مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الخليج الثائر في مظاهرات منضبطة

تختلف مظاهرات تأييد القضية الفلسطينية بشكل ملحوظ في منطقة الخليج العربي عن مثيلاتها في دول الطوق أو شمال افريقيا Keystone

(المحيط الهادر والخليج الثائر) توصيف ناصري قديم، لم يكن نصفه الثاني صحيحا على ارض الواقع عدا في السنوات الاخيرة وتحديدا عند احتدام الموقف في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ذلك ان شوارع دول الخليج العربي لم تدرج على اعلان غضبها عبر المسيرات والمظاهرات الحاشدة الا لماما بالنظر الى طبيعة المجتمعات غير المسيسة وايضا بسبب طبيعة الانظمة المحافظة التي لا تسمح بالتحرك خارج اطر الانضباط المطلق.

لكن الامر بدا مختلفا بعض الشيء خلال السنوات الاخيرة، فقد هبت نسائم التغيير على بعض دول الخليج، كما التهبت الاحداث بشكل غير مسبوق، مما جعل الخليجيين يخرجون الى الشوارع لاعلان مواقفهم على رؤوس الاشهاد وتحت عدسات التلفزيونات، وليعلنوا انهم ليسوا اقل الما من بقية الشارع العربي لما يحدث في الاراضي الفلسطينية المحتلة، حتى وان ادى الامر الى مواجهات مع عناصر الامن، مثلما حدث ظهر اليوم في المملكة العربية السعودية.

وربما كانت البداية الحقيقية والابرز للتظاهر الخليجي في الشوارع، عشية انطلاق انتفاضة الاقصى، اي قبل زهاء السنتين، وقد كان حدثا فريدا ان يشاهد الناس في اقطار عربية اخرى، مواطنون بالزي الخليجي المميز وهم يغادرون هدوءهم التقليدي ويجرون في الشوارع هاتفين بحماس، ثم تجدد المشهد هذه الايام عبر عدد من دول المنطقة، ابرزها سلطنة عمان ودولة الامارات العربية المتحدة وقطر، ثم المملكة العربية السعودية رغم قرار السلطات بمنع المظاهرات على اراضيها، متعللة بان المملكة تساند الفلسطينيين بالفعل و ليس (بالكلمات الجميلة)، على حد تعبير وزير الداخلية السعودي.

وغير خاف على احد ان مثل هذا القرار يتم اتخاذه على خلفية امنية تخشى انحراف المظاهرات عن الاسباب التي قامت من اجلها، ومع ذلك فقد حاول الالاف تحدي قرار المنع – كما قال رئيس اللجنة الشعبية السعودية لمناصرة الشعب الفلسطيني، الشيخ عبد الحميد ال الشيخ – الذي اضاف ان قوات الامن حاصرت المظاهرة ومنعتها من التوجه الى القنصلية الامريكية في الظهران بعد صلاة الجمعة.

غير ان اللافت في المظاهرات الخليجية، نزوعها الى الانضباط في اغلب الاحيان، وفيما عدا المظاهرات العنيفة التي اشتهرت بها البحرين في زمن قبل المصالحة، فانه لم يعرف عن الخليجيين ميل الى الفوضى والعنف في مظاهر احتجاجهم، ليس فقط بالنظر الى طبيعتهم الهادئة وعيشهم المرفه، بل ايضا بسبب غياب التنظيمات السياسية والحزبية التي تجيش الناس وتجندهم لمثل هذه الاشكال الاحتجاجية.

تخوفات داخلية من انحراف المظاهرات

ومع ذلك فقد بدات المملكة العربية السعودية في مواجهة بعض التجمعات الشبابية الغاضبة، واغلبها لاسباب داخلية ليست بالضرورة سياسية، لكنها كانت كافية لتوجس السلطات الى درجة عدم السماح لمظاهرات مساندة الفلسطينيين بالخروج الى الشارع، رغم علنية الجهات التي دعت اليها اليوم.

في سلطنة عمان، يبدو الامر اقل حدة من جانب الشارع واكثر تفهما من جانب السلطة، حيث لم تعد المسيرات من البواكير في البلاد، رغم انها ترافق باجراءات امنية صارمة وبمراقبة من الارض ومن الجو، حرصا على عدم تحولها عن مسارها، فيما يكاد ذات الامر ياخذ مجرى انسيابيا في كل من قطر والامارات العربية المتحدة.

ففي الدوحة يدعو الى التظاهر ويؤطره شخصيات رسمية وشبه رسمية، وقد قاد المسيرة الاخيرة هذا الاسبوع رئيسا مجلس الشورى والمجلس البلدي بالاضافة الى دعاة ورجال دين من امثال الشيخ يوسف القرضاوي، ورغم ان زهاء العشرين الف مواطن ومقيم قد مشوا في المسيرة القريبة من السفارة الامريكية، لم يلاحظ اي خلل عليها، واكتفى رجال الامن بمتابعتها من الخلف ومن الامام. وعلى نفس الشاكلة تقريبا، سارت مظاهرات الشارقة في دولة الامارات، فيما بدا وان للوجود الفلسطيني داخل هذه البلدان تاثير في حجم وفي سير المظاهرات.


في الاثناء تتفاوت التقديرات على الصعيد الرسمي لمثل هذه الاشكال الاحتجاجية المستجدة في الشارع الخليجي، وفي حين يرى البعض انها تدريب متدرج ومحسوب للمجتمع الاهلي للتعبير عن نفسه بدون خطر الانزلاق، يعتقد اخرون انها (عادة سيئة) قد تخرج ذات يوم عن نطاق السيطرة وقد تبدا بقضايا خارجية لتتحول بعد التدريب الى احتجاجات على قضايا داخلية.

لكن الاكيد ان ثورة الاتصالات وارتباط الخليجيين الوثيق بالعالم مع التحولات السياسية والاقتصادية التي بداوا يعيشونها بقوة، سوف تغير اشياء كثيرة من بينها اسلوب التعبير الشعبي عن موقف ما، وهو الامر الذي اهتدت اليه قيادات، فيما لا تزال اخرى تتجنبه قدر الامكان، رغم ان التجارب القليلة الى حد الان تعتبر مشجعة بالمقاييس الامنية.

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية