
يوميات صحافي في وكالة فرانس برس في قطاع غزة وسط استشراء الجوع والموت

يضطر مصوّر الفيديو في وكالة فرانس برس يوسف حسونة يوميا إلى السير ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة لتغطية أخبار الحرب، وذلك في ظل ارتفاع أسعار الوقود وخطورة التنقل في الشوارع في قطاع غزة المحاصر.
ويروي “أمشي يوميا 14-15 كيلومترا حتى أصل إلى مكان الحدث”، مضيفا أنه سار أخيرا “ما يعادل 25 كيلومترا ذهابا وإيابا حتى أحصل على الخبر”.
وأدت الحرب بين إسرائيل وحماس والمستمرة منذ أكثر من 21 شهرا، إلى نزوح غالبية سكان غزة، كما تسببت بنقص حاد في الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى، ودمرت جزءا واسعا من قطاع غزة.
ويشرح حسونة (48 عاما) كيف أن رحلاته الشاقة في الشوارع وفوق أنقاض المباني في قطاع غزة وسط درجات حرارة تتجاوز 30 درجة مئوية، “صعبة، صعبة جدا”، حتى أنها أثرت على استهلاكه للأحذية.
ويقول “كنت أحتاج إلى تغيير حذائي كل ستة أشهر، أما اليوم أحتاج كل شهر أو شهرين إلى تغييره”.
ويزيد النقص الحاد في الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية في غزة من صعوبة عمل حسونة في التغطية سواء كان يصوّر تدافع السكان عند تكيات الطعام أو آثار الضربات الجوية الإسرائيلية الدامية.
وأسفرت الضربات الإسرائيلية على غزة عن مقتل 59219 فلسطينيا، غالبيتهم مدنيون، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التي تديرها حماس وتعتبر الأمم المتحدة أرقامها موثوقة.
وحذّرت أكثر من مئة منظمة غير حكومية الأربعاء من خطر تفشّي “مجاعة جماعية” في غزة حيث يعيش أكثر من مليوني نسمة.
وكانت إسرائيل فرضت في الثاني من آذار/مارس الماضي، حصارا مطبقا على قطاع غزة ومنعت دخول المساعدات قبل أن تخفّف تلك القيود في أواخر أيار/مايو وتسمح بدخول عدد قليل من الشاحنات.
بالنسبة لحسونة الذي يقيم في مدينة غزة، يكمن التحدي الاكبر في تأمين ما يكفي من الطعام له ولعائلته المؤلفة من ثمانية أفراد، بالإضافة إلى شقيقته المريضة التي تسكن معه.
وبعد نحو عامين من الحرب، بدا وجهه الذي كان ممتلئا في السابق، نحيلا، وعيناه غائرتين.
ويقول “كان وزني 110 كيلوغرامات. حاليا وزني 65-70 كيلوغراما”.
– “الأسعار تضاعفت 100 مرة” –
وأدى تفاقم أزمة الجوع في غزة إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية النادرة.
ويقول حسونة “حصولنا على الطعام في قطاع غزة صعب جدا جدا، وحتى إن توفر فإن الأسعار تضاعفت 100 مرة”.
ويشير مثلا الى سعر كيلو العدس الذي كان قبل الحرب يباع بثلاثة شواقل (0,90 سنت)، لكن أصبح اليوم يباع بـ80 شيكلا (24 دولارا).
أما سعر كيلو الأرز فكان بسبعة شواكل واليوم يشترى ب140 شيكلا.
وإلى جانب الغذاء، يواجه الغزيون منذ بداية الحرب صعوبة في الحصول على مياه نظيفة.
ويوضح “هناك صعوبة في الحصول على المياه سواء المياه الحلوة أو المياه المالحة. يضطر أولادي الى الوقوف بالطابور أربع أو خمس ساعات لجلب المياه لا سيما المياه الحلوة” بسبب أعداد الناس الكبيرة التي تتهافت عليها.
وبعيدا عن الاحتياجات الأساسية، يتطرق حسونة إلى النظرة التي أصبح بعض الفلسطينيين في غزة ينظرونها إلى الصحافي خصوصا بعد مقتل صحافيين في استهدافات إسرائيلية.
ويقول مشيرا إلى السترة التي تحمل عبارة صحافة التي يرتديها “هذا الدرع يجعلني أواجه مشاكل”.
ويوضح “هناك ناس يحبون الصحافة وآخرون يخافون من الصحافة”.
ويضيف “الناس الذين يحبون الصحافة يأتون إليّ ويتحدثون” للاستفسار عن آخر التطورات وما اذا كانت ستنتهي الحرب أم لا، ويطلبون أن “أوصل صوتهم إلى الخارج: قل للعالم كله نحن لا نريد الحرب”.
أما النوع الآخر من الناس فيطلبون مني “ألا أسير بجانبهم، لأن الإسرائيليين يقصفون الصحافة”.
ووفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود، قُتل أكثر من 200 صحافي منذ هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وأسفر الهجوم عن مقتل 1219 شخصا، معظمهم من المدنيين، وفقا لتعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.
ويأمل حسونة في حلول السلام.
ويقول “منذ أن ولدنا ونحن نعيش في حروب، لا نريد أن يعيش أطفالنا – وحتى أولاد اليهود – في حرب وفي نزاع”.
ويؤكد “لا يوجد منتصر في الحرب”.
فيد-اش-ها/رض