصلاح بخات مع الوكالات

تبلغ الصادرات السويسرية نحو الاتحاد الأوروبي أكثر من 80 مليار فرنك في العام (60% من إجمالي صادرات البلاد).
تناهز واردات سويسرا من الاتحاد الأوروبي 110 مليار (80% من إجمالي الواردات).
توظف الشركات السويسرية المستقرة في دول الأوروبي 850 ألف شخص.
أصل قرابة 60% من السكان الأجانب في سويسرا من دول الاتحاد، أي أكثر من 900000 شخص.
60% من المهاجرين السويسريين يقيمون في دول الاتحاد، أي أكثر من 380000 شخص.

بعد رفض الناخبين السويسريين الانضمام إلى المجال الاقتصادي الأوروبي عام 1992، اعتمدت برن نهج الاتفاقيات الثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي.

دخلت الحزمة الأولى من الاتفاقيات الثنائية بين الجانبين، التي شملت سبعة قطاعات من بينها حرية تنلق الأشخاص، في عام 2002.

تضمنت الحزمة الثانية التي وُقعت في عام 2004، مشاركة سويسرا في فضاء شنغن ودبلن المرتبطتين بمحاربة الجريمة والسيطرة على تدفق اللاجئين. وصادق الشعب السويسري على انضمام بلادهم لهاتين الاتفاقيتين في يونيو 2005 رغم الاستفتاء المضاد الذي تزعمه اليمين المتشدد.

تتعلق المرحلة القادمة من الاتفاقيات الثنائية بسوق الكهرباء وبالمشاركة في نظام الملاحة الفضائية الأوروبي عبر الاقمار الاصطناعية المعروف باسم “غاليليو”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية